تعكف وزارة الفلاحة والتنمية الريفية على تثمين الموارد المائية لصالح الزراعات الاستراتيجية، بتدعيم آليات معالجة المياه المستعملة واستغلاها في الري لسد العجز الناجم عن شح الأمطار سيما في فترة الصيف، في وقت يقترح مختصون استحداث مصالح مختصة في تدوير المياه عبر كل بلدية لحشد الموارد المائية لصالح القطاع الفلاحي.
جندت مصالح وزارة الفلاحة والتنمية الريفية إمكانيات معتبرة لحشد المياه المستعملة لتلبية حاجيات القطاع من الموارد المائية في إطار توسيع المساحات المسقية، لأجل تنمية الإنتاج الفلاحي وكذا تطوير الزراعات الاستراتيجية منها البقوليات والحبوب، إلى جانب الخضراوات والأشجار المثمرة.
وتتزامن جهود وزارة الفلاحة مع المساعي التي تقوم بها وزارة الأشغال العمومية والري والمنشآت القاعدية لتطوير أنظمة استغلال المياه التي تنتجها محطات تصفية المياه المستعملة في ري المساحات المزروعة بهدف اقتصاد المياه، سيما وأن القطاع الفلاحي يستهلك حوالي 60 بالمائة من المياه المنتجة والجوفية وفق ما يؤكده خبراء في مجال الموارد المائية.
ويفيد في هذا الصدد رئيس المنظمة الوطنية للفلاحة والأمن الغذائي كريم حسان «للنصر» بأن بلوغ هدف ترشيد استهلاك المياه والحفاظ على هذا المورد الطبيعي الحيوي يتطلب تطوير أنظمة معالجة المياه المستعملة، وذلك باستحداث مصلحة مختصة في إعادة تدوير المياه على مستوى كل بلدية، سيما بالمناطق الريفية التي تعد وفق المتدخل الأكثر تضررا من تلوث المياه، بسبب الكميات المعتبرة من المياه المستعملة التي تصب في الوديان والأنهار.
ويضيف المتدخل بأن تصفية المياه المستغلة يجب أن يندرج ضمن برنامج خاص، مع إلزامية تطبيقه على أرض الميدان وفق تقنيات متعددة، من بينها التقنية التي تقوم على الطرق البيولوجية و الكيميائية إلى جانب المعالجة الأولية، وكذا عن طريق استخدام الأحواض لتنقية المياه المستعملة اعتمادا على أشعة الشمس والنباتات، وهي الطريقة الأكثر ملاءمة مع طبيعة المناطق الريفية، مع ضرورة اتخاذ تدابير خاصة للحفاظ على المياه الجوفية من التلوث.
وتقدر الاحتياجات المائية للمناطق الحضرية والريفية بحوالي 3.5 مليار متر مكعب، مقابل حوالي 16 مليار متر مكعب بالنسبة لقطاع الفلاحة، وبحسب المصدر فإن تصفية المياه المستعملة يمكن أن يساهم في تلبية احتياجات المناطق الحضرية وكذا المستثمرات الفلاحية، عبر استرجاع حوالي 80 بالمائة من المياه التي تصب في شبكات الصرف الصحي.
كما يمكن للمساحات الزراعية الواسعة من أن تستفيد من حوالي 2.8 مليار متر مكعب من المياه المصفاة في حال تم تسخير الوسائل والإمكانات الضرورية، بما يؤدي إلى تنمية عدة شعب وإنجاز محيطات وأقطاب فلاحية خاصة بالأشجار المثمرة والبقوليات وغيرها من المنتجات الفلاحية الاستراتيجية التي تحقق الاكتفاء الذاتي وتضمن الأمن الغذائي. ويؤكد المصدر بأن تعزيز الإمكانات في مجال تصفية المياه المستعملة من شأنه أن يقضي على الجفاف بنسبة 40 بالمائة، ويحد من تلوث الآبار، كما يمكن استغلال الكميات المعتبرة من المياه المصفاة في زراعة الأشجار بأنواعها على مساحة تتجاوز 4 ملايين هكتار، شريطة اعتماد السقي الزراعي القائم على التكنولوجيات الحديثة أي الطرق المقتصدة للمياه منها السقي بالتقطير.
ويمكن أيضا استغلال المياه المعالجة في الزراعة الاستراتيجية باعتماد أنظمة الري الذكية، وبحسب الخبير الفلاحي كريم حسان فإن الوصول إلى إحصائيات دقيقة حول احتياجات كل منطقة فلاحية من المياه من ضمن شروط ترشيد استهلاك المياه الموجهة للري.
ويرمي البرنامج الوطني لتطهير وتصفية المياه المستعملة الذي وضعته الدولة إلى رفع القدرات الإنتاجية من المياه المعالجة إلى 1.5 مليار متر مكعب سنويا، بما يحقق توفير موارد مائية إضافية لفائدة قطاعي الفلاحة والصناعة وتخفيف الضغط على المياه الجوفية والمياه السطحية التي تأثرت بشح الأمطار.
ويطرح مشكل شح المياه الموجه للري بحدة خلال الأشهر الثلاثة لفصل الصيف، وهي المرحلة التي تحتاج إلى حشد كميات إضافية من المياه المعالجة لتغطية المساحات الزراعية، كما تدعو إلى التفكير في وضع الآليات المناسبة لضمان استمرار النشاط الفلاحي وتحقيق المحاصيل الزراعية بالكمية والنوعية المطلوبة لتغطية حاجات السوق والحفاظ على استقرار الأسعار.
ويقترح الخبير الفلاحي كريم حسان في ذات السياق ضرورة القيام بدراسات علمية في مجال الاحتياجات المائية في كل منطقة، مع وضع إحصائيات مضبوطة، إلى جانب اعتماد الرقمنة في تسيير الموارد المائية الموجهة للاستهلاك المنزلي والفلاحي وكذا الصناعي لتفادي أي خلل محتمل.
لطيفة بلحاج