دعت أمس الفيدرالية الجزائرية للمستهلكين، إلى استغلال الظرف الحالي الذي ميزه '' انهيار أسعار النفط وتراجع مداخيل البلاد من العملة الصعبة، لعقلنة الاستهلاك في مختلف مجالات الحياة، من غذاء ودواء وطاقة هاتف وتعويد الأبناء على هذا السلوك من أجل وضع حد لثقافة '' الإسراف'' حفاظا على التوازنات المالية للأسر الجزائرية وضمان الأمن الغذائي ومواجهة تداعيات انهيار أسعار النفط، وكشفت عن مشروع لإبرام شراكات مع عدة قطاعات وزارية من أجل '' النهوض بالثقافة الاستهلاكية والفكر الاستهلاكي''.
وفي ندوة صحفية تم عقدها في بلدية أولاد فايت بالعاصمة، أكد رئيس الفدرالية الجزائرية للمستهلكين زكي حريز بأن الجزائريين مدعوون إلى ، انتهاج من الآن ما أسماه '' سياسة ربط الحزام '' والتوقف عن السلوك الاستهلاكي السائد المتميز – كما قال – بالإسراف في كل شيء مشيرا في هذا السياق إلى أن الجزائريين '' يرمون '' يوميا معدل 10 ملايين رغيف في المزابل تقدر قيمتها بـ 8 ملايير سنتيم، إلى جانب الرمي بحوالي 5 ملايين لتر من المشروبات الغازية والعصائر الاصطناعية يوميا بقيمة حوالي 15 مليار سنتيم.
وبحسب المتحدث فإن الـ 22 مليار سنتيم التي تذهب هباء في المزابل بين كميات الخبز والمشروبات التي ترمي يوميا كافية لخلق 120 ألف منصب شغل.
وفي في هذا الصدد كشف السيد حريز عن حملات تحسيسية ستقوم بها جمعيته في اتجاه أطفال المدارس من أجل شرح أهمية ترشيد الاستهلاك، كما ستتوجه الجمعية من خلال فروعها المنتشرة عبر الوطن إلى الأسر '' الضعيفة الدخل '' والمتوسطة من أجل حثها على '' إعادة النظر في بعض خانات صرف ( إنفاق ) ميزانية الأسرة.
وأكد رئيس جمعية المستهلك بأن الأسر الجزائرية مطالبة اليوم '' قبل أي وقت مضى '' بوضع جدول للمصاريف وتنظيم خاناته وتوزيعها بشكل مضبوط سواء تعلق الأمر بالغذاء أو الهاتف أو الملابس أو الأدوية من أجل وقف مستوى الإنفاق الحالي المتسم بالإسراف الكبير ( التبذير )، وقال أنه '' بإمكان كل عائلة لديها متوسط دخل بـ 30 ألف دينار، توفير 2000 دينار شهريا على الأقل من المصاريف الضائعة بين الأكل والماء والكهرباء واستهلاك الهاتف''، فيما بإمكان العائلات ذات الدخل الأكبر أن توفر مبالغ أكبر، معتبرا بأن الوضعية الحالية لاقتصاد البلاد تفرض علينا التوجه نحو تبني سياسة تقشف تعيدنا إلى الوضع الاستهلاكي الطبيعي الذي يتوقف على الاستهلاك العقلاني.
ودعا حريز، الحكومة إلى مراجعة سياسة الدعم الحالية وتوجيه الدعم مباشرة إلى الفئات الاجتماعية ذات الدخل الضعيف والمحدود واستثناء ذوي الدخل الشهري الذي يفوق الـ 100 ألف دينار من هذا الدعم، باعتبار أن ذلك – كما قال – سيساعد على ترشيد الاستهلاك والتوقف عن الإسراف والتبذير.
كما دعا المتحدث إلى مراجعة سياسة دعم التشغيل سيما تلك المتعلقة بقروض '' أونساج '' التي أصبحت كما قال '' عالة على الدولة''.
