السبت 23 نوفمبر 2024 الموافق لـ 21 جمادى الأولى 1446
Accueil Top Pub

في اليوم الوطني للصحافة: مكاســــب وتجربــــة تؤهــل الإعــلام لمواجهـــة التحديــات

مكاسب هامة حققها القطاع
استبعاد المال الفاسد و وضع الإطار التشريعي لإعلام مهني
تحيي الأسرة الإعلامية، اليوم الوطني للصحافة الذي يصادف 22 أكتوبر من كل سنة الجزائر، في ظل إصلاحات يشهدها قطاع الإعلام الذي تدعم بنصوص قانونية جديدة، يتم تجسيدها على أرض الواقع تنفيذا لالتزام رئاسي، من أجل تحقيق حرية الصحافة وتعدديتها واستقلالها، وضمان احترام قواعد الاحترافية وأخلاقيات المهنة.
يحرص رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، على إعطاء دفع قوي للإعلام الوطني ومهنة الصحافة، من خلال تحريرها من القيود المفروضة من قبل أصحاب المال وإبعادها عن التجاذبات والسجالات السياسية والأيديولوجية وإبقائها ضمن إطارها المهني الأخلاقي البعيد كل البعد عن التشهير والقذف، والتوجه نحو إعلام تنويري يساهم في بناء مجتمع واع بحجم التحديات التي تواجهها البلاد.
وقد راهن الرئيس تبون، منذ عهدته الرئاسية الأولى على إعادة ترتيب قطاع الإعلام وترقية أدائه وأيضا للتكيف مع تطورات وتحولات مرتبطة بالمشهد الإعلامي عموما. وقد تجسد ذلك عبر سلسلة من القوانين التي رأت النور ويجري تنفيذها على ارض الواقع على غرار القانون العضوي المتعلق بالإعلام وقانوني الصحافة المكتوبة والإلكترونية والنشاط السمعي البصري، والمرسوم الرئاسي الذي يحدد تشكيلة المجلس الأعلى لآداب وأخلاقيات مهنة الصحفي وتنظيمه، في انتظار مشروع قانون الصحفي الذي يخضع للتحسينات الأخيرة.وأكد الرئيس تبون، من خلال التعليمات التي وجهها للحكومة بخصوص قطاع الإعلام في عديد المناسبات، على ضرورة إرساء منظومة قانونية تكرس لإعلام مهني، الأمر الذي من شأنه أن يدفع الصحافة لأن تكون «حصنا منيعا» ضد محاولات التشويش التي تطال الجزائر، وكذا الدفاع عن التوجهات الكبرى والسياسة الخارجية للبلاد. وبهذا الخصوص، يشكل إصدار القانون العضوي المتعلق بالإعلام، وكذا قانوني الصحافة المكتوبة والإلكترونية والنشاط السمعي البصري مكسبا هاما لقطاع الإعلام.
وساهمت القوانين الجديدة في سد ثغرات تساهم في تنظيم المهنة مع الأخذ بعين الاعتبار متطلبات مهام الخدمة العمومية والصالح العام ومواكبة التغيرات الناجمة عن التطور التكنولوجي ويتماشى والمقاييس الدولية، من خلال تعزيز حرية الصحافة المكتوبة والسمعية البصرية والإلكترونية وبروز صحافة متجذرة في الواقع الوطني واعية بالرهانات وملتزمة بالآداب وأخلاقيات المهنة.
وعمدت السلطات العمومية إلى تنظيم الممارسة الإعلامية في مجال الصحافة الالكترونية، عبر تأطيرها قانونيا، وقد فتح هذا السند القانوني، الباب أمام الكثير من الممارسين لخوض تجربة في مجال الصحافة الإلكترونية، عبر إنشاء جرائد الكترونية، متخصصة في عدة مجالات ثقافية، رياضية، اقتصادية وأخرى متنوعة، أين ساهمت بشكل كبير في محاربة الأخبار الزائفة والمفبركة المتداولة عبر الفضاء الأزرق. كما كثفت وزارة الاتصال جهودها نحو التكوين في مجال الصحافة الإلكترونية، ونظمت دورات تكوينية للصحفيين.
