دعا رئيس المجلس الأعلى للغة العربية، صالح بلعيد، يوم أمس، إلى ضرورة مواكبة واستغلال كل الحلول التي تتيحها التكنولوجيات الحديثة وخاصة الذكاء الاصطناعي، وتعزيز كل الجهود للحفاظ على لغة الضاد، مبرزا أهمية تطوير الأنظمة الحاسوبية لتؤدي وظائف مشابهة للكفاءة البشرية في خدمة العربية، مؤكدا في هذا الصدد، على أهمية التحول الرقمي الذي يمكّن من جعل اللغة العربية متاحة للجميع ومنافسة للغات الأجنبية.
وفي كلمة ألقاها خلال احتفالية نظمها المجلس الأعلى للغة العربية، احتفاء باليوم العالمي للغة العربية، بالجزائر العاصمة، تحت عنوان "استكشاف مستقبل اللغة العربية في الذكاء الاصطناعي"، دعا البروفيسور صالح بلعيد الباحثين إلى تطوير أدوات ونظم تكنولوجية تسهم في ترسيخ مكانة العربية من خلال " تغذية المحتوى التقني، وما يتبعه من ترجمة النصوص، والتحليلات اللغوية، والتعرف على الخط وأنظمة الرد الآلي، للتواصل بين مختلف الثقافات.أكد المتحدث، بأن مستقبل اللغة العربية في مواجهة التحديات، يجب أن يرتبط بتقديم البدائل القابلة للتنفيذ في عصر الذكاء الاصطناعي، بما للعربية في ذاتها من إمكانات داخلية كالاشتقاق والتصريف وتعدد المعاني والتنوع اللهجي، مما يستلزم تطوير أنظمة ذكاء اصطناعي متخصصة قادرة على التعامل مع بعض الخصوصيات والتعقيدات اللغوية، مشددا في هذا السياق، على أهمية البحث عن حلول نوعية من خلال تطوير تطبيقات تكون قادرة على مواجهة التحديات لتحصل العربية على الإبداع المحاكي للإبداع البشري.
كما شدد رئيس المجلس الأعلى للغة العربية، على ضرورة إحداث تحول كبير في صناعة اللغة العربية من خلال تطوير أنظمة ترجمة آلية أكثر دقة وموثوقية، والتعرف على الكلام، والقيام بأتمتة المهام المختلفة، كإنشاء المحتوى وتقديم خدمات مستقبل العربية بنظرة علمية جديدة.
وأعتبر البروفيسور صالح بلعيد، أن هناك مستقبلا واعدا لتوظيف الذكاء الاصطناعي باللغة العربية، وقال إن حلول الذكاء الاصطناعي سوف تتيح " فتح مغاليق المخطوطات العربية، وحفظ التراث الثقافي العربي، من خلال فهرسة النصوص التاريخية والأدبية، وجعلها أكثر قابلية للاسترجاع والتحليل".
ويتوقع المتحدث، أن يؤثر الذكاء الاصطناعي في المجالات الإعلامية والقانونية والتعليمية من خلال أتمتة الترجمة، وتلخيص النصوص، وإنشاء المحتوى، وهو ما يدعونا كما أضاف « للإسهام في ضخ العربية في أنظمة هذا الذكاء الذي يحفظ وجود العربية وازدهارها وتعميمها وأمنها في تقنيات سيبرانية جديدة». ويتوقع، أن يتيح الذكاء الاصطناعي شروط تعزيز جاذبية العربية عبر التطبيقات الرقمية ويوسع نطاق استخدامها لدى العرب وفي الخارج، عند المسلمين ومتعلمي العربية في العالم، وفي مختلف الفنون والتكنولوجية، وفي الإعلام والرياضة والحياة اليومية للمواطن، وكل ما يدخل في الرفاهية المشتركة. وأكد في هذا الصدد، على ضرورة ترك المجال للمختصين ولفقهاء اللغة في البحث عن مشاريع مشتركة لإنتاج منصات برمجيات تستطيع الوصول إلى تحديد نقاط الضعف، ونقاط القوة، وعلاجها معا بشكل دقيق وموضوعي بمساعدة الذكاء الاصطناعي بما له من المحتوى التفاعلي والتغذية الراجعة المستمرة، والوصول إلى المصادر التي تدعمها، وبناء مسارات تعلّمية تكون دعما في دمج الذكاء الاصطناعي في تدريس اللغة العربية بمساعدة الآلة.وأثناء تدخله أشاد وزير الدولة، عميد جامع الجزائر، الشيخ محمد المأمون القاسمي الحسني، بجهود المجلس الأعلى للغة العربية، معتبر أن هذه الهيئة هي الإطار المناسب والملائم والمؤهل لتحقيق مشروع حضاري كبير للنهوض بلغتنا العريقة.
