كشفت تحقيقات قامت بها مصالح الجمارك، وجود عشرات الملفات المشبوهة المتعلقة بالاستيراد، والتي حولت إلى بنك الجزائر للتحقيق فيها قبل تحويلها إلى خلية الاستعلام المالي والقضاء، وقال مسؤول ببنك الجزائر، أن اغلب الملفات تتعلق بعمليات تضخيم في الفواتير تصل أحيانا إلى عشرة أضعاف القيمة الحقيقة للمواد المستوردة، كما أكد بان الكثير من صفقات الاستيراد تخفي وراءها عمليات تحويل للأموال إلى الخارج خاصة وان الكثير من المتعاملين يتخلون عن السلع بالموانئ.
استلم بنك الجزائر منذ بداية العام الجاري، عشرات الملفات التي تتعلق بمخالفات كبيرة تتعلق بصفقات التجارة الخارجية، والتي قامت مديرية الجمارك بتحويلها لوجود شبهات بتحويل غير شرعي للأموال إلى الخارج بالملايير عبر صفقات مشبوهة، أو تضخيم للفواتير عند الاستيراد، وهي عمليات يقف خلفها متعاملون وشركات استيراد تنشط بشكل علني وقانوني.
وتوصل محققون بمديرية الجمارك إلى اكتشاف عمليات مشبوهة تتعلق بالتجارة الخارجية، ومنها عمليات تضخيم في فواتير الاستيراد بعشر مرات كلفتها الحقيقية، واكتشف المحققون، أن احد المتعاملين في التجارة الخارجية عمد إلى رفع سعر مادة استهلاكية مستوردة بعشر مرات مقارنة مع سعرها في البورصة الدولية حيث تضمنت الوثيقة المقدمة للجمارك سعر 4 آلاف دولار للطن، بينما لم يتجاوز سعر المادة في السوق الدولية 400 دولار للطن، واتضح أن نفس المستورد يمارس النشاط ذاته وبنفس الاحتيال منذ عدة سنوات، حيث سمحت عملية مراقبة الأسعار المتداولة في البورصة العالمية من اكتشاف الاحتيال، وتم تحويل الملف إلى بنك الجزائر، الذي يتمتع بصلاحية تقديم القضية أمام العدالة.
وقال مصدر ببنك الجزائر، بان المحققون يعكفون منذ بداية السنة على دراسة عشرات الملفات المشبوهة التي قدمتها مديرية الجمارك، وتتعلق بعمليات تحويل للأموال إلى الخارج تقدير بالملايير بطرق ملتوية، وقال بان بعض المتعاملين يقومون باستيراد «الخردة» أو «حجارة» أو منتجات غير صالحة فقط لتبرير عمليات تحويل الأموال إلى الخارج، وغالبا ما يتخلي المتعاملون عن الحاويات بالموانئ ويرفضون تسلمها، خاصة وان جل التصاريح المقدمة لمصالح الجمارك حول محتوى الحاويات تعد تصريحات كاذبة.
ويرى متعاملون أن استمرار اعتماد الجزائر على طريقة القرض المستندي، يشكل احد الأسباب الأساسية لزيادة عمليات تهريب الأموال إلى الخارج، فبمجرد مصادقة البنك على الصفقة، يمكن للمتعامل تحويل الأموال إلى الخارج، وذلك حتى قبل التأكد من نوعية المنتجات المستوردة، عكس ما كان معمولا به في السابق، وكشف مصدر بالجمارك، أن استمرار تطبيق نظام القرض المستندي يحد من فاعلية نشاط مصالح الجمارك التي أصبحت عاجزة عن ممارسة صلاحياتها كاملة في حماية الاقتصاد الوطني، مضيفا أن الائتمان المستندي حول مصالح الجمارك إلى مجرد عداد لحساب كميات الواردات من السلع بملايين الأطنان وتحرير مخالفات ضد مجهول عندما يتعلق الأمر بالسلع التالفة والمنتهية الصلاحية التي يستوردها أصحابها عن قصد لتبرير تحويل ملايير الدولارات إلى الخارج قبل التخلي عنها على مستوى الموانئ البحرية والموانئ الجافة لتتحمل الحكومة مصاريف إتلافها من المال العام في الخزينة العمومية.
وأضاف المصدر أن سلعا تالفة تتواجد على مستوى الموانئ والموانئ الجافة منذ سنوات ولم يطالب بها أصحابها تحوي سلعا منتهية الصلاحية ومواد تالفة فضلا عن حاويات بها حجارة ورمل ومياه الحنفيات، بعد تلقى الموردين الأموال من بنوك تعمل بالجزائر.
ومكنت التحقيقات التي قامت بها مديرية الجمارك من تحديد قائمة تضم أزيد من 90 سلعة ومنتجا، تفضل الشركات المتحايلة استيرادها وعلى رأسها الخردوات والتجهيزات الكهربائية والملابس والحلويات ومواد الزينة والمواد البلاستيكية واللعب وقطع الغيار، وامتدت معاملات المهربين إلى بعض الأنشطة الحساسة على غرار عمليات استيراد أدوية زراعية ومبيدات الحشرات، اتضح أنها مجرد عبوات تحوي مياه عادية.
وقد أشار تقرير صادر عن بنك الجزائر، إلى ارتفاع عدد المخالفات المسجلة في 2013 على مستوى البنوك والمتعلقة بعدم احترام التنظيم المعمول به في مجال الرقابة ومحاربة تبييض الأموال، بنسبة 35 بالمائة خلال عام واحد، حيث بلغت 65 حالة على مستوى 11 مؤسسة مصرفية، واصدر البنك تقارير سرية حول عمليات تبييض للأموال عبر البنوك خلال عمليات توطين في إطار التجارة الخارجية، وقال التقرير أن عدد المؤسسات التي احترمت التدابير التنظيمية على أساس التصريحات المستلمة بلغ 18 بنك ومؤسسة مصرفية مقابل 23 في 2012.
وقام البنك بانجاز أربع مهمات رقابة تتعلق بالتحقق من ملفات توطين عمليات تحويل واسترداد الأموال، واستهدفت أساسا، الملفات المتعلقة باستيراد الخدمات وحسابات العبور للسفن، وبعض عمليات الصرف اليدوية، بالنظر إلى التجاوزات التي تمت معاينتها بخصوص هذه العمليات، وتم إعداد وإرسال عدة محاضر مخالفة لتنظيم الصرف من طرف المفتشين ضد المخالفين إلى الإقليمية الجهوية المختصة. أما بالنسبة للتحقيقات الخاصة، فقط مست عمليات توطين لدى ثمانية مصارف، وبالنظر إلى طبيعة هذه العمليات، والتي يرتبط البعض منها بجانب التجارة الخارجية وتبييض الأموال، فقد تم عقب إتمام المهمات، إعداد محاضر مخالفة للتشريعات وتنظيم الصرف وحركات رؤوس الأموال من والى الخارج، كما تم إعداد تقارير سرية في بعض الحالات وإرسالها إلى خلية الاستعلام المالي.
أنيس نواري