أدانت محكمة الجنايات بمجلس قضاء المسيلة مساء أمس بعقوبة 20 سنة سجنا نافذا في حق المدعو (ف. ف. س) المتهم بارتكابه جناية قتل شرطية فرنسية شهر ماي من عام 2010 بمدينة كريتاي الفرنسية في هجوم مسلح على سيارة شرطة رفقة مجموعة إجرامية متعددة الجنسيات، إثر محاولة للاستيلاء على سيارة لنقل الأموال.
استأنفت أمس في حدود الساعة التاسعة صباحا قضية المحاكمة التي تعد سابقة أولى في تاريخ القضاء الجزائري باستعمال تقنية الفيديو للمحاكمة عن بعد انطلاقا من محكمة الجنايات بمجلس قضاء المسيلة والتي تندرج في إطار التعاون الدولي من خلال استعمال تكنولوجيات الاعلام والاتصال في قطاع العدالة، حيث تم ربط هذه المحاكمة مباشرة من محكمة الجنح بنانتار بفرنسا باستعمال الوسائل السمعية البصرية الخاصة لنقل هاته المحاكمة الدولية ولأول مرة.
وأكد النائب العام لدى مجلس قضاء المسيلة في بيان صحفي، أن استعمال تقنيات المحاكمات المرئية عن بعد يندرج ضمن مسعى وزارة العدل إلى تخفيف الضغط على المحاكم وأيضا إلى تخفيف الضغط على الأسلاك المكلفة بنقل المتهمين وتقليص المسافات على الشهود المتواجدين في أماكن بعيدة عن مجريات المحاكمة وهو ما حصل في قضية جناية تكوين جمعية أشرار بغرض الاعداد لارتكاب الجنايات والقتل العمدي مع سبق الإصرار والترصد إضرارا بموظف عمومي أجنبي أثناء تأدية مهامه. ويتعلق الأمر بشرطية فرنسية والسرقة باستعمال سلاح ناري ضد الأشخاص والأشياء المعدة لتأمين سلامة وسيلة من وسائل النقل العمومي أو الخصوصي ، ومحاولة القتل العمدي إضرارا بأشخاص آخرين ( مارة ، راجلين وركاب) والتخريب العمدي لملك الغير والأشياء التي عددتها المادتين 400 و 401 من قانون العقوبات عن طريق اللغم والمتفجرات وحيازة ونقل أسلحة وذخيرة من أصناف مختلفة، وهي التهم المتابع بها المتهم (ف. ف. س) البالغ من العمر 46 سنة والمولود بفرنسا، حيث سلطت عليه هيئة المحكمة عقوبة 20 سنة سجنا نافذا مع الحجر عليه وحرمانه من ممارسة حقوقه المدنية لمدة 10 سنوات بعد انقضاء العقوبة، و ذلك في جلسة علنية حضرتها وسائل الاعلام الوطنية والتي نقلت أطوار المحاكمة على المباشر وجلبت إليها اهتماما دوليا على اعتبار أن وقائع الملف جرت على التراب الفرنسي بتاريخ 20 ماي 2010 بكريتاي في باريس، والتي أسفرت عن مقتل الشرطية اوريلي فوكي، متزوجة، وأم لطفل يبلغ من العمر 14 شهرا وإصابة زميلها بجروح خفيفة من جراء إطلاق النار عليهما أثناء عملية محاولة الاستيلاء على مركبتين لنقل الأموال التي كان على متنها مبلغ 11 مليون أورو.
رئيس الجلسة أكد على عدم تأجيل القضية التي طالب بها المتهم وأدت إلى انسحاب دفاعه أول أمس الأحد ليتم تعيين محامي من قبل هيئة المحكمة تلقائيا للمرافعة عن المتهم الذي أصر على عدم الإجابة على أسئلة القاضي كون المحاكمة حسبه، لا تتوفر على الشروط المواتية لتحقيق العدالة، وهنا أوضح القاضي، أنه يمكنه التزام الصمت وعدم التكلم وأن لا وجود لأي عائق يمنع إجراء المحاكمة في وقتها المحدد في حضور هيئة المحلفين ودفاع الطرف المدني، ووالدي الشرطية المتوفاة في الحادثة واستعمال تكنولوجيات الاعلام والاتصال لاستجواب الشاهد مباشرة من محكمة الجنح بنانتار، مشيرا إلى أن المتهم تتم محاكمته وفقا لقانون الإجراءات الجزائية الجزائرية، حيث تتم تلاوة قرار الإحالة الصادر عن غرفة الاتهام لمجلس قضاء المسيلة و الاستعانة بالمترجم الذي يقوم بترجمة كل ما يدور في الجلسة من اللغة العربية إلى اللغة الفرنسية ليتمكن المتهم وأهل الضحية والجانب الفرنسي من متابعة أطوار المحاكمة.
وفي حدود الساعة الحادية عشرة، قرر القاضي تعليق الجلسة إلى منتصف النهار لتمكين التقنيين من ربط آليات الاتصال بالفيديو بالمحكمة الفرنسية واستجواب الشاهد وفي الوقت المحدد، أي في حدود الساعة منتصف النهار بعدما ضبطت جميع الظروف التقنية وبحضور النائب العام ورئيس المجلس القضائي اللذين تابعا جميع تفاصيل العملية، استؤنفت الجلسة باستجواب الشاهد ايبينيام شارل، عبر الفيديو مباشرة من محكمة نانتار والذي كان في مكان الواقعة أثناء حدوثها حيث وجه له القاضي سؤالا حول إن كان في مسرح الجريمة يومها؟ وهنا أكد الشاهد أنه كان هناك فعلا.
