يرى الدكتور علي بن جامع، المتخصص في علوم الأحياء الدقيقة، أن الحديث عن تعديل فيروس كورونا في مختبرات بالصين يبقى مجرد هوس مؤامراتي لا معنى له و لا يمكن تقبّله علميا، كما يرسم عضو المكتب الوطني للنقابة الجزائرية لمخابر التحاليل الطبية، 4 احتمالات لمستقبل تفشي الجائحة، أكثـرها تفاؤلا هو زوال المرض الصائفة المقبلة مثلما يحدث في حالة الانفلونزا الموسمية، لكنه احتمال قال المختص في الميكروبيولوجيا
في حوار للنصر، إنه يبدو مستبعدا بما أننا لم نكتشف الفيروس جيدا.
حاورته :ياسمين بوالجدري
- لا يتوقف فيروس كورونا المستجد عن صنع المفاجآت سواء من ناحية الأعراض أو سرعة الانتشار أو سلالاته التي تتغير من بلد لآخر. هل نحن أمام جائحة لا يمكن قهرها، و ما الخصوصية التي تجعل الفيروس على هذا القدر من الخطورة؟
رغم أن عائلة الفيروسات التاجية معروفة وقد سببت أوبئة في فترات سابقة، إلا أن فيروس كورونا الحالي يعتبر جديدا نسبيا و مازالت الأبحاث تنشر حوله بشكل يومي لكن لحد الآن سرعة انتشاره متوسطة، وقد قدرتها منظمة الصحة العالمية بين 1.5 الى 3.8 الذي يمثل عدد الإصابات التي يمكن أن ينشرها شخص مصاب، وهي أكبر بقليل فقط من نسبة انتشار فيروس الأنفلونزا الموسمية المقدرة بـ 1 إلى 3، بينما هي أقل بكثير من أمراض أخرى مثل الحصبة (15 إلى 20) و بكتيريا السعال الديكي (15 إلى 17).ورغم أن بعض الدراسات تحدثت عن وجود نوعين أو أكثر من السلالات الطافرة للفيروس بعضها أشرس، إلا أن التحاليل اللاحقة لآلاف الجينومات ومقارنتها أثبتت أن قوة الفيروس الممرضة متقاربة و لذلك فإن ما يجعله خطيرا نسبيا هو غياب أي علاج مثبت حاليا إذ أن هناك أدوية مرشحة ما تزال كلها تحت الاختبار و التجريب، وكذلك غياب لقاح، إضافة إلى ذلك اختلاف الأفراد والمجتمعات في حساسيتها للمرض، مثل خلال نسبة الشيخوخة والأمراض المرافقة والحالة المناعية للأفراد والمجتمعات ونجاعة الأنظمة الصحية و قدرة الحكومات على الكشف والتقصي والتزام الشعوب بالإجراءات الوقائية اللازمة.
- من منظور علم الأحياء الدقيقة، ما هي الآلية التي يكون الفيروس قد انتقل بها إلى المريض 0 في الصين؟
بعد فك شفرة الفيروس و مقارنتها بعدة فيروسات لمئات من الحيوانات المعروفة باحتوائها على فيروسات كورونا، نُشرت عدة أبحاث أهمها بحث مجلة نيتشر و الذي كان بعنوان «أقرب أصل لفيروس سراس كوف 2» حيث أظهر تقارب كورونا الخفاش لسراس كوف 2 بنسبة وصلت الى 96 بالمئة، مما جعل فرضية أنه الخزان الطبيعي للفيروس هي الأقوى، لكن دراسة المستقبلات البروتينية أظهرت عدم توافقها مع مستقبلات البشر، في حين كانت هذه المستقبلات متوافقة مع التي درست عند حيوان البانغولان الذي أظهرت فيروساته تقاربا بنسبة 92.4 بالمئة، مما جعله المرشح باحتمال كبير جدا ليكون المضيف الوسيط.
و للإشارة فإن الطفرات الطبيعية و آلية التطور معروفة كسبب لكسر حاجز النوع وانتقال الفيروس إلى المريض 0 في عدة أوبئة و بالخصوص عند الكورونا، كما حدث في الكورونا السابقة من خلال السارس سنة 2002 أين تم تحديد الخفاش كذلك كخزان و حيوان قط الزباد كوسيط، إضافة إلى كورونا الشرق الأوسط سنة 2012 أين كان الخفاش الأفريقي الخزان و الجمل هو الوسيط.
- لماذا يزيد عمر الفيروس على الأسطح الصلبة؟
يعلق الفيروس في الأسطح الصلبة بعد قذفه خارج الجسم وسط قطيرات و رذاذ اللعاب أو الإفرازات التنفسية، و بالنظر لطبيعة الأسطح فإنها عادة قليلة التفاعل مع المكونات الحيوية للفيروس مما يجعله معدٍ لمدة تختلف باختلاف طبيعة السطح و حرارته و مدى حفظه للرطوبة و مدى قابليته للتفاعل الكيميائي مع رذاذ الفيروس.
- فنّد خبراء ما تناقلته وسائل إعلام أمريكية بأن مصدر «كوفيد 19» هو مختبر بي 4 بمدينة يوهان الصينية، لكن العالم الفرنسي لوك مونتانيي قال بأن كورونا المستجد نجم عن خطأ ارتكب في مخبر يوهان أيضا، مستدلا بوجود عناصر من فيروس HIV في جينوم كورونا، ما أثار ضجة في الأوساط العلمية بالعالم. ما رأيك في هذا الجدل؟
من الطبيعي أن تظهر فرضيات مؤامراتية في مثل هذه الأزمات و تتخذها وسائل الإعلام مادة للنشر و النقاش، لكن دعيني أخبر القراء الأكارم أن العلم له منهجية صارمة جدا في التعامل مع الادعاءات مهما كان قائلها، ففي أي ادعاء، على صاحبه أن يقدم بحثا علميا أو مقالا موثقا يعرض على الأخصائيين والخبراء للنقد والتمحيص، وإن صمد فإنه ينشر في المجلات المتخصصة وهذا ما حدث مع بحث الفريق العلمي الهندي الذي تحدث عن وجود أجزاء من فيروس السيدا في جينوم كورونا حيث نُشر في موقع ما قبل النشر لأخذ آراء الخبراء و تعرض لنقد علمي كبير و مؤسَّس، حيث أظهرت مراجعة البحث وجود تلك الأجزاء المزعومة في المئات من الفيروسات و البكتيريا بل حتى النباتات و بأنها ليست خاصة لا بالكورونا و لا بفيروس السيدا، وبذلك ظهرت سخافة تلك الدراسة واضطر الباحثون لسحبها نهائيا.
الغريب أن البروفيسور لوك مانتانيي اتخذ هذه الدراسة حجة في مزاعمه ولم ينشر و لا مقال علمي حول الموضوع و اتخذ من وسائل الاعلام منبرا لإثارة الجدل من غير المختصين، و هذا ليس جديدا عليه، فقد عُرف بخرجات غير علمية و غير مؤسسة أبدا من قبل، كزعمه معالجة مرض التوحد بالمضادات الحيوية و كلامه الغريب حول ذاكرة الماء، و حملته مع البروفيسور هنري جوايو ضد التلقيحات. كل هذا دون أي منشور أو مقالة علمية واحدة منشورة للمختصين مما دفع بالمجتمع العلمي إلى المