* تجديد الالتزام بحوار وطني واسع و شامل بعيدا عن الاستنساخ
أكد رئيس الجمهورية السيد، عبد المجيد تبون، أن الجزائر ماضية بخطى ثابتة نحو تحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية والبشرية المنشودة وفق برامج وخطط مدروسة، وقد وصلت اليوم إلى حركية تسمح لها بالمرور نحو مرحلة أخرى من التطور وإرضاء المواطنين وتحقيق الرفاه.
خاطب رئيس الجمهورية السيد، عبد المجيد تبون، أمس بقصر الأمم بنادي الصنوبر الأمة من أمام غرفتي البرلمان مجتمعتين للمرة الثانية على التوالي ، وقال إن مخاطبة المواطنين من خلال ممثليهم هو «تكريس لمبادئ الحكم الراشد ولإضفاء تقاليد تحيي وتعزز خدمة الرأي العام و المواطن والوطن».
وأضاف الرئيس في خطابه أمام كبار المسؤولين في الدولة وأعضاء البرلمان بغرفتيه أنه يرغب في جعل من هذا التقليد المؤسساتي عرفا معبرا عن مكانة السلطة التشريعية، وتقديرا لدور البرلمانيين الذين يعيشون عن قرب في الولايات ويحملون أمال وانشغالات المواطن.
وتابع رئيس الجمهورية يقول بأن هذا اللقاء يأتي في الأشهر الأولى من العهدة الرئاسية الثانية، والتي أكد أنه سيواصل من خلالها تعزيز المكاسب المحققة لحفظ كرامة المواطن، وتحسين إطاره المعيشي العام وتنفيذ البرامج الموجهة للتنمية الاجتماعية والاقتصادية المستدامة.
حوار شامل و واسع بعيدا عن الاستنساخ الخطابي
وأمام أعضاء غرفتي البرلمان جدد الرئيس عبد المجيد تبون التزامه بإطلاق حوار سياسي كما سبق وأن وعد بذلك، حوار يكون في مستوى الرهانات الداخلية، ويكون منطلقا لإدراك الجميع بدقة المرحلة التي تعيشها الأمة، داعيا الجميع بالمناسبة إلى اليقظة إزاء التداعيات الإقليمية والرهانات الدولية. وشدد المتحدث بالمناسبة على أن هذا الحوار سيكون «عميقا وجامعا وبعيدا عن الاستنساخ الخطابي» ومرفقا بتعزيز الحقوق الأساسية من خلال إصدار القوانين المكرسة في الدستور على غرار القانون العضوي للأحزاب السياسية وقانون الجمعيات.
وأوضح في هذا السياق أيضا أنه وعد الطبقة السياسية بفتح حوار لتعزيز الاستقلالية وتقوية الجبهة الداخلية، مؤكدا أن ذلك سيكون بصفة منظمة وسيبدأ عبر قوانين الجماعات المحلية التي تنطلق منها السيادة الشعبية، مشيرا إلى تسليم نسخ عن مشروعي القانونيين التمهيديين للبلدية والولاية إلى الأحزاب السياسية من أجل إبداء الرأي بشأنهما وتقديم المقترحات.
واعتبر الرئيس تبون في هذا الإطار أن مراجعة القانونين المذكورين سيفتح المجال للجميع «لانطلاقة جديدة لإعادة بناء هرم الدولة دولة الحق و القانون و الديمقراطية الحقة». وبعد أن أشار إلى أن القانونين السابقين للبلدية والولاية لم يعودا مناسبين للظرف الحالي حيث لابد من مراجعتهما حسب الدستور للدخول في ديمقراطية حقيقية تمارس في المجالس الشعبية البلدية والولائية و في البرلمان، قال إنه بعد الانتهاء من مرحلة إبداء الرأي بشأنهما على كل المستويات سيتم الانطلاق في التحرير النهائي لهما، واعتبر ذلك بمثابة اللبنة الأولى لحوار هادئ ودون مزايدة.
كما جدد التأكيد على ضرورة استحداث تقسيم إقليمي جديد للبلاد، كاشفا أن هذا التقسيم الجديد سيسلم لمجلس الأمة نهاية العام الداخل للفصل فيه.
التغيير سيشمل الجميع من الكبير إلى الصغير
وفي سياق حديثه عن الإصلاحات العميقة التي تخوضها السلطات العمومية منذ سنوات أكد الرئيس عبد المجيد تبون أمام غرفتي البرلمان أن هناك قوى تقاوم التغيير، و هناك أطراف تقبل التغيير لكن شريطة ألا يمسها، ليشدد قائلا «التغيير للجميع من الكبير إلى الصغير».
