فتح نجاح تجربة دار ضيافة بمنطقة غوفي، الباب أمام مبادرات مماثلة في منطقة الأوراس، فالفكرة التي أسس لها عزوز سي عمر، صارت رائجة اليوم و بينت أهمية هذا النوع من الخدمات في دفع عجلة السياحة، حيث بادرت عائلات أخرى بتيمقاد الأثرية وبمنطقة إينوغيسن المتاخمة لغابات شليا، إلى الالتحاق بالمجال لأجل الترويج للسياحة الأثرية والجبلية، و الانتفاع كذلك من موسم الصيف، الذي تعد الحركية خلاله فرصة لتأجير البيوت لزوار من ولايات الجنوب على غرار ولاية بسكرة المجاورة، تقصد المدينة وجبالها هربا من الحرارة، وتختار مناطق معتدلة مثل أريس وإشمول وإينوغيسن، وفم الطوب وتكوت.
بديل الفنادق في المناطق الجبلية
تجربة دار الضيافة الأولى في المدينة لصاحبها عزوز سي عمر، كانت الخطوة الأولى التي رسمت مسار نمط جديد للإيواء في المنطقة، وقد صنعت الدار الحدث على مستوى منطقة غوفي، وساهم نجاحها في الترويج السياحي للمنطقة في ظل حاجة الزوار والسياح لخدمات مماثلة، وهو ما جعل السلطات العمومية تتجاوب بمنح الترخيص لصاحبها عزوز سي عمر المعروف في المنطقة بتسمية عزوز لمعشرث، أو عزوز بوشلاغم.
وتعد دور الضيافة بديلا للفنادق في المناطق الجغرافية صعبة التضاريس، حيث لا تتطلب إمكانيات كبيرة لإنجازها، وتقدم في المقابل خدمات تلبي حاجة السياح بالمناطق الجبلية، وهو ما جعل عزوز لمعشرث، كما يحب أن ينادى، وذلك لحسن معشره، يبادر قبل نحو 10 سنوات إلى تحويل دياره العتيقة، إلى مرفق سياحي أخذ شهرة بمنطقة غوفي.
وكان عزوز كما يروي، قد انطلق في العمل رفقة أفراد عائلته بإمكانيات بسيطة لتحويل بيت أجداده التقليدي المشيد وفق النمط الأوراسي من الحجارة والطين، إلى دار لضيافة السياح مستغلا في ذلك موقع سكنه المجاور لشرفات غوفي السياحية، والتي تعرف إقبالا كبيرا من الزوار، ورفع محدثنا وعائلته التحدي في البداية بإعادة ترميم المسكن المكون من غرفتين ومطبخ، ليفتح بابه ويقدم خدمات الإطعام والإيواء، قائلا بأنه كان يضطر في البداية للنوم خارجا فاسحا المجال للسياح.
نجاح تجربة دار الضيافة جعلته يفكر في توسيعها لاستيعاب السياح متحديا العراقيل، خاصة وأنه اضطر خلال فترة إلى تعليق عمله حتى الحصول على ترخيص من طرف السلطات العمومية لنشاطه، وهو ما فسح المجال أمام هذا النوع من النشاط السياحي، وقد عمد، إلى توسيع دياره بالحجارة والطين، بطراز تقليدي يعكس تراث عمران منطقة الأوراس، حيث أن البيت القديم يوفر برودة في فصل الحر و دفئا في فصل الشتاء.
دار ضيافة ومتحف تقليدي يطل على شرفات غوفي
الزائر لديار عزوز لمعشرث، بالقرب من شرفات غوفي، سينبهر بطابعها التقليدي الشاوي كما سيحب رحابة صدر صاحبها المعروف بلطفه، الذي عمد بعد نجاح تجربة دار ضيافته إلى توسيعها لتصل طاقة استيعابها إلى أزيد من 200 شخص، كما يوفر عزوز الذي بات مضطرا لضبط المواعيد مسبقا بالنظر للإقبال الذي تعرفه دياره، خدمات إطعام وإيواء للسياح الذين يترددون على المنطقة من مختلف ولايات الوطن، ومن خارجه وللمجموعات السياحية، ولوفود من الجامعات وأخرى أجنبية تزور غوفي.