  لا إكراهات واستبعاد المال الفاسد
وحرص الرئيس تبون على استبعاد أصحاب المال الفاسد من الاستثمار في قطاع الإعلام، فقد تم إلزام وسائل الإعلام بالتصريح بحيازة رأس مال وطني خالص وإثبات مصدر الأموال المستثمرة والأموال الضرورية لتسييرها أمام الوزارة المكلفة بالاتصال أو لدى السلطة الوطنية المستقلة لضبط السمعي البصري حسب نوعية النشاط». وفي مجال السمعي البصري، تم تعديل القانون الأساسي لسلطة ضبط السمعي البصري من خلال منحها «الطابع الخاص مع إيكالها، إضافة للمهام المنوطة بها، مسؤولية ضبط ومراقبة خدمات الاتصال السمعي البصري عبر الأنترنيت، إلى جانب خدمات الاتصال السمعي البصري التقليدية».
وتصب مجمل التعديلات التي تم إقرارها لتكريس الحقّ للصحفي في حرية التعبير في إطار احترام الدستور والقوانين السارية المفعول، بالإضافة إلى حمايته من كل شكل من أشكال العنف أو الإهانة أثناء وبمناسبة أداء مهامه، وذلك قصد تمكينه من ممارستها بعيدا عن أي ضغط قد يتعرض له.
وبموجب أحكام مشروع النص القانوني، ينشأ مجلس أعلى لآداب وأخلاقيات مهنة الصحفي يتشكل من 12 عضواً، 6 منهم يعينهم رئيس الجمهورية من بين الكفاءات والشخصيات والباحثين ذوي خبرة فعلية في المجال الصحفي والستة الآخرين يُنتخبون من بين الصحفيين والناشرين المنخرطين في المنظمات المهنية الوطنية المعتمدة.وصدر مؤخرا في الجريدة الرسمية، المرسوم الرئاسي المحدد لتشكيلة المجلس الأعلى لآداب وأخلاقيات مهنة الصحفي وتنظيمه وتسييره. والذي يتولى إعداد ميثاق آداب وأخلاقيات مهنة الصحفي والمصادقة عليه ونشره بكل الوسائل الممكنة، وبهذه الصفة، يكلف المجلس بـ”السهر على تطبيق ميثاق آداب وأخلاقيات مهنة الصحفي وعلى احترام الأحكام والمبادئ المنصوص عليها في قانون الإعلام” مع “تحديد طبيعة العقوبات التأديبية وكيفيات التظلم” وكذا “الأمر بالعقوبات التأديبية في حالة خرق قواعد آداب وأخلاقيات مهنة الصحفي”.
وتسند إلى المجلس أيضا مهمة “إنجاز واستغلال الدراسات في مجال آداب وأخلاقيات مهنة الصحفي وتنظيم دورات تكوينية وأيام دراسية في هذا المجال لفائدة الصحفيين ومهنيي قطاع الإعلام”. ويفصل المجلس في المسائل التأديبية المتعلقة بخرق قواعد آداب وأخلاقيات مهنة الصحفي “من تلقاء نفسه أو بناء على طلب أو شكوى من أي هيئة أو شخص طبيعي أو معنوي خاضع للقانون الجزائري، «بحيث تعتبر قراراته التأديبية “ملزمة للصحفي بمجرد تبليغها».ويلتزم الصحفي، خلال ممارسة نشاطه الصحفي، بالاحترام الصارم لقواعد آداب وأخلاقيات المهنة المنصوص عليها في ميثاق آداب وأخلاقيات المهنة الذي يعده، ويصادق عليه المجلس الأعلى لآداب وأخلاقيات مهنة الصحفي. ويجب عليه الامتناع على وجه الخصوص عن «نشر أو بث أخبار كاذبة أو مغرضة، تعريض الأشخاص للخطر، تمجيد الاستعمار أو الإساءة للذاكرة الوطنية والى رموز الثورة التحريرية، الإشادة، بصفة مباشرة أو غير مباشرة، بالعنصرية والإرهاب والتعصب والعنف»، بالإضافة إلى «نشر أو بث بصفة مباشرة أو غير مباشرة خطاب الكراهية والتمييز».
