أكد خبراء في الاقتصاد بأن استحداث شبكة لمكاتب الصرف لتسهيل عملية صرف العملات الأجنبية، سيؤدي إلى القضاء التدريجي على السوق الموازية للعملة الصعبة، وعلى تضخيم الفواتير من قبل بعض المستوردين، وسيبعث الطمأنينة لدى المواطنين والمتعاملين.
أثنى مختصون في المجال الاقتصادي على قرار الدولة بالترخيص بفتح مكاتب للصرف، وأكدوا بأن السلطات العمومية سعت منذ سنوات لتقليص السوق الموازية للعملة الصعبة، عبر التحكم في مسار هذه الأموال ومراقبتها، عن طريق وضع إطار قانوني واضح، يسمح للمواطنين بتحويل العملات في إطار شفاف وضمن مسار رسمي واضح المعالم.
ويعد ميدان تحويل العملة من القطاعات الحساسة التي تعني فئات واسعة من المجتمع، وفق ما أكده «للنصر» الدكتور في الاقتصاد أحمد شريفي، لأنه يخص المواطنين العاديين والمتعاملين الخواص والمستثمرين، من أجل تلبية حاجات متعددة ذات العلاقة بالسياحة والعلاج والدراسة وغيرها من الأنشطة التي تحتاج التمويل بالعملة الصعبة، أو لاستيراد المعدات والأجهزة والمواد المختلفة.
غياب مكاتب للصرف شجع المتحايلين على تضخيم الفواتير
وأكد المتدخل بأن غياب مكاتب معتمدة للصرف أدى ببعض الأفراد لاستغلال إمكانياتهم في الحصول على العملة الصعبة لممارسة الاحتيال عن طريق تضخيم الفواتير، وخص بالذكر بعض المستوردين الذين يستغلون مجال نشاطهم لتحويل أموال معتبرة بالعملة الصعبة عن طريق البنوك، بواسطة تضخيم فواتير الاستيراد، من أجل تحويل نسبة من العملة الأجنبية إلى الدينار الجزائري، لمضاعفة ثرواتهم على حساب الاقتصاد الوطني.
وأفاد الدكتور شريفي بأن وجود معدلين للصرف، الأول على مستوى البنوك والثاني في السوق السوداء، شجع على تفشي الممارسات غير القانونية من قبل بعض المتعاملين، وهو ما سيتم الحد منه بعد دخول المشروع الخاص بإنشاء مكاتب للصرف حيز التنفيذ.وحصر المصدر تمويل السوق الموازية للعملة الصعبة في مصادر أساسية، من بينها المغتربين والسياح الذين يقصدون أرض الوطن لقضاء العطلة، وهم بدورهم يستغلون الفارق في صرف العملات الأجنبية ما بين البنوك والسوق الموازية، ويفضلون الطرق غير الرسمية لتحويل العملات الأجنبية لأنها، تمكنهم من الحصول على مبالغ هامة بالدينار لقضاء فترة العطلة في أريحية تامة.
كما تعتبر تحويلات الجزائريين المقيمين بالمهجر المقدرة سنويا بحوالي 3 ملايير دولار، من ضمن مصادر تمويل السوق السوداء للعملة الأجنبية، وتتمثل هذه الأموال المعتبرة في معاشات العمال المتقاعدين التي يتم تحويلها إلى الدينار الجزائري في السوق السوداء، إضافة إلى العملة الصعبة الناجمة عن تضخيم الفواتير التي يتم صرفها في سوق «السكوار».توقع المتدخل أن تساهم مكاتب الصرف في تقليص المعاملات خارج الإطار الرسمي، وكذا الفارق ما بين معدل الصرف الرسمي والمعتمد في السوق السوداء، المقدر حاليا بحوالي 9 آلاف دج، شريطة أن تسهر السلطات العمومية على تمكين هذه المكاتب من هامش فائدة مغر لتفادي التجاوزات، وأن تتحول هذه المكاتب بدورها إلى سوق موازية جديدة.كما اقترح الدكتور شريفي تخفيف الرقابة على السياح المغتربين على مستوى المعابر الحدودية، التي تحول دون تمكنهم من حمل ما يحتاجونه من العملة الصعبة، أو صرف ما تبقى لهم من ميزانية بعد انقضاء العطلة إلى العملة الأجنبية، قائلا بأن مكاتب الصرف ستبعث الطمأنينة لدى الجميع، وتقلص مستوى انتشار السوق السوداء.
نحو تسهيل حركة تنقل الأشخاص من وإلى خارج الوطن
وأضاف من جهته الخبير الاقتصادي والمالي عبد القادر مشدال بأن بنك الجزائر تحدث عن فتح سوق الصرف وفق تدابير مرحلية، وهي تهدف بالأساس إلى تسهيل حركة الأشخاص المقيمين، أي المواطنين والأجانب المعنيين بالسفر إلى خارج الحدود الوطنية، وكذا المتعاملين من مسيري المؤسسات والشركات الاقتصادية، لأن مكاتب الصرف ستعمل على تسهيل تحويل الأموال من وإلى الدينار الجزائري.
وأضاف المتدخل في حديث مع «النصر» بأن مكاتب الصرف ستسهل حركة تنقل المتعاملين والمواطنين في إطار السياحة والأعمال، لاسيما وأن هذه المكاتب سيتولى إنشاؤها وتسييرها أشخاص محترفون، لديهم التحكم في المسائل البنكية والصرف، وذلك بعد الحصول على اعتماد من البنك المركزي الذي سيمنحهم الصفة القانونية لممارسة النشاط، أي بيع وشراء العملة الصعبة حسب الموارد المتاحة في السوق الوطنية.
وأكد المصدر بأنه لا علاقة بين مكاتب الصرف وسوق «السكوار» الذي يعود تواجده إلى عدم كفاية الأموال لإنجاز المشاريع لفائدة المتعاملين، ولتغطية حاجاتهم التمويلية خارج الحدود الوطنية، خاصة ما تعلق بالمشاريع والعمليات التجارية المرخص لها من قبل البنوك. وأضاف من جهته الخبير الاقتصادي فريد بن يحيى بأن المطلوب حاليا بعد صدور قرار إنشاء شبكة لمكاتب الصرف، وتحديد طبيعة علاقة هذه المكاتب مع البنوك، وما إذا كانت تتمتع بالاستقلالية، وما هي المعايير التي سيتم اعتمادها في انتقاء الأشخاص المؤهلين لإنشاء مكاتب لصرف العملة وفق المعدل الرسمي للبنوك.
ويعتقد الأستاذ فريد بن يحيى بأنه يحب أولا أن يتم ضبط مسار العملة الصعبة وحجمها في السوق السوداء أو ما يعرف لدى العامة «بالسكوار»، وذلك قبل الشروع في تجسيد المشروع المتعلق بإنشاء مكاتب للصرف، لأن توفر إحصاءات دقيقة حول العملة المتداولة خارج القطاع الرسمي، ستسهل عملية القضاء على الممارسات غير القانونية في مجال صرف العملات.
وأكد الخبير الاقتصادي بأن فتح مكاتب للصرف سيقلص حجم العملات الأجنبية المتداولة في السوق الموازية إلى نسبة 10 على 15 بالمائة، ويفرض الرقابة على صرف العملات، كما سيمكن الدولة من فرض الرقابة الشاملة على التجارة الخارجية، شريطة أن يصاحب القرار بفتح مكاتب للصرف بإنشاء بنك للتجارة الخارجية، يسهر على عمليات التصدير والاستيراد.
لطيفة بلحاج