ويوفر البيت راحة وخصوصية، لأنه مشيد بطريقة تقليدية ومؤثث أيضا بمفروشات وتجهيزات تقليدية تحيط بموقد النار التقليدي، والأكيد أن الزائر سيتعرف على موروث المادي وغير المادي وتقاليد منطقة الشاوية بالأوراس، إذ تقدم في المكان أطباق تقليدية متنوعة خاصة بالمنطقة وتتنوع نزولا عند طلب الزبائن، وتبقى أكلة لحم الماعز المردوم التي يبرع عزوز رفقة زوجته وبناته في تحضيرها الأكثر طلبا، حيث يطبخ تارة الطعام يمرح وتارة أخرى مع ضيوفه، ثم يعزف بعد الطعام على آلة القصبة نغما شاويا مطربا حضوره.
يتيح موقع البيت إطلالة طبيعية رائعة على وادي غوفي الممتد بين التل، ويستمتع الزوار بأكلات عمي عزوز الشهية التي ينتظرونها بشغف مستمتعين بجمال المكان، حيث يشعل موقد المردومة لطهي ما لاذ وطاب خاصة لحم الماعز الذي تتم تربيته بكثرة بالمنطقة، وتقدم الأكلات في أطباق تقليدية، ومعروف أن المردوم، هو وضع اللحم في حفرة، يتم ردمها أو تغطيتها بالطين ليطبخ الطعام جيدا.
ويقدم مضيفنا، بعد تناول الأطباق وخلود الضيوف للراحة مشروب "أمزوشن" كما يعرف بالشاوية، وهو عبارة عن مستخلص عشبة برية تنمو في المنطقة تتناولها العائلات ومعروف أن لها فوائد كبيرة، بحيث تسهل الهضم وتزيل الدسم، فضلا عن تنشيطها للدورة الدموية، ولا يكاد يتوقف عمي الرجل عن الضحك والمرح مرحبا بضيوفه، حتى بات حضوره مهما في الجولات السياحية التي تقود الزائرين للمنطقة الممتدة على طول طريق إغزر أملال أو الوادي الأبيض، من أريس إلى غسيرة، وتكوت، وبانيان، وكاف لعروس، ومشونش إلى غاية عروس الزيبان بسكرة.
"السكن لدى القاطنة" تجربة تجذب سياح إينوغيسن وتيمقاد
وقد برزت مؤخرا أيضا، مبادرة مماثلة بمنطقة تيمقاد الأثرية، لعائلة تستضيف السياح وتوفر الخدمات للوافدين على الموقع الأثري تاموقادي، وبادرت عائلة أخرى من منطقة إينوغيسن الجبلية المتاخمة لغابات شليا، إلى فتح مسكنها العائلي لتقديم خدمات للسياح بعد اعتماد مصالح السياحة بالولاية للأسلوب كنموذج مقبول.
وجاء هذا التوجه الجديد في ظل الإقبال الكبير على موقع تيمقاد المعروف بالآثار الرومانية، ومنطقة إينوغيسن السياحية التي تتوفر عليه من مقومات طبيعية وفلاحية وتاريخية، فهي تشتهر بشعبة إنتاج التفاح، ويعد السفر إلى إينوغيسن من الجهة الشمالية أو الجنوبية، لافتا جدا بفضل خضرة وثراء بساتين التفاح والأشجار المثمرة المترامية على المرتفعات عند سفوح الجبال.
ناهيك عن المناظر البهية لأشجار التفاح بكل أصنافه وألوانه التي تظهر في مواسم الجني، وتشتهر المنطقة الجبلية بغابات أشجار الأرز الأطلسي الممتدة في قلب الشليا، لهذا يحبذ العديد من الزوار توفر الخدمات السياحية من إطعام وإقامة، خاصة وأنه إلى الماضي القريب ظلت شاليهات شليا للمؤسسة العمومية للهندسة الريفية، الوحيدة التي تستقبل السياح الزائرين للمنطقة، ولقد وجد الكثير من الزوار في دور الضيافة بمنطقة إينوغيسن بديلا ، وهي بالنسبة لأهل المنطقة مبادرة لتشجيع السياحة، نظرا لما توفره العائلة من خدمات إطعام وأطباق تقليدية و حتى عصرية بالإضافة إلى خدمة الإيواء.
