مخاوف من نشاط الفيروس داخل المحيط الصحي
كشف الدكتور ندير بوالصوف، أستاذ مختص في الطب و علم الأوبئة و رئيس مصلحة الأمراض المعدية بالمستشفى الجامعي الحكيم ابن باديس في قسنطينة، و عضو اللجنة العلمية الوطنية لتتبع وباء" كوفيد- 19" المستجد التابعة لوزارة الصحة ، أن تحقيقات وبائية جاري القيام بها، تم إسنادها لمؤسسات الصحة العمومية الجوارية عبر كل أقاليم الوطن من أجل تتبع انتشار الوباء، الهدف منها تكسير سرعة انتقاله و محاصرته ، مضيفا أن اللجنة الوطنية تعمل بشكل متواصل يوميا من خلال المتابعة الدقيقة لتطوّر الوضع الصحي في الجزائر و صب كل البيانات و التفاصيل في المنصة الإلكترونية ، معتبرا أن الجزائر لم تصل إلى مرحلة الخطر في إحصاء الإصابات و الوفيات التي تعيشها بعض البلدان الأوروبية و الأمريكية ، غير أن الفيروس بلغ مرحلة نشاطه الخطيرة أو ما يعرف بالمرحلة الثالثة ، و التي لن يحد منها سوى التزام الجميع بالحجر، و أمام حالة الاستهتار الموجودة في المجتمع فإن الذهاب لتشديد الإجراءات أصبح أمرا إلزاميا.
حاورته: هيبة عزيون
nالنصر : ما هي آليات عمل اللجنة العلمية الوطنية لرصد وباء كوفيد المستجد؟
الدكتور بوالصوف: هذه اللجنة التي تم تنصيبها من قبل وزارة الصحة تهتم أساسا بمتابعة تطور وباء كورونا المستجد، و هناك مصالح و لجان تعمل بشكل يومي كل لجنة أسندت إليها مهمة خاصة ، على غرار اللجنة المكلفة بالإحصاء الدقيق لكل الحالات المسجلة ساعة بساعة بالتنسيق مع مختلف الولايات و مؤسسات الصحة الجوارية و مديريات الصحة و المستشفيات ، و هناك لجنة أخرى تتكفل بالإمكانيات الطبية و الاستشفائية ، و أخرى تتكفل بالعلاج و الدواء و غيرها من اللجان التي تعمل بشكل دائم دون توقف لجمع كل المعلومات التي تصب بشكل مستمر في المنصة الرقمية الخاصة برصد وباء كوفيد 19 ، إلى جانب الدراسات الوصفية و التحليلية و الوبائية.
n هل هناك لجان تنزل إلى الميدان لرصد مدى انتشار المرض في مختلف المناطق؟
نعم ،هناك ما يعرف بالتحقيقات الوبائية التي تمس حاليا كل بلديات الجزائر عبر مختلف الأقاليم ، و التي أسندت مهامها لمؤسسات الصحة الجوارية المتواجدة عبر البلديات و التي تضم مصالح للطب الوقائي و الأمراض المعدية ، هذه التحقيقات يتم إطلاقها على أساس الحالات التي يتم تسجيلها سواء كانت مؤكدة أو مشكوك بها و تكون متواجدة على مستوى المستشفيات ، حيث يتم مراسلة مؤسسات الصحة الجوارية المتواجدة في إقليم إقامة المصاب لمباشرة التحقيق الوبائي.
nما الهدف من هذه التحقيقات الوبائية، و هل من صورة عن الوضع حاليا؟
بالحديث عن الأرقام فهناك تعليمات صارمة بعدم التصريح بأي رقم إلا من الجهات المخولة لها و المتمثلة في وزير الصحة أو الناطق باسم اللجنة الوطنية العلمية لرصد وباء كوفيد- 19 المستجد ، و بالعودة إلى الهدف من هذه التحقيقات هو محاصرة الوباء في مناطق معينة و عزله لمنعه من الانتشار ، و ذلك بالتوجه مباشرة إلى المحيط العائلي للمصاب لإجبارهم على العزل الذاتي لمدة 15 يوما لتفادي انتقال المرض ، مع المتابعة الدقيقة لهم و للمحيط العام في حال ظهور حالات جديدة .
