لم يعد هنالك مكان آمن في غزة من القصف العدواني للكيان الصهيوني، والذي طال كل بناية لا تزال تنبض بالحياة، مهما كان نوعها، حيث تواصل آلة القتل الإسرائيلية إلقاء القنابل والصواريخ المتطورة على المدارس التي تأوي العائلات والمخابز التي تلفظ أنفاسها الأخيرة وقبلها المشافي وحتى دور العبادة من مساجد وكنائس.
ويواصل جيش الاحتلال الصهيوني استهداف كل ما ينبض بالحياة داخل غزة المحاصرة منذ 17 عاما، في محاولة يائسة لإرغام الفلسطينيين على النزوح من القطاع إلى ما وراء الحدود، حيث طال القصف هذه المرة كنيسة الروم الأرثوذكس والتي تعد ثالث أقدم كنيسة في العالم، علما أنها تأوي عددا كبيرا من العائلات التي فرت بعد أن هدم القصف منازلها بالكامل، وهو ما يعد جريمة حرب أخرى كاملة الأركان اقترفها جيش الاحتلال بعد قصفه في الأسبوع الأول من العدوان عددا من المساجد ما تسبب في هدم 7 منها.
قالت اللجنة الرئاسية العليا لمتابعة شؤون الكنائس في فلسطين، أن استهداف أحد مباني كنيسة القديس «برفيريوس» في قطاع غزة، والتي يحتمي بها ما يقارب 500 مواطن فلسطيني مسلمين ومسيحيين، «يؤكد أن بنك أهداف الاحتلال الصهيوني هم المواطنون العزل من أطفال ونساء وشيوخ»، وأضافت اللجنة في بيان لها، أن الصورة أصبحت واضحة للعالم بأن الكيان الصهيوني «ينفذ مخطط إبادة جماعية بحق شعبنا الفلسطيني في قطاع غزة».
ولا يكترث جيش الاحتلال الصهيوني للديانة أو الجنس أو السن، فالكل عنده سيان فلا مكان عنده للفلسطيني فوق وجه المعمورة، وهمه الوحيد تطهير الأرض من سكانها الأصليين وتهجيرهم، مستفيدا من الغطاء الغربي السياسي واللوجيستي والمادي، وازدواجية التعاطي مع ملف حقوق الإنسان، حيث لم يشفع 4218 شهيدا ارتقوا منذ 7 أكتوبر الماضي و13 ألف جريح ومئات المفقودين ومئات المباني السكنية التي سويت أرضا، واستهداف المساجد والكنائس والمدارس والمخابز في إجباره على التوقف، أو حتى السماح للمساعدات الانسانية في الوصول إلى الجوعى والعطشى ونقل المرضى والمصابين للعلاج.
وأكد المتحدث الرسمي باسم السلطات الصحية في قطاع غزة، أشرف القدرة ، أن جيش الاحتلال الصهيوني ارتكب 37 مجزرة راح ضحيتها 352 شهيدا، و669 مصابا خلال 24 ساعة، وأوضح القدرة في مؤتمر صحفي أمس الجمعة، أن «هناك أكثر من 1000 مفقود أغلبهم من الأطفال جراء العدوان المستمر»، منبها إلى أن الساعات القادمة «حرجة للغاية أمام الطواقم الطبية، مع شح الوقود والمستلزمات».
ولم يختلف الواقع الميداني كثيرا عن الأيام 14 الماضية، حيث يواصل الطيران الحربي لجيش الاحتلال الصهيوني طلعاته الجوية على القطاع ويلقي القنابل والصواريخ الموجهة على ما تبقى من مباني متهالكة، فيما أكدت مصادر إعلامية فلسطينية عن محو أحياء سكنية كاملة، ما تسبب في تحويل أبراج سكنية إلى تراب، مع التأكيد على أن الطيران الحربي والمدفعية لم تتوقفا عن القصف ولم تُخفض من وتيرتها طيلة العدوان.
وعلى الرغم من المسيرات الحاشدة في العالم أجمع والتنديدات الرسمية والشعبية، يواصل جيش الاحتلال في عملات ممنهجة استهداف الأطفال والنساء في غزة ومدن الضفة الغربية وبالقدس، ضاربا بذلك عرض الحائط كل الخطوط الحمراء والأعراف الدولية.
أما بالمستشفيات فالوضع يزداد سوء، فبعد أن كشف الأطباء عن دخولهم مرحلة المفاضلة بين المصابين، والقصف الذي طال مستشفى الأهلي المعمداني، أعنت وزارة الصحة الفلسطينية عن خروج 7 مستشفيات كاملة داخل القطاع عن الخدمة بشكل تام وذلك لأسباب مختلفة كتعرضها للقصف أو نفاذ مخزونها الاستراتيجي من الأدوية والمستلمات الطبية، فيما أعلنت مؤسسات صحية أخرى أن أطباءها يجرون العمليات الجراحية دون القيام بعمليات التخدير وبقاعات غير معقمة، مع التأكيد على أنهم لا زالوا يتلقون اتصالات من جيش الاحتلال بمغادرة المشافي حتى يتم قصفها.
وعلى النقيض من ذلك لم تثن لغة التدمير والجرائم التي تتحدث بها أسلحة الجيش الصهيوني من عزائم المقاومين عبر كافة الفصائل الفلسطينية، الذين يواصلون قصف المستوطنات في فلسطين المحتلة، مع تحكم واضح في توقيت العمليات العسكرية والأماكن، وهو ما يؤكد وجود مخطط لمجابهة أي عدوان مهما طال زمنه، إلى جانب خوض حرب إعلامية كبيرة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لتجاوز الحجب والتضييق الذي تتعرضان له، فضلا عن مجابهة الأكاذيب التي تبث من قبل وسائل الإعلام الغربية التي بينت تواطؤها على الشعب الفلسطيني في كفاحه.
عبد الله.ب