كما عرج على الإصلاحات العميقة التي يعرفها قطاع العدالة من أجل إرساء مبادئ دولة القانون ومكافحة الفساد، وقال بخصوص هذه المسألة «لازلنا نكافح الفساد وسنواصل إلى النهاية»، معتبرا ذلك شروطا أساسية لتوطيد دولة القانون.
كل المؤشرات الاقتصادية خضراء
حرص الرئيس عبد المجيد تبون في خطابه أمس على إبراز المكاسب الاقتصادية والاجتماعية الهامة التي حققتها الجزائر في السنوات الأخيرة، وقال إنه بعد تجاوز صعوبات المرحلة السابقة دخلت البلاد اليوم في مسار كسب رهان التنمية الوطنية، الاقتصادية عبر نموذج تنموي جديد قائم على تنويع الاقتصاد وتحرير المبادرة، نموذج بدأ يؤتي أكله، كما تؤكد على ذلك الأرقام الصادرة عن مختلف الهيئات والمؤسسات الدولية، حيث تشير كلها إلى « مؤشرات خضراء» للاقتصاد الوطني.
و أوضح أن ذلك مثبت بالأرقام و ليس بالكلام، وقدم العديد منها على غرار استحداث 9800 مؤسسة ناشئة منذ 2020 ، والهدف الوصول إلى 20 ألف مؤسسة مع نهاية العهدة الرئاسية الحالية، وهو «دليل على حيوية الابتكار لدى الشباب الجزائري النابع من حب الوطن».
سيتم تكريس وضعية الدولة الناشئة بعد أشهر
كما أكد أنه ولأول مرة تصل ميزانية الاستثمار في الجزائر إلى 130 مليار دولار، وهو ما جعل الجزائر –يضيف الرئيس- تضع أرجلها في خانة الدول الناشئة، وسيتم تكريس وضعية الدولة الناشئة بعد أشهر لأن كل المؤشرات تدل على ذلك.
ومن المؤشرات الأخرى على التنمية التي حققتها البلاد في السنوات الأخيرة أيضا ارتفاع الدخل القومي للبلاد، حجم التصدير خارج المحروقات، و وجود إنتاج وطني، وتحدث عن إعادة الاعتبار للمنشآت القاعدية وعلى رأسها السكة الحديدية، وفتح الطرق المزدوجة، وتوسيع الموانئ حتى تواكب الحركية الاقتصادية والتنموية الحالية وحركية التصدير والاستيراد،.
وفي نفس الإطار قال رئيس الجمهورية إن الدولة دخلت مرحلة الجد بالنسبة لاستغلال المناجم بعد 62 سنة من الاستقلال حتى لا تبقى الدولة رهينة لأسعار المحروقات، حيث توجد اليوم ثروات أخرى لابد من استغلالها، وأضاف بأن ما كان حلما بخصوص استغلال المناجم أصبح اليوم حقيقة و وعد بأن يستقبل ميناء وهران مع نهاية سنة 2025 و بداية 2026 أول شحنة من حديد غار جبيلات، حيث ستنتعش صناعة الحديد والصلب ببلادنا وتصبح الجزائر قطبا في هذا المجال ومن أكبر الدول المصدرة له.
ونفس الشيء بالنسبة لمنجم الفوسفات بتبسة حيث وعد بالمرور من إنتاج 2.5 مليون طن في اليوم إلى 10.5 مليون طن، وأكد أن مشروع السكة الحديدية يسهل استغلال المناجم الوطنية عبر مختلف جهات الوطن. وفي ذات الإطار وخلال تقديمه عرضا شاملا عن حال البلاد في كافة المجالات، تحدث الرئيس تبون أيضا عن ارتفاع المشاريع الاستثمارية المسجلة اليوم لدى الوكالة الجزائرية لترقية الاستثمار والتي تقدر بما يقارب 10500 مشروع على أن يصل هذا الرقم إلى 20 ألف مشروع مع نهاية العهدة، منها 160 مشروعا أجنبيا، مضيفا بأن كبريات الشركات العالمية تتزاحم اليوم للاستثمار ببلادنا خاصة مع دخول قانون الاستثمار الجديد حيز التنفيذ.