nبحكم اختصاصك في علم الأوبئة، هل الجزائر حاليا في مرحلة خطيرة من انتشار الوباء؟
مقارنة بدول العالم على غرار أوروبا و أمريكا ، فنحن لم نبلغ تلك المرحلة من الخطر و تسجيل أرقام مرعبة من الإصابات و الوفيات ، لكن المخيف أن الفيروس حاليا دخل مرحلة النشاط ،و في ظل الاستهتار الموجود داخل المجتمع فإن تضاعف هذه الإحصائيات وارد جدا بل نتيجة أكيدة ، لأن فيروس كوفيد 19 نشاطه أساسا مرتبط بنشاط الفرد و المجتمع، و في هذه الحالة سيكون قطاع الصحة أمام معضلة حقيقية .
nهل من توضيحات أكثـر ؟
حاليا 80 بالمئة من حالات الإصابة هي دون أعراض ، و 15 بالمئة فقط يتوجهون لمصالح الصحة بينما 5 بالمائة يتطلبون الإنعاش و يحتاجون علاجا خاصا، و في حال تفاقم أعداد هذه الفئة و بالنظر إلى هشاشة المنظمة الصحية في الجزائر فإن التكفل بكل هذه الأرقام داخل المستشفيات شبه مستحيل، ليبقى الحل الأنجع هو الحجر المنزلي و التباعد و تفادي التجمعات ،دون إهمال جانب النظافة و وضع الكمامة التي تحولت إلى واجب حسب منظمة الصحة العالمية.
nهل الجزائر مطالبة بسن إجراءات أشد صرامة ؟
نعم ، تشديد الإجراءات الاحترازية و الذهاب للحجر الكلي أصبح ضرورة، مع الإبقاء على القطاعات الحساسة فقط ، في ظل الاستهتار الكبير الموجود لدى الفرد الجزائري ، و خاصة فئة الشباب التي لا تحترم بتاتا قواعد الحجر المنزلي ، فلا تزال التجمعات موجودة و غالبية المواطنين يمارسون حياتهم بشكل عادي ، بل المؤسف أن هناك من لا يؤمن حقيقة بوجود الوباء، و هنا تكمن الخطورة ، لأننا أمام فيروس مجهول المعالم و سريع الانتشار، و لمواجهته يجب احترام التعليمات المقدمة من وزارة الصحة و الإسكان المأخوذة من المنظمة العالمية للصحة، التي صنفت كوفيد 19 كطارئ من طوارئ الصحة العمومية العابرة للحدود ، و التي أثرت على العالم و جعلته يعيش حالة شلل ، فثلاثة ملايير و نصف من سكان العالم تحت الحجر المنزلي .
nهناك معلومات خاطئة متداولة لدى العامة بأن فئة الشباب محصنة من الإصابة لكون جهازها المناعي قوي ، ما ساهم في عدم احترامهم للحجر، كمختص هل هذا صحيح؟
هذه معلومة خاطئة تماما ، الفيروس لا يراعي قوة الجهاز المناعي للشخص ، و من خصائصه الخطيرة قدرة الانتشار التي سهلتها وسائل النقل الحديثة ، فإذا ما قارناه بالحصبة الألمانية مثلا ، فإن قدرتها على العدوى أكبر من فيروس كورونا الذي ينحصر بين شخصين إلى ثلاثة، بالمقابل فيروس كوفيد- 19 سريع جدا و متغير لذلك أطلق عليه اسم الفيروس المستجد ، فرغم الأبحاث و الدراسات عبر العالم لم يتم التوصل إلى تشخيص دقيق له، فالعالم اليوم في مواجهة فيروس خطير ، فمثلا خلال هذه الأيام بعض الحالات التي تم شفاؤها مئة بالمئة في كوريا بعد خضوعها للعلاج و عودة المصابين إلى منازلهم ، بدأت تظهر عليهم أعراض الإصابة مجددا، و منهم من تم وضعه في الحجر الصحي مرة أخرى و هذا مؤشر خطير جدا، و عليه كمختصين في مجال الأوبئة ننصح الجميع بالتقيد بالحجر لأنه الحل الوحيد للقضاء على هذا المرض.
