يروي طلبة فلسطينيون من جامعة 20 أوت 1955 بسكيكدة تفاصيل مرعبة وأصداء وصلتهم من ذويهم في غزة المحاصرة، مؤكدين للنصر، بأن الأوضاع صعبة جدا و مشاهد القتل و الدمار مرعبة، علما أن بينهم من فقدوا أفرادا من عائلاتهم جراء القصف، فيما تم محو أسر بأكملها من السجل المدني بعدما قضت بسبب العدوان.
تحدث الطلبة الذين تواصلنا معهم، و معظمهم من غزة والضفة الغربية، يزاولون دراستهم بجامعة سكيكدة، عن قسوة الظروف التي يتخبط فيها أهاليهم، عن تتبعهم المستمر للأخبار و مشاهد الدمار التي توثق ليوميات دموية يعيشها ذووهم بسبب المجازر المرتكبة و الحصار والتهجير، وهي ظروف قالوا بأنها حرمتهم طعم النوم، معربين عن أسفهم العميق للموقف العربي الذي وصفوه بالضعيف إزاء ما يحصل في فلسطين، ومطالبين الحكومات العربية بالتحرك والضغط على إسرائيل للسماح بوصول المساعدات الإنسانية، مشيدين بدور الجزائر حكومة وشعبا وموقفها الدائم و المساند للشعب الفلسطيني، كما حيوا رجال المقاومة و أكدوا بأنهم لن يستسلموا إلى غاية تحرير آخر شبر من فلسطين المحتلة.
تنقلت النصر، إلى الإقامة الجامعية رقم 1 الحدائق أين يقيم الطلبة الفلسطينيون والتقينا بـ 5 من مجمل 25 طالبا بالجامعة، رحبوا بنا رغم ملامح الحزن والتأثر التي كانت بادية على وجوههم وعكسها حديثهم.
قال لنا الطالب عبد الرحمن يوسف حسين، سنة ثانية ماستر بكلية الإعلام والاتصال، بأنه ينحدر من مدينة غزة، وفضل العودة بنا إلى اليوم الأول من العملية التي قامت بها المقاومة ضد المحتل الإسرائيلي قبل أن تشهد الأحداث تصعيدا لتتحول إلى حرب شاملة على القطاع والمدنيين بعد إعلان أمريكا والأوروبيين دعمهم للكيان المحتل، ومن تم تصاعدت الأمور وتوترت دون تدخل عربي أو مساعدة في ظل قطع الكهرباء و الماء وقصف المنازل والمستشفيات دون سابق انذار.
فقدت أختي و أسرتها وعائلة زوجها جراء القصف العشوائي
أخبرنا المتحدث، أنه استقبل يوم الاثنين وهو يتناول وجبة الغذاء نبأ وفاة أخته وزوجها وأبنائهما، إضافة إلى والد زوجها وأمه وإخوانه، الذين كانوا متواجدين في المنزل بحي الزيتون بقطاع غزة، بعدما قامت طائرات الاحتلال بقصف منزلهم العائلي دون سابق إنذار وهم عزل، معبرا « نحسبهم شهداء إن شاء الله، ولن تزيدنا هذه الأمور إلا ثباتا وتمسكا بعقيدتنا، كما نريد من العرب مساندة فلسطين لفظا وفعلا عسكريا وفرض دخول المساعدات والاحتياجات لقطاع غزة».
وأضاف، بأنه يعيش رفقة زملائه الطلبة الفلسطينيين في حزن وتوتر وقلق دائم منذ بداية الأحداث، لا سيما في ظل غياب الاتصال مع عائلاتهم بعد قطع وتدمير المحتل لشبكة الاتصالات الهاتفية، وقال « غالبا ما تصلني رسالة من العائلة كل يومين للاطمئنان عليهم، لكن سرعان ما تنقطع الاتصالات مجددا، و مع الظروف الحالية بسبب انقطاع الماء والأدوية ومختلف المساعدات الإنسانية وكل سبل الحياة الكريمة، بات الأمر صعبا جدا في غزة، وعلى هذا الأساس نريد إيصال معاناتنا للعالم الخارجي».
استيقظت على نبأ استشهاد 6 أفراد من عائلتي
أما الطالب محمد العمصي، فقال إنه من طولكرم بالضفة الغربية، و يعيش مع زملائه الفلسطينيين الساعات والأيام بقلق كبير وتوتر لدرجة أنه يعاني الأرق بسبب صور القصف والدمار بعد انقطاع الاتصال وتدمير شركة الاتصالات بقطاع غزة من طرف جيش الاحتلال الصهيوني، موضحا أن آخر اتصال مع أهاليهم كان يوم السبت الفارط، وأضاف بكثير من الألم بأنه استيقظ على نبأ استشهاد 6 من أفراد عائلته بفعل قصف صهيوني غادر على المنزل دون إنذار، إذ تهدم البيت على رؤوس ساكنيه وقضى في الانهيار أطفال لا يتجاوز عمرهم 9 و10 سنوات.