 ضرورة وضع قانون أساسي لمهنة الصحفي
كما أخذ الجانب “السوسيو-مهني”، للإعلاميين والصحفيين أهمية بالغة لدى رئيس الجمهورية، بدليل أنه أعطى الضوء الأخضر لإنشاء المدينة الإعلامية «دزاير ميديا سيتي»، التي تعد مكسبا هاما للإعلام الوطني، وقال رئيس الجمهورية، بأن مشروع المدينة الإعلامية «دزاير ميديا سيتي» بهدف «مواكبة العصرنة والتطور السريع لوسائل الإعلام والاتصال والارتقاء بالمهنة والرفع من مستوى الاحترافية والمصداقية والتأثير».
ومن المنتظر أن يقدم المشروع إضافة نوعية لقطاع الإعلام، كونه سيحوي فضاء للتعليم والبحث، على غرار توفير منطقة حرة للمنصات الإعلامية الدولية، وضمان أفضل خدمة للتلفزيون والراديو، من خلال التمركز في مكان واحد، ناهيك عن تفادي الأعطال التقنية المرتبطة بالبث والشبكات، إلى جانب إنشاء مركز مراقبة للمحتوى يكون قريب جدا من القنوات التلفزيونية، وأيضا ضبط المجال السمعي البصري بشكل جديد من حيث التصميم والتوزيع والبث بمعايير تضاهي التلفزيونات العالمية، بالإضافة إلى أن المشروع سيكون قطباً للإنتاج السمعي البصري بامتياز.وكان الرئيس تبون، قد أعلن العام الماضي، عن جملة من التدابير والامتيازات لفائدة الإعلام الوطني كشكل من أشكال الدعم غير المباشر، منها تخفيض تكلفة شريط وكالة الأنباء الجزائرية لفائدة وسائل الإعلام الوطنية وكذا تخفيض الرسم على القيمة المضافة. كما تقرر تخفيض سعر تكلفة إيواء المواقع الإلكترونية لدى اتصالات الجزائر.وتسعى السلطات لتعزيز المكاسب التي تحققت للقطاع، من خلال التحضير لإنشاء المؤسسة الوطنية للطباعة التي تعد من بين المشاريع التي يوليها رئيس الجمهورية أهمية قصوى، نظرا للوضعية الهشة التي تعيشها الشركة الجزائرية للورق ومؤسسات الطباعة في الظرف الحالي، ناهيك عن بعث صندوق دعم الصحافة الذي جمد لعدة سنوات، وذلك بهدف ترقية الأداء الإعلامي وتعزيز المهنية والكفاءة، إضافة إلى التحضير لإعداد القانون الأساسي للصحفي وتنصيب مجلس أخلاقيات المهنة وسلطة ضبط الصحافة المكتوبة وإصدار بطاقة الصحفي. وبخصوص تنظيم مهنة الصحفي، فتمّ تأكيد ضرورة «وضع قانون أساسي خاص يحدد شروط ممارسة المهنة والحقوق والواجبات المرتبطة بها، مع الإحالة إلى التنظيم لتحديد مختلف أصناف الصحفيين ومعاوني الصحافة والمهن المرتبطة بالنشاط الصحافي». ويشكل القانون دعامة حقيقية لقوانين الإعلام، حيث سيلم بجميع ضوابط المهنة، كما سيضمن حقوق مهنيي القطاع، من خلال إلزام أرباب المؤسسات الإعلامية بتحسين الحياة الاجتماعية للصحفي.