القاضي: هل يمكن أن تقول لنا ماذا رأيت؟
الشاهد: رأيت أشخاصا مسلحين وكان من بينهم المتهم (ف. ف. س) على متن مركبة من نوع رنو ترافيك، مؤكدا أنه شاهد المتهم من مسافة قريبة عندما نزع القناع عن وجهه ليتم اظهار المتهم على المباشر مرة أخرى، عبر الفيديو، وكرر الشاهد أن الأخير هو نفسه الذي أطلق النار من سلاح ناري على سيارة الشرطة، وحاول رئيس الجلسة إبراز التناقض في تصريحات الشاهد على محضر الشرطة القضائية الفرنسية التي قال فيها أنه ليس متأكدا من كون المتهم هو من كان مسلحا أم لا . وعما إذا شاهده فعلا يطلق النار على الشرطة؟ أجاب الشاهد بنعم.
وفي نفس السياق، وجه القاضي سؤالا مكررا على الشاهد ومن زاوية أخرى قائلا هل يمكن أن تصف لنا نوع ولون السيارة التي كان ينتقل على متنها المتهم، وهنا قال الشاهد أنه لا يذكر ذلك، على اعتبار أن الحادثة مرّت عليها ست سنوات كاملة، مصرحا أن الزمن الذي استغرقته العملية دقيقتين في إجابته على سؤال لدفاع المتهم وأن المسافة التي كانت تفصله عن مكان تواجد المتهم هي أقل من متر واحد في رده أيضا على سؤال آخر لممثل النيابة العامة.
المتهم من جهته، أنكر جميع ما جاء في تصريحات الشاهد، وقال إنها منافية للحقيقة لأنني ـ يضيف ـ وبكل بساطة لم أكن هناك إطلاقا في مكان الحادث. وذكر أنه بريء من التهم الموجهة إليه.
و صرحت والدة الشرطية الضحية أنها هنا في الجزائر وأمام القضاء الجزائري ليس للوقوف على العقوبة التي ستسلط على المتهم وإنما لمعرفة الحقيقة وفقط، ولاشيء غير الحقيقة.
وبعد ذلك تقدم رئيس الجلسة بالشكر للشاهد والنائب العام الفرنسي على تعاونهما قبل أن يطلب من المكلفين بالاتصالات قطع الاتصال مع الجانب الفرنسي، والعودة إلى القاعة حيث أعطى الكلمة لدفاع الطرف المدني الذي طالب من جانبه بتطبيق العدالة والوصول إلى معرفة الحقيقة كاملة في هذه القضية، مؤكدا اقتناعه بتورط المتهم في الجريمة من خلال الدلائل والقرائن المتوفرة التي تشير جميعها إلى إدانة المتهم (ف.ف س). كما أن ما يدعيه الأخير بكون مشكلته هي مع الدولة الفرنسية التي تحاول إلصاق التهم به تصفية لحسابات معه، غريبة ولا يمكن منطقيا تقبلها.
ممثل النيابة العامة، وبعد أن اعتذر لعائلة الضحية ولجهاز الشرطة الفرنسية والشعب الفرنسي، إثر وفاة الشرطية الفرنسية، قال أن هذه المحاكمة هي اليوم بعيدة عن الجنس واللغة واللون والتاريخ ولكنها قريبة جدا من الإنسانية لأن العدالة حسبه، لا تعترف بالحدود وإنما بالقيم، ملتمسا تسليط أقصى العقوبة على المتهم ماعدا الإعدام.
دفاع المتهم من جهته، أكد على مصداقية وشفافية المحاكمة خصوصا في حضور وسائل الإعلام، و دافع على براءة موكله من التهم الموجهة إليه والتي تدعمها الخبرة الطبية التي أجريت على المتهم، بعدما ادعى الشاهد والشرطة الفرنسية انه أصيب في الواقعة ومن خلال الدلائل التي قدمتها هذه الأخيرة لتوريط موكله وإلباسه الجريمة، وما يفند هذه الادعاءات حسبه، هو أن المتهم سافر في اليوم الموالي أي بتاريخ 21 ماي 2010 إلى الجزائر وتحديدا إلى مدينة حمام الضلعة بولاية المسيلة، إذ كيف يعقل ـ يقول المحامي ـ أن يمر المتهم عبر أجهزة المراقبة بمطار شارل ديغول وهو يحمل في جسمه عيارا ناريا ويغادر بذلك التراب الفرنسي زيادة على ذلك أن المحققين لم يتمكنوا من جلب عينات من دم المتهم، مادام تعرض إلى إصابة بمسرح الجريمة، واكتفوا بمقارنة البصمة الوراثية الموجودة بكيس رياضي ذكرت أن عليها أدلة مطابقة، كما أن الشاهد كان متناقضا في تصريحاته، بخصوص نزع المتهم القناع عندما كان يقوم بالتنقل بين المركبتين واطلاق النار في نفس الوقت.
المتهم وفي كلمته الأخيرة، كرّر عدم علاقته بالجريمة وأنه بريء من التهم المنسوبة إليه، مصرا على طلبه بضرورة إخلاء سبيله وتأجيل محاكمته إلى حين توفر جميع الشروط الملائمة لإجراء محاكمة عادلة، حيث لا يمكن للدفاع ـ كما قال ـ أن يقرأ 3500 وثيقة من ملفه في ظرف قصير، بينما تأسف لوجود الشرطي الفرنسي الذي عذبه اثناء تواجده بفرنسا بحسب قوله.
فارس قريشي