تجوب العالم منذ أول أمس، فيديوهات تحرير الرهائن الإسرائيليين لدى حماس، وتنصع الصور الحدث، خاصة وأنها المرة الأولى التي يظهر فيها أسير منسجما مع خاطفه، بل ويبتسم له و يصافحه ويتلقط معه الصور و يودعه بحرارة وألفة، مشاهد فريدة نشرها الإعلام العسكري للمقاومة، و استطاع بفضلها أن يزرع شوكة في قلب الدعاية الصهيونية ويمزق صورة نمطية كرسها الإعلام الغربي والإسرائيلي لسنوات، حيث أضاءت وحدة الظل، خلال دقائق معدودة صفحات من تاريخ المقاومة و القضية لتكسب كتائب عز الدين القسام، تعاطفا شعبيا دوليا كبيرا عكسته ردود الأفعال على مواقع التواصل.
النظرات التي ورطت نتنياهو
«مايا ريجيف جربي» 21 عاما، أسيرة إسرائيلية ورطت نظراتها حكومة الاحتلال في أزمة كبيرة وأسقطت كل جهود الدعاية التي ينفق عليها الكيان الملايير بدعم غربي مطلق. « باي مايا»، كلمة ودع بها ملثم من رجال المقاومة الأسيرة التي كانت تتكئ على عكازين وتستند إليه وهي تتجه نحو سيارة الصليب الأحمر، فردت بعبارة « باي ...شكرا» وبنظرة اختزلت كثيرا من مشاعر التعلق و المودة، لحد أن هناك من المعلقين من وصفها بنظرات « الحب».
كلمة، فنظرة ، فهاشتاغ «# باي مايا»، فنهاية أكاذيب كثيرة روج لها نتنايهو وحكومته و المتحدثون باسم جيشه لأسابيع، وحاولوا خلالها أن يقدموا حماس كوحش يهدد بالتهام الأسرى والعالم، لتنتصر المقاومة إعلاميا بشكل مدو بفضل فيديوهات ومشاهدة لا تتجاوز بضع دقائق، آخرها فيديو نشره الإعلام العسكري لكتائب عز الدين القسام، عن عملية تسليم 13 أسيرا بينهم أطفال ونساء في إطار الدفعة الثانية من صفقة تبادل الأسرى، مقابل إفراج إسرائيل عن 39 من النساء والأطفال الفلسطينيين المحتجزين في سجونها.
وكان كل من مستشفى»فوولفسون» و مستشفى «شنايدر» في تل أبيب، قد استقبلا مجموعة من الأسرى الذين أفرجت عنهم حماس، و أصرت إدارتاهما، بأنهم جميعهم في وضعية صحية جيدة، كما تم نقل مايا، بعد إطلاق سراحها إلى مركز سوروكا الطبي في بئر السبع، حيث تلقت العلاج الطبي اللازم، وتم وصف حالتها بأنها مستقرة وأن حياتها ليست في خطر، و وفقًا لتقرير لصحيفة «تايمز أوف إسرائيل» العبرية، يعكس هذا الوضع العناية الجيدة التي تلقتها مايا أثناء فترة احتجازها لدى المقاومة الفلسطينية.
وقد تداولت مواقع التواصل الاجتماعي، صورًا للأسيرة المحررة وأثارت ردود أفعال قوية، خاصة من قبل الإسرائيليين الذين دعوا إلى وقف نشر الفيديوهات والصور لأنها تسيء إلى صورة إسرائيل وجيشها و تضرب الدعاية في مقتل، وبالقابل تبعث من خلالها كتائب القسام، الرسائل للعالم عن سماحة الدين الإسلامي ورأفته بالأسرى والمرضى والنساء والأطفال بدليل أن كل المفرج عنهم من مختلف الأعمار تركوا بصمات للتاريخ تعكس الوجه الجميل للمقاومة.
واتهمت بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية حماس، بإجبار الأسرى المفرج عنهم على إظهار الود لعناصرها والتلويح لهم، لتحول المناسبة إلى فيلم دعائي، فيما رفض ناشطون إسرائيليون نشر مقاطع فيديو تسليم للأسرى قائلين إنهم لم يقتنعوا بما سموها الدعاية الفظيعة التي تنتجها حماس.
« عاملونا بلطف» تصريحات تضاعف شعبية الملثم
وأمام الكاميرات وقف أيضا، الأسرى الآخرون المفرج عنهم، وهم في صحة جيدة يبتسمون و يلوحون بأيديهم لجنود المقاومة، بينهم طفلة صغيرة بدت سعيدة وهي تودع من يفترض أنه جلادها الملثم المدجج بالسلاح، و بدت والدتها كذلك مرتاحة جدا ولا تكف عن الابتسام، فيما ظهر أحد رجال القسام، في فيديو خلال تسليم الدفعة الأولى من الرهائن يوم الجمعة الماضي، وهو يحمل عجوزا إسرائيلية لينقلها إلى سيارة الصليب الأحمر الذي استقبل الأسرى، في عملية استثنائية قدمت خلالها المقاومة صورة مغايرة تماما لوصف «الإرهابيين» الذي تستخدمه وسائل الإعلام الغربية والإسرائيلية.