وأكد السيد القاسمي الحسني، أن هذا المشروع يتطلب تعاونا وتنسيقا بين جميع المؤسسات والهيئات، وبالأخص وزارة التربية الوطنية ووزارة التعليم العالي والثقافة، لتحقيق أهدافه السامية، بالارتكاز على تسهيل تعليم اللغة العربية، وأيضا لتوفير المؤلفات والإصدارات الموجهة للمدارس والجامعات الجزائرية.
وأعرب عميد جامع الجزائر، عن أمله في أن يسهم المجلس الأعلى للغة العربية من خلال تنظيم الندوات والملتقيات والأعمال المشتركة، في تصحيح المفاهيم الخاطئة حول اللغة العربية، والتصدي للكلمة المضللة التي قد تثير نزعات فكرية أو عصبيات ضيقة من خلال النظرة الخاطئة للغة العربية، مؤكدا بأن التمسك باللغة العربية هو تمسك بالإسلام، وخدمتها خدمة لديننا الحنيف. أما رئيس المجلس الإسلامي الأعلى، مبروك زيد الخير، فأكد بأن اللغة العربية من اللغات المؤهلة للبقاء والتطور بما تحمله في بنيتها الصوتية وخصائصها الاشتقاقية وخصوصيتها المعجمية، وارتباطها بالواقع واستشرافها للمستقبل.وأكد الأستاذ زيد الخير، خلال تدخله في ذات الاحتفالية بأن العربية، هي لغة الفكر ولغة العلم ولغة الواقع بامتياز، داعيا بالمناسبة إلى ضرورة تكاثف جهود الجميع من باحثين ومخابر متخصصة وهيئات علمية، من أجل ترسيخ مكانة اللغة العربية بين لغات العالم والتمكين لاستكشافها عبر تطبيقات وحلول الذكاء الاصطناعي. تجدر الإشارة، إلى أن ذات الاحتفالية شهدت توزيع جائزة المجلس الأعلى للغة العربية لأفضل الأعمال الأدبية، باللغة العربية في طبعتها 12، والتي فاز بها متنافسان اثنان، حيث عادت الجائزة الأولى في مجال «ازدهار اللغة العربية»، للدكتور عنتر رمضاني، عن بحثه " المورد- تقريب دروس العربية للمرحلة الثانوية عن طريق الجداول والمخططات"
أما الجائزة الأولى في مجال "تعميم استعمال اللغة العربية في الميادين العلمية والتكنولوجية"، فكانت من نصيب السيدة نصيرة عزرودي، عن بحثها الخاص بتحقيق "مخطوط المقنع الشافي في علم الأوقاف، لأبي عبد الله محمد بن أحمد بن محمد بن مرزوق العجيسي التلمساني الحفيد( المتوفي عام 1439م)أما جائزة الأعمال المرشحة لفرع الترجمة فتم حجبها "لأنها -حسب مقرر اللجنة- لم ترق إلى نيل أي درجة".
عبد الحكيم أسابع