وتعد دار الضيافة بإينوغيسن محطة للراحة و نقطة انطلاق للتجوال في المنطقة والتعرف على تاريخها، حيث لا تبعد طويلا عن متحف دشرة أولاد موسى، بمنطقة إشمول التي كانت محطة لتوزيع السلاح ليلة الفاتح نوفمبر 1954، إيذانا باندلاع الثورة من الأوراس تحت قيادة الشهيد الرمز البطل سي مصطفى بن بولعيد، ويمكن التوجه أيضا بعد أخذ قسط من الراحة بدار الضيافة بإينوغيسن، نحو سد يابوس بخنشلة للتمتع هناك بمناظر سياحية خلابة لغطاء غابي يلامس زرقة مياه السد، وذلك مرورا بقرى ومداشر تروي بطولات ثورية لأهل الأوراس ضد المستعمر الفرنسي.
وتتميز منطقة إينوغيسن وما جاورها في فصل الصيف، بمناخ لطيف بفضل غطائها الغابي الكثيف، ما يجعلها مقصدا للسياح هواة المناطق الجبلية وكذلك الرياضيين ممن يستهويهم المشي والركض وممارسة الرياضة في الغابات والمرتفعات، كما أن إينوغيسن نقطة عبور باتجاه غابات شليا، للقادمين من الجهة الشمالية انطلاقا من عاصمة الولاية باتنة، فضلا عن أن قصر المسافة باتجاه الجنوب يجعلها قبلة للعائلات البسكرية، بالإضافة لعائلات تأتي من واد سوف والمغير وجامعة وتقرت، هربا من ارتفاع درجة حرارة الصيف في الجنوب ولقضاء العطلة مع أطفالها في أجواء مريحة وسط الطبيعة.
وفي سياق متصل، أوضح مسؤول بمديرية السياحة، بأن صيغة دار الضيافة تخضع لنفس قوانين تسيير الفنادق بحيث تتطلب رخصة من الوزارة، على عكس صيغة "السكن لدى القاطنة"، التي تخضع لترخيص مشترك بين مصالح السياحة والجماعات المحلية، ممثلة في البلدية، على أن يتم التصريح بالنزلاء لدى البلدية والمصالح الأمنية، مشيرا إلى تسهيل الإجراءات لعزوز لمعشرث بشرفات غوفي لاستقبال السياح بداره، لكونه حرفيا معروفا ويتمتع بشعبية في المنطقة، كما تحدث عن تمكين عائلتين من النشاط بإينوغيسن وتيمقاد.
فضاء مثالي لجلسات " الشوتينغ "
قادتنا رحلة بين إينوغيسن و شليا، إلى غاية الشاليهات الخشبية في الغابة الغناء، وقد لاحظنا في الطريق حركة كبيرة لحافلات الرحلات السياحية ذهابا وإيابا، كما صادفنا رياضيين تستهويهم ممارسة نشاطهم بمرتفعات شليا، ناهيك عن تواجد مجموعات من محبي الطبيعة، كانت وجهة البعض قمة رأس كلثوم ثاني أعلى قمة جبلية في الجزائر. ومعلوم أن غابة شليا، تحتضن أشجار الأرز الأطلسي العريقة بجذورها، والشامخة بعلوها والباسقة الجمال، وهو ما يجعلها مقصدا سياحيا مهما، كما أن المنطقة تروي بطولات شهداء ومجاهدي ثورة التحرير، إذ يوجد بها نصب تذكاري شاهد على مجازر المستعمر الفرنسي، الذي كان يرمي المجاهدين والجزائريين العزل من أعلى مرتفع صخري.
وبات الموقع الطبيعي السياحي والتاريخي اليوم قبلة أولى للسياح الباحثين عن الراحة و النزهة، ووجهة مفضلة لأصحاب مراكز وأستوديوهات التصوير، وأصحاب العلامات التجارية، وهو ما وقفنا عليه في جولة بالمنطقة، حيث تزامن تواجدنا بشاليهات شليا، مع عمل فريق مشرف على تكوين في مجال التصوير من الجزائر العاصمة، ومن ضمن أفراده ضيوف من دولتي تونس وليبيا، ولقد وجد رئيس مركز التصوير حسبما أكده لنا، موقع شليا مكانا مناسبا للعمل وسط الطبيعة الخلابة.
كما تواجد في المكان أيضا، فريق تصوير محترف آخر، كان يأخذ صورا لعارضات أزياء، وأخبرنا مسؤوله، بأنه يفضل شليا لما تتمتع به من طبيعة خلابة وهدوء لأخذ صور زبائنه، مؤكدا بأن تصويره للأزياء والفساتين في موقع شليا، يزيد الطلب عليها ولذلك يتردد على المكان.
يـاسين عـبوبو