ع سمير

الأمين العام للنقابة الوطنية للصحفيين كمال عمارني
التجربة الرائدة للإعلام الوطني تؤهله لرفع التحديات مهما صعبت
أكد الأمين العام للنقابة الوطنية للصحفيين كمال عمارني بأن التجربة الرائدة التي اكتسبها الإعلام الوطني خلال أصعب الأوقات التي مرت بها البلاد، أهلته لرفع التحديات مهما كانت درجة صعوبتها، إلى جانب الدفاع عن القضايا العادلة بتلقائية وعفوية، محتكما في ذلك إلى الضمير المهني والروح الوطنية.
وأوضح كمال عمارني الأمين العام للنقابة الوطنية للصحفيين «للنصر» حول تحديات الإعلام الوطني في ظل التحولات التي يشهدها القطاع وما تقتضيه التكنولوجيا الحديثة، بأن قطاع الصحافة في الجزائر لديه من الخبرات والكفاءات والتجارب المتراكمة على مر العقود السابقة لمواجهة التحديات الصعبة، والدفاع عن القضايا المصيرية بعفوية وتلقائية، دون توجيهات أو تعليمات، فيكفي أن يشعر رجالات القطاع بحساسية الوضع أو أهمي الظرف للوقوف في صف واحد لكسب التحدي.
ويرى المتدخل بأن إثارة النقاش حول ضرورة تكيف قطاع الإعلام مع التكنولوجيات الحديثة، سيما الإعلام المكتوب يحتمل عدة تحاليل وقراءات، معتقدا بأن لكل وسيلة إعلامية سواء كانت مقروءة أو مرئية أو مسموعة دورا لا يستهان به في تنوير الرأي العام، وتناول الملفات الراهنة والهامة التي تشغل بال المواطنين، دون أن تتأثر طبيعة الرسالة المنوطة بكل واحدة منها بالثورة الرقمية و التطور الحاصل في مجال الاتصال، لأن الجوهر يظل كما هو ولا يتغير أو يتبدل.
ويؤكد الكاتب الصحفي كمال عمارني بأنه لا شيء يصعب على قطاع الإعلام الوطني بما يضمه من مؤسسات متعددة وكفاءات وطاقات شابة و وسائل هامة، فالكل مجند لأداء الواجب تجاه الوطن والقضايا المصيرية والعادلة، في إطار الاحترافية والمهنية التي اكتسبتها الأسرة الإعلامية على مر المراحل والتجارب السابقة التي خطاها القطاع، بما جعله في مستوى رفع التحديات ومواجهة المستجدات على الصعيدين الوطني والدولي.
ويعتقد المصدر أيضا خلافا للعديد من المتتبعين المهتمين بدراسة مستقبل قطاع الإعلام في ظل التقدم التكنولوجي، بأن الإعلام استطاع التعايش مع التطور في مجال الاتصال، وهو يستمر في أداء رسالته في ثبات والتزام بالمعايير والمبادئ التي تحكم العمل الصحفي المتوافق عليها عالميا، وبدد المتحدث المخاوف التي تثار حول مصير الإعلام، سيما الصحافة المكتوبة في ظل الثورة الرقمية.
وذكر المتدخل على سبيل المثال الهبة التضامنية التي يظهرها قطاع الإعلام الوطني في كل مرة تجاه القضايا العادلة، على غرار القضية الفلسطينية إلى جانب نصرة القضية الصحراوية، فضلا عن تناول الملفات الراهنة التي تهم مصلحة الوطن والمواطنين في سلاسة واحترافية، دون الحاجة إلى تلقي توجيهات أو تعليمات.
ويرى الصحفي كمال عمارني بأن تعايش الصحافة المكتوبة لأزيد من قرن مع الإعلام السمعي بصري، أي الإذاعة والتلفزيون دون أن يغير ذلك من جوهرها، يعكس مدى قدرة قطاع الإعلام بصفة عامة على مواكبة التحول الرقمي والتكنولوجي ومواجهة التحديات، وكذا على قدرته في التأثير على الرأي العام.