nهل هناك اجتهادات في الجزائر للقيام بأبحاث حول المرض ، و إيجاد العلاج من قبل باحثين و مختصين ؟
/ نعم ،هناك مساع في هذا الإطار داخل المخابر ، و الباحثون اليوم في علم الأوبئة منكبون على دراسة الفيروس ، و العمل قائم على إيجاد علاج و تطوير التركيبات المستخدمة حاليا للعلاج، كما أن هناك تقدم ملحوظ في طريقة اكتشاف الإصابة من خلال سرعة التحاليل و كذا استخدام تقنيات مرافقة لاكتشاف المرض لإخضاع المريض للعلاج قبل ظهور نتائج التحاليل المخبرية ، و المتمثلة في جهاز السكانير الذي بإمكانه اكتشاف الإصابة لدى بعض الحالات.
nبالحديث عن نتائج التحاليل، هناك لغط كبير حول بعض الحالات التي لم تكتشف إصابتها بالفيروس إلا بعد الوفاة ، أين يكمن الإشكال؟
في البداية كل الحالات التي تتوفر بها الشروط الوبائية و السريرية نقوم بإخضاعها للحجر الصحي حسب خطورة الحالة ، لكن بعض الحالات فارقت الحياة بعد ساعات أو يوم من دخولها المستشفى حيث تبقى قبل صدور التحاليل في خانة المشكوك بها ، و بعد الموت مباشرة نقوم بأخذ عينات دم لتحليلها بهدف تأكيد الإصابة ، مع الاحتفاظ بالجثة في مصلحة حفظ الجثث إلى غاية صدور النتائج، و هو سبب تباين الإحصائيات في الكثير من الأحيان .
nيجرنا الحديث هنا عن برتوكول الكلوروكين ، هل كل الحالات المسجلة في الجزائر تخضع حاليا لهذا العلاج؟
الجزائر اعتمدت بروتوكول الكلوروكين إلى جانب التروموسين ، و ذلك بعد مصادقة اللجنة العلمية عليه , و كل الحالات المسجلة اليوم بين المؤكدة و المشكوك بها تخضع للعلاج ، باستثناء بعض الحالات المستعصية جدا و المتواجدة في حالة إنعاش .
بعض الحالات المشكوك بها يتم إخضاعها للتشخيص عبر جهاز سكانير الذي يتيح إمكانية اكتشاف الإصابة في بعض الحالات، فكلوروكين و بعد التحاليل التي تكون ايجابية و خاصة الحالات غير المستعصية، لديه خاصية علاجية تمنع تكاثر الفيروس و الحد من انتشاره.
nالطواقم الصحية هي الأكثـر عرضة للإصابة بالفيروس نتيجة الاحتكاك المباشر، ما مدى توفر شروط الحماية خاصة بالنسبة للمشرفين على علاج المصابين؟
نعم ، هي نقطة مهمة لكنها مغفلة كثيرا في الوقت الحالي ، لقد أضحى الشغل الشاغل الآن لدى الطواقم الطبية و شبه الطبية هو إمكانية نشاط الفيروس داخل المحيط الصحي، و تحوله إلى خطر حقيقي ، و عليه يجب رفع نسبة الاحترازات و توفير وسائل الوقاية بشكل أكبر ، و الحفاظ على عمال قطاع الصحة المتواجدين اليوم في المقدمة لمواجهة الوباء القاتل.
هـ/ع