و قدر الرئيس حجم الاستثمارات اليوم بما يفوق 450 ألف مليار دينار وهو ما يقرب 50 مليار دولار، تخلق ما يقارب 270 ألف منصب شغل، وقال إنه رقم لا يستهان به و كثير من الدول المتقدمة تطمح إلى تحقيقه، لذلك لابد أن يكون الاستثمار في خدمة التنمية.
و شدد في هذا الإطار على أن الأرقام المقدمة ليست أوهاما أو أرقاما ظرفية بل هي أسس اقتصاد الجزائر بصدد بنائه اليوم، الجزائر التي رغب الشهداء في تحقيقها والتي ضحوا من أجلها وجيل اليوم يستمتع بثروات بلاده، ناصحا كل الشباب بالاستثمار في بلده والدفاع عنها ضد كل من يريد تخريبها.
خلق 450 ألف منصب شغل مع نهاية العهدة الجديدة
وبالنسبة للنمو قال رئيس الجمهورية إن العالم كله يشهد بأن الجزائر حققت معدلا معتبرا للنمو قدر بـ 4.1 من المائة في سنة 2023 وهو رقم تطمح دول أوروبية إلى تحقيقه، وستنهي السنة الجارية بمعدل 3.9 أو 4 من المائة، أما معدل البطالة بالنظر لمناصب الشغل المستحدثة ومقارنتها بعدد السكان فهي تبلغ حاليا نسبة 9 من المائة و هي نسبة قوية لكنها ليست كارثية مجددا التزامه بخلق 450 ألف منصب شغل مع نهاية العهدة الجديدة.
كما تحدث الرئيس عن مشاريع أخرى لبعث الاقتصاد وتحقيق التنمية الوطنية المأمولة، منها الدخول في مفاوضات مع أوروبا لتصدير الطاقة الكهربائية خاصة مع وجود فائض يقدر بـ 12 ألف ميغاواط، وتحقيق استكشافات أخرى في مجال المحروقات، والوصول بنسبة مساهمة القطاع الصناعي في الدخل الوطني الخام إلى 12 من المائة نهاية العهدة، وتحقيق الأمن الغذائي، والمائي، ومواصلة دعم القطاع الفلاحي الذي يساهم اليوم بنسبة 15 إلى 16 من المائة في الدخل الوطني الخام، والذي تبلغ قيمة ما ينتجه حاليا 37 مليار دولار. وكذا مواصلة خلق المؤسسات المصغرة والناشئة التي اعتبرها ضرورة كل اقتصاد وخلق مناصب الشغل للشباب.
كما ستواصل الدولة سياستها الاجتماعية يؤكد الرئيس في خطابه أمس أمام غرفتي البرلمان، مشيرا في هذا الصدد إلى المكاسب المحققة على غرار رفع الأجور ومواصلة رفعها مستقبلا والرفع من قيمة المنح والعلاوات واستحداث منحة البطالة التي سترفع قيمتها، ومواصلة دعم القدرة الشرائية والحفاظ عليها.
السكن يساوي كرامة المواطن و الجزائر لن تبقى فيها أحياء قصديرية
أما في الجانب المتعلق بالسكن وردا على بعض المشككين الذين تحدثوا عن تبذير في هذا المجال قال الرئيس إن السكن «يساوي كرامة المواطن»، وأن جزائر الشهداء لن تبقى فيها أحياء قصديرية، وهذا لا يليق بنا لذلك ستصرف الدولة على السكن وستواصل صرف الأموال حتى يعيش كل مواطن بكرامة وفي سكن لائق.
وأشار في هذا الإطار إلى أن السكن اليوم أصبح جزائريا 100 بالمائة، ولم يعد بناء السكنات يشكل عبئا على ميزانية الدولة كما كان في السابق حيث كانت كل مواد البناء تستورد، لذلك ستواصل الدولة العمل في كل ما يصب في ترقية المواطن.
وفي الأخير قال رئيس الجمهورية بوضوح إن الجزائر خرجت اليوم من «البوليتيك» ودخلت في السياسة الحقيقية حيث كل شيء مدروس ومبرمج ومخطط له، وهي بصدد بناء ثقة مع بعضها البعض لتجنيد الجزائريات والجزائريين لما هو أصلح للوطن، وهي تسير بخطة ثابتة لأن جزائر اليوم ليست جزائر الأمس، حيث المواطن لا يقتنع إلا لما تقدم له أمور واقعية، علمية إذا أمكن ومنطقية على الأقل، ولا أحد يستطيع اليوم الكذب على المواطن.
إلياس –ب