ويضيف المتدخل في ذات السياق، بأن الصحافة المكتوبة كانت منافسة للإعلام السمعي البصري قبل ظهور الصحافة الإلكترونية، التي لم تلغ بدورها المسار الذي قطعه الإعلام المكتوب والمرئي والمسموع، معتقدا بأن التحدي الذي يواجه قطاع الإعلام هو ضرورة الالتزام بالمعايير والمقاييس الدولية في الممارسة الإعلامية.
ويؤكد الكاتب الصحفي كمال عمارني بأن الإعلام الوطني لا يعيش أوضاعا استثنائية بل يواكب الأحداث والمستجدات، بعد أن مر بمرحلة عصيبة خلال مكافحة الإرهاب طيلة 15 سنة، جعلته يدرك تمام الإدراك المعنى الحقيقي للتحديات الكبرى والصعبة، وكيفية الاستعداد لمواجهتها في هبة جماعية وعفوية.
ولم يفوت المتدخل فرصة طرح التحديات التي يعيشها الإعلام الوطني ليؤكد على أهمية توفير الظروف المهنية والاجتماعية الملائمة للصحفي لأداء واجبه على أكمل وجه، فضلا عن ضمان التكوين المتواصل للإعلاميين بما يسمح لهم بمواكبة التطورات وتحديث المعلومات والتحكم الأمثل في تقنيات العمل الصحفي، بتأطير من إعلاميين ذوي خبرة في المجال من خريجي كليات الصحافة.
كما أثنى المصدر على التقدم الذي يشهده الإعلام الوطني بفضل العناية التي يحظى بها من طرف السلطات العمومية التي حرصت على استحداث كليات للإعلام في عديد الولايات، يتخرج منها صحفيون ذوي تكوين أكاديمي يؤهلهم لخوض غمار الممارسة الإعلامية في الميدان، ومعالجة مختلف الملفات والقضايا ضمن المعايير والمقاييس المتعارف عليها بين جميع دول العالم، منها الموضوعية وتقصي المعلومة الصحيحة.
لطيفة بلحاج

أستاذة الإعـلام بجامعة البليدة 2 ابتسام مباركي في حوار للنصر
التكنولوجيا لا تصنع إعلاماً ناجحاً ما لم يكن خلفها صحفي مبدع
* التحول الرقمي لوسائل الإعلام التقليدية أصبح حتمية لا مفر منها * وسـائل الإعلام مطـالبة باستخدام الذكاء الاصـطناعي لتطوير أعـمالها
أكدت أستاذة الإعلام بجامعة البليدة 2 ابتسام مباركي أن التطور التقني والتكنولوجي أثر بشكل لافت على وسائل الإعلام وساهم في تطويرها من أجل الحفاظ على مكانتها وجمهورها وموقعها الريادي، وقالت في هذا الحوار الذي خصت به النصر أن التكنولوجيا وحدها لن تصنع إعلاماً ناجحاً، ما لم يكن خلفها صحفي أو إعلامي مبدع يتحرى المعلومات ويدققها ثم يقدمها للقارئ أو المشاهد أو المستمع بأسلوب مميز وطريقة تمكنه من استخدام عقله للحكم عليها أو التأثر بها.

حاورها: نورالدين عراب

النصر: وسائل الإعلام تعمل اليوم في إطار متغيرات فرضتها الميديا الجديدة، ما تأثير هذه التغيرات على وسائل الإعلام؟
- مباركي: في خضم ما أحدثته الميديا الجديدة من تغيرات وما فرضته من تحديات، أصبح التحول الرقمي لوسائل الإعلام التقليدية حتمية لا مفر منها من أجل الحفاظ على مكانتها وجمهورها وموقعها الريادي في المشهد الإعلامي، خاصة أمام تعاظم دور الوسائط الاتصالية الجديدة في السنوات الأخيرة، حيث أصبحت المصدر الأول لتلقي المعلومة بالنسبة لملايين الناس في كل دول العالم.