أما الدكتور محمد عبيدي الأستاذ بجامعة الأغواط وهو نائب رئيس جمعية المستهلك، فألقى باللائمة في جنوح الجزائريين إلى الإفراط والإسراف في الاستهلاك، إلى اقتصاد السوق الذي قال أن المجتمع الجزائري لم يكن مهيأ له، وقال '' مع الأسف فإن اقتصاد السوق لا يخدم الاقتصاد الجزائري بقدر ما يشجع اقتصاد بلد المنشأ '' مضيفا '' إننا وعلى عكس البلدان التي لديها خبرة في هذا المجال فلم نأخذ من هذا النظام الاقتصادي سوى سلبياته سيما من خلال اعتماد الإشهار والإعلان كمحرك رئيسي للطلب أو التحريض على الشراء وتحريض المجتمع الاستهلاكي على الإقبال على ما هو معروض للبيع''.
ولاحظ الدكتور عبيدي بأن العلاقة بين مداخيل الجزائريين وحجم ما يستهلكونه غير مضبوطة وهو الوضع الذي جاء بسبب غياب سياسة وطنية مضبوطة لترشيد النفقات وترشيد الاستهلاك، سواء تعلق الأمر – كما قال – بالنفقات العمومية او النفقات الفردية على مستوى الأسر.
وبحسب المتحدث فمن هنا تبرز خطورة تراجع أسعار النفط بحوالي النصف تقريبا، سيما وان الوضع قد يمتد كما اضاف – لسنوات في ظل ظهور بدائل طاقوية غير تقليدية ( الغاز الصخري ) الذي بدأ ينتج بكميات كبيرة في الولايات المتحدة الأمريكية.
ودعا عبيدي في هذا الصدد إلى ضرورة وأهمية ترشيد النفقات العمومية ومراقبة أكبر للاستيراد والتحكم فيه والتوقف عن استيراد المواد غير الضرورية، مشيرا إلى أن الجزائر تستورد السيارات سنويا بما قيمته حوالي 7 ملايير دولار، وهو مبلغ كبير جدا كما قال ما جعل عدد السيارات التي يتم استعمالها يوميا يرتفع على 8 ملايين سيارة بمعدل سيارة واحدة لكل أسرة ( 5 أفراد ) وهو ما يؤدي حسبه ليس فقط إلى استنزاف الموارد العمومية من العملة الصعبة ولكن يؤدي أيضا إلى ارتفاع استهلاك الطاقة.
وحذر ذات المتحدث من استمرار انتشار بعض الأنماط الاستهلاكية الحالية للجزائريين والتي سماها '' الاستهلاك التّرفي والاستهلاك التعويضي والاستهلاك النهمي '' الناجمة كما قال عن غياب ثقافة الاستهلاك الرشيد وعدم تشبع الكثيرين بفقه الأولوية، داعيا إلى ضرورة إعادة توجيه نفقات الجزائر من المواد الاستهلاكية نحو الضروريات الغذائية سيما وانه '' بحلول 2025 سيصبح عدد السكان 50 مليون نسمة بزيادة حوالي 10 ملايين ساكن في 10 سنوات ما يتطلب تنويع الصادرات خارج المحروقات.
وكشف نائب رئيس جمعية المستهلك بالمناسبة عن توجه جديد للفدرالية خلال العام الداخل لبناء شراكات مع عدة قطاعات وزارية للنهوض بالثقافة الاستهلاكية والفكر الاستهلاكي الإيجابي مع وزارة الاتصال ومن خلالها مع وسائل الإعلام والصحافة والشؤون الدينية من أجل بناء الإعلام الاستهلاكي المتخصص.
أما السيد حسن منوار نائب رئيس فدرالية المستهلك المكلف بالاتصال فأكد على ضرورة إعادة ترتيب الأولويات في استهلاك العائلات مقترحا على كل عائلة دراسة اقتصادياتها والتخطيط للميزانية وحذف المصاريف غير الضرورية محذرا من أن الحصول على الغذاء سيصبح عصيا في السوق العالمية في المستقبل بسبب الزيادة الديمغرافية الكبيرة.
ع.أسابع