محدثنا، أبدى تخوفه من تصاعد عدد الشهداء و قال بأنه حسب تصريح لوزارة الصحة الفلسطينية فإنه يسقط شهيد كل 5 دقائق في غزة، بسبب القصف الذي يتجدد كل 5 دقائق كذلك، كما أن 60 في المائة من المستهدفين هم النساء والشيوخ و أطفال بعمر شهرين و ثلاثة أشهر، في مشاهد مرعبة لا يمكن تخيلها.
وأكد الطالب، أن الآمال تبقى معلقة على تحرك الأشقاء العرب معلقا « نتمنى أن يقفوا مع إخوانهم الفلسطينيين في قطاع غزة و يمارسوا الضغط على الاحتلال الإسرائيلي لإدخال المساعدات الإنسانية العاجلة إلى المدنيين الذين يعانون من نقص حاد في الماء وقطع مستمر للتيار الكهربائي، ونقص في الأدوية والمستلزمات الطبية، فنحن لا نحتاج الدعم بالكلام ولكننا نحتاج الدعم في الواقع مثلما هو الحال عندما قامت أمريكا و أوروبا بدعم اسرائيل وبالتالي لا بد أن يقدموا لنا مساعدات ملموسة وعدم التزام الصمت و السكوت الرهيب المحير جدا».
سنفشل مخطط تهجير الفلسطينيين
وأضاف محدثنا، بأن الشعب الفلسطيني بصموده وجهاده ومقاومته أفشل مخططا إسرائيليا أمريكيا لتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة إلى صحراء سيناء بمصر، ودفعهم للنزوح إلى مدارس وكالة الإغاثة الدولية، وقال « نتوجه بالدعاء إلى الله سبحانه وتعالى أن يرحم شهداءنا ويشفي جرحانا ونحن مستمرون في المقاومة إلى غاية تحرير أخر شبر من بلادنا».
أما الطالب محمود عاصي، ماستر2 قانون جنائي وعلوم جنائية بكلية الحقوق والعلوم السياسية، فقال إنه ينحدر من الضفة الغربية، واعتبر أن العملية التي نفذتها المقاومة هي رد صريح على سياسة الاحتلال الهمجية ضد المقدسات الفلسطينية في المسجد الأقصى الذي هو شرف الأمة العربية والإسلامية، واعتبر أن الاحتلال فشل في هذه العملية بعد أن أهانت المقاومة كيانه فانتقم من المواطنين العزل، كما سبق وأن فعل في المسجد الأقصى باعتدائه على الأطفال والشيوخ والنساء وحتى المغتربين.
وتابع مسترسلا « إن الشعب الفلسطيني هجر مرتين و يتم تهجيره لمرة ثالثة الآن، أتساءل عن غياب رد فعل لدول العالم و وقوفها في موقع المتفرج وعدم حمايتها للشعب الفلسطيني، خاصة وأن الموقف العربي ضعيف، على العرب أن يتحركوا لماذا مثلا لا ينزل حاكم عربي ويقول كفانا ؟»، مضيفا، « نحن الفلسطينيون لا نحتاج إدانات أو استنكارات يحتاج الشعب إلى موقف قوي بمعنى الكلمة ليعيش بكرامة وحرية وهذا حق كل عربي».
نعتز ونفخر بأسرانا وهم بمثابة قلاع ومدارس وطنية
من جانبه، أوضح الطالب ربيع غنام، الذي ينحدر من الضفة الغربية، بأن الأجواء التي يعيشها هذه الأيام في الاقامة الجامعية رفقة زملائه الفلسطينيين صعبة، بسبب استمرار القصف المتواصل لقطاع غزة، و لا يمكن حسبه أن توجد كلمات للتعبير عن الأمر، واعتبر أن مشروع الاحتلال الصهيوني واضح المعالم وهو تهجير الشعب الفلسطيني بكامله من أرضه واحتلال فلسطين وبالتالي فإن في ذلك مساسا بشرف الأمة العربية، وقال « عندما يصفنا المحتل بالإرهابيين نقول لهم أننا مجاهدون وشهداء، وإن سقط ألف شهيد ستنجب فلسطين ألف مليون شهيد آخر، ونحن مشروع شهادة بإذن الله، كما نوجه تحية لأسرانا لأنهم بمثابة مدارس وقلاع وطنية نعتز بها».
نشكر الدولة الجزائرية حكومة وشعبا
وأشاد الطلبة الفلسطينيون الذين قابلناهم، بموقف الجزائر الثابت حكومة وشعبا تجاه القضية و المساندة الدائمة لفلسطين، كما شكروا مدير الجامعة ومدير الخدمات الجامعية وكذا رئيس المجلس الشعبي الولائي والتنظيمات الطلابية، وكل من قدم لهم العزاء والدعم المعنوي عقب تلقيهم خبر استشهاد أفراد من عائلاتهم وأقاربهم، وقالوا إنها وقفة مهمة لرفع المعنويات، خاصة وأن ممثلي السلطات الولائية تنقلوا إلى الإقامة لإبلاغهم التعازي و التأكيد على موقف الجزائر.
كمال واسطة