وبالتالي أثر التطور التقني الذي شهدته الميديا الجديدة بشكل لافت على وسائل الإعلام المختلفة من صحف وإذاعة وتلفزيون وغيرها، وساهم في تطوريها واندماجها مع بعضها البعض، فمثلاً القنوات التلفزيونية أصبحت لديها مواقع الكترونية لنشر مادة إعلامية سمعية بصرية وحتى مكتوبة على غرار البرامج ونشرات الأخبار التي تبث تلفزيونيا، وهو ما حدث مع المؤسسة العمومية للتلفزيون الجزائري على سبيل المثال، كما امتدت القنوات التلفزيونية إلى مواقع التواصل الاجتماعي حيث فتحت مختلف القنوات العمومية والخاصة صفحات خاصة بها على مواقع التواصل الاجتماعي بهدف خلق فضاء تفاعلي بينها وبين جماهيرها وكسب جمهور أكبر.
الأمر ذاته بالنسبة للإذاعة فقد خطت خطوة كبيرة من أجل الدخول في عالم الرقمنة، فإلى جانب البرامج التي تبث عبر الأثير أصبح لها موقع الكتروني لنشر الأخبار والاستماع للحصص وغيرها، كما شرعت المؤسسة العمومية للإذاعة العام الماضي، ضمن إستراتيجية لتطوير الإذاعة ورقمتنها في بث نشراتها الإخبارية الرئيسية وبرامجها عبر تقنية لايف –ستريمينغ، وانطلقت القناة الأولى في بث نشرتها الرئيسية على صفحتها في الفايسبوك، ثم تبعتها باقي القنوات الوطنية، على غرار القناة الثانية، الثالثة والقناة الدولية، قبل أن يعم البث بهذه التقنية صفحات مختلف الإذاعات الموضوعاتية، كما شمل البث عن طريق اللايف ستريمينغ أيضا البرامج والحصص الإذاعية على أثير القنوات الوطنية الثلاث والموضوعاتية، وهذا ما زاد من حضور الإذاعة الجزائرية على مواقع التواصل الاجتماعي.
والأمر ذاته بالنسبة للصحافة المكتوبة أو الورقية التي شهدت هي الأخرى تحولات كبيرة في ظل المتغيرات التي فرضتها الميديا الجديدة، فأمام التطور المذهل لتكنولوجيات الاتصال سارعت الصحف للانضمام إلى عالم التكنولوجيا لضمان بقائها، من خلال العمل على مواكبة أحدث تقنيات النشر الالكتروني المتطورة، فخلقت لها مجالا وفضاءات على شاشات الحاسوب، لتثمر بذلك المولود الإعلامي المسمى بالصحافة الالكترونية الذي يندمج فيه الورقي بالإلكتروني، ففي الجزائر مثلاً معظم الصحف الورقية أصبحت لديها مواقع الكترونية وصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي وتقدم محتوى إخباري رقمي إلى جانب المقالات والتقارير المكتوبة، كما أصبحت الأعداد الورقية للجريدة تنشر في نسخ الكترونية (pdf) على موقعها الالكتروني.
وهكذا أصبحت وسائل الاعلام المختلفة في معركة لكسب رهان التجديد والتحول الرقمي أمام ما فرضته الميديا الجديدة من تحديات، ووجدت نفسها مطالبة باللحاق بركب هذه الطفرة الرقمية والتفاعل مع هذا التطور المتسارع من خلال العمل على استثمار هذه التكنولوجيا واندماجها معها وتقديمها محتوى إعلامي يتماشى مع طبيعة وخصاص المنصات الرقمية والوسائط الاتصالية الجديدة، وابتكار أساليب حديثة لجذب الجمهور والقارئ ومده بالمعلومة في كل حين من خلال المواقع الالكترونية وشبكات التواصل وتطبيقات الهاتف الذكي.