وكانت صحيفة جيروزاليم بوست، قد نقلت عن شابة الإسرائيلية أن جدتها يافا، عادت من غزة «جميلة ومشرقة وفي وضعية صحية جيدة». وفي شهادة أخرى، قال قريب لإحدى الأسيرات «لحسن الحظ، لم يتعرضوا لأي تجارب غير سارة أثناء أسرهم، بل تمت معاملتهم بطريقة إنسانية.. خلافا لمخاوفنا، لم يواجهوا القصص المروعة التي تخيلناها.. كان يتابعون الراديو والتلفزيون، حيث سمعوا الأخبار من إسرائيل».
ويتم منذ بداية عملية تبادل الأسرى تداول الفيديوهات على نطاق واسع على مواقع التواصل الاجتماعي، وبالخصوص على منصتي إكس و تلغرام، بعدما قامت شركة ميتا بحذفها من فيسبوك و إنستغرام، في إطار دعمها الصريح و المعلن للكيان الغاشم في عدوانه على غزة، إذ يذكر هنا أنها سمحت مؤخرا بنشر إعلانات تدعوا لقتل الفلسطينيين.
ولا تعد الضجة التي رافقت صفقة تبادل الأسرى، أول ضربة تتلقاها إسرائيل التي قررت منع الأسرى المفرج عنهم من الحديث مباشرة للصحافة، وذلك على خلفية النزيف الذي سببته تصريحات سابقة لأسيرات إسرائيليات أفرجت عنهن حماس لدواع إنسانية شهر أكتوبر، إذ صدمت الأسيرة السابقة يوخباد ليفشيتس85 عاما، حكومة نتنياهو، واعتبرت بأنها « تصريحات غير مسؤولة» وقد «سببت ضررا لإسرائيل»، حيث أجابت العجوز خلال مؤتمر صحفي في تل أبيب بالقول: «لقد تعاملوا معنا بود وعناية، ووفروا لنا بالأسر الطعام والدواء، وأحضروا لنا طبيبا لفحصنا، وكذلك ممرض لمتابعة وضعنا الصحي ومعالجة من أصيب منا بجراح».
وبعد المؤتمر الصحفي الذي عقدته ليفشيتس وأفراد عائلتها، أثارت التفاصيل التي نقلتها وسائل الإعلام العالمية والتي أظهرت حركة حماس بشكل إيجابي وتبنت روايتها بملف الأسرى، ضجة في مختلف الأوساط الإسرائيلية مع توجيه الانتقادات الداخلية وتبادل التهم، بحسب ما أفاد الموقع الإلكتروني لصحيفة «يديعوت أحرونوت».
عنف و إذلال و ظلم كبير في الجانب الآخر
و بعكس الصورة الإنسانية التي قدمتها حماس و عكست من خلالها أخلاق المقاومة ورجالها، و صححت بعض التصورات الخاطئة التي كرستها الدعاية الغربية عن الإسلام والعرب و عن الفلسطينيين و القضية عموما، فضحت تعامل الاحتلال المخزي مع الأسرى و ذويهم، وحشية الصهيونية و كشف حقيقته إسرائيل أمام العالم، خاصة بعدما منع الأسرى من إبداء أية فرحة أو أية مظاهر احتفال، كما منع ذووهم من استقبالهم في منازلهم، و صورت عدسات وسائل إعلام عالمية تعامل الجنود الإسرائيليين مع عائلات الأسرى و اقتحام منازل بعضهم قبيل موعد الإفراج عنهم بساعات، مثلما حصل في منزل الأسيرة إسراء جعابيص.
تصريحات الأسرى الفلسطينيين المفرج عنهم، حملت أيضا شهادات عن وحشية الاحتلال و المعاملة غير الإنسانية التي تفرضها الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط كما تدعي، وهو أضعف موقف إسرائيل أكثر، حيث كشفت الأسيرة المحررة فاطمة عمارنة، « بأنها تعرضت للضرب الشديد على أيدي الجنود الإسرائيليين»، وقالت الأسيرة المحررة ميسون الجبالي أن « سلطات الاحتلال سحبت كل شيء من الأسيرات بعد 7 أكتوبر، وقمعتهن بالعزل الانفرادي وبالضرب والرش بالغاز» وأضافت في تصريحات إعلامية « أن إدارة السجون كانت تقدم طعاما شحيحا لـ80 أسيرة، ولا يكفي بالكاد لأقل من 10 أفراد».
التعاطي مع هذه الصور و الفيديوهات والتصريحات الصادرة على الأسرى من الطرفين، تلعب اليوم دورا كبيرا في تعديل ميزان القوى إعلاميا و إبراز حقيقة الأحداث في غزة، حيث تتصاعد شعبية المقاومة ويعيد الكثيرون ضبط قاموس تعريفها، بدليل التعليقات والهاشتاغات والترند، بعدما اتهمتها أبواق الدعاية بالإرهاب، إذ بدأت رقعة الدعم الشعبي العالمي تتسع بحسب ما تعكسه ردود الفعل على المنصات وتبينه صور المظاهرات عبر عواصم العالم، بشكل يثبت أن صاحب الحق ينتصر دائما، وهو ما حققته القسام، في معركتها الإعلامية ضد المحتل منذ بداية طوفان الأقصى. هدى طابي