النصر: كيف أثرت الميديا الجديدة على جمهور وسائل الاعلام؟
- أرى أن الميديا الجديدة أثرت على جمهور وسائل الاعلام في عدة جوانب، وجعلت منه جمهورا متعدد الشرائح، وأصبحت اهتماماته متنوعة ومتغيرة بسرعة، كما صار الجمهور ذو ثقافة بصرية يتفاعل مع المحتوي المرئي من صور وفيديوهات أكثر من النصوص المكتوبة بأشكال عديدة منها إبداء الإعجاب أو التعليق والمشاركة.
إلى جانب هذا، بات يسمى بـ»جمهور المعلومة السريعة» الذي يفضل المعلومة الموجزة عن النصوص الطويلة، كما أن سلوكه الرقمي متشعب عبر منصات التواصل الاجتماعي، وأساليب تفاعله واستهلاكه للمحتوى الإخباري متباينة، وعملية التلقي لديه مرتبطة بعوامل بعضها يرتبط بطبيعة الأحداث التي يتعرض لها، وأخرى ترتبط باهتماماته.

والأهم من كل هذا، أن أدوار الجمهور تغيرت فأصبح صانع للمحتوي ومتلقي ومتفاعل معه في نفس الوقت، فنظرا لمجموعة من الخصائص التقنية التي تتميز بها الميديا الجديدة، أصبح جمهور وسائل الإعلام فاعلاً ومشاركاً في إنتاج الرسالة الإعلامية، حيث بإمكان كل شخص إنشاء موقع الكتروني أو قناة على اليوتيوب أو حساب على مواقع التواصل الاجتماعي، كما أتاحت الميديا الجديدة للإنسان العادي بكاميرته الصغيرة وهاتفه الذكي أن يقوم بدور «ناقل المعلومة»، واستطاع كل شخص أن يكون قادرا على نشر الخبر وتوثيقه بالصورة والفيديو والكتابة دون أن ينتمي إلى مؤسسة إعلامية، وهو ما أدى إلى بروز ما أطلق عليه بـ»صحافة المواطن» الصحافة كشكل حديث من أشكال الصحافة غير المهنيّة.
النصر: يعرف الفضاء الرقمي تعدد الفاعلين أو المتدخلين، ولا يمكن التفريق بين المرسل والمستقبل، ممّا أثر على نوعية المحتوى، كيف يمكن لوسائل الاعلام مواجهة هذا المحتوى الرقمي المجهول المصدر في غالب الأحيان؟
- كما قلت آنفاً، أصبح نقل المعلومة اليوم متاحا للجميع في ظل ما تتيحه الوسائط الاتصالية الجديدة، ولم يعد نشر الأخبار وتوثيقها حكرا على أهل الاختصاص والمهنيين، وهكذا أصبحت صحافة المواطن في كثير من الأحيان مصدرا للأخبار لكنها في نفس الوقت أثقلت عالم الصحافة والإعلام بالكثير من الشائعات والأخطاء المهنية، فحدود صحافة المواطن تنتهي عند دور صحافة الاحتراف في التثبت من صحة المعلومة ومصدرها والتدقيق والتمحيص وفقا للمعايير الصحفية وأخلاقيات المهنة، وعليه يجب على المؤسسات الإعلامية والصحفيين المهنيين عدم نقل الأخبار المتداولة عبر شبكات التواصل الاجتماعية والحرص على التأكد من صحة وموثوقية مصادر المحتويات الرقمية قبل نشرها أو الاعتماد عليها.
فلا يمكن لصاحب صفحة أو قناة على مواقع التواصل الاجتماعي نشر أخبار ونسخ منشورات من هنا وهناك، أن يصبح صحفيا أو إعلاميا بدون أدنى تكوين في مجال الصحافة وأبجدياتها، حيث أصبحنا نرى أخبار منشورة عبر صفحات وحتى قنوات الكترونية تدعي أنها اخبارية، لكن أسلوب اللغة ضعيف جدا، إلى جانب غياب كافة قواعد صياغة الخبر الصحفي، بل وأكثر من ذلك، قد ينشر الخبر باللهجة العامية كاملا، على صفحة تدعي أنها صحفية مهنية تتسم بالسرعة والمصداقية، وقد لا يتطابق خبرها مع أي من تلك القوالب الأساسية لصياغة الخبر الصحفي وحتى المتلفز أو الإذاعي، وبالتالي تكون مواجهة هذا المحتوى بعدم نقله أو الاعتماد عليه.
النصر: ما رأيك في مستقبل وسائل الاعلام في ظل الطفرة الكبيرة في المجال الرقمي؟
- مع ما شهدته وسائل الإعلام من تحولات جذرية في ظل ما فرضته الميديا الجديدة من متغيرات، أظن أن تقنيات الذكاء الاصطناعي ستحدث تحولات أخرى في هذه الوسائل وفي طبيعة عمل المؤسسات الإعلامية، على غرار تغيير نمط الاستخدام والاستهلاك للرسالة الإعلامية إلى جانب الاستفادة من القدرات الجديدة وتسخيرها لتطوير المهارات الإعلامية وتسهيل العمل الصحفي من خلال تطبيقات الذكاء الاصطناعي المختلفة مثل تطبيقات تحليل البيانات الرقمية أو التطبيقات التي تسمح بتحويل الملفات الصوتية إلى نصوص مكتوبة أو العكس، وستحتاج مختلف الوسائل الإعلامية من صحف أو قنوات ومواقع إلى تقنيات الذكاء الاصطناعي من أجل تطوير أعمالها، وتوفير جهود صحفييها، لتقوم بها برامج ذكية متطورة، مثلما قامت به وكالة الأنباء الكندية من إنشاء نظام لتسريع الترجمات يعتمد على الذكاء الاصطناعي، أو نظام يكشف عن الصور المزورة كما فعلت وكالة فرانس برس وغيرها من الأمثلة.
كما أن الحديث اليوم يدور حول انتشار «صحافة الروبوت» في المستقبل القريب بعدما كنا نتحدث عن «صحافة المواطن» حيث تثار مخاوف لدى بعض العاملين في مجال الصحافة من أن الذكاء الاصطناعي سيعمل على إلغاء بعض الوظائف التي يشغلها البشر حالياً، لكن رغم ذلك الصحافة تعتبر من المهن الإنسانية، الإبداعية، و الابتكارية، ففي نظري لا يمكن للتكنولوجيا وحدها أن تصنع إعلاماً ناجحاً، ما لم يكن خلفها صحفي أو إعلامي مبدع يتحرى عن المعلومات ويدققها ثم يقدمها للقارئ أو المشاهد أو السامع بأسلوب مميز وطريقة تمكنه من استخدام عقله للحكم عليها أو التأثر بها.
ن ع

آخر الأخبار

Articles Side Pub
Articles Bottom Pub
جريدة النصر الإلكترونية

تأسست جريدة "النصر" في 27 نوفمبر 1908م ، وأممت في 18 سبتمبر 1963م. 
عربت جزئيا في 5 يوليو 1971م (صفحتان)، ثم تعربت كليًا في 1 يناير 1972م. كانت النصر تمتلك مطبعة منذ 1928م حتى 1990م. أصبحت جريدة يومية توزع وتطبع في جميع أنحاء الوطن، من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.

عن النصر  اتصل بنا 

 

اتصل بنا

المنطقة الصناعية "بالما" 24 فيفري 1956
قسنطينة - الجزائر
قسم التحرير
قسم الإشهار
(+213) (0) 31 60 70 78 (+213) (0) 31 60 70 82
(+213) (0) 31 60 70 77 (+213) (0) 6 60 37 60 00
annasr.journal@gmail.com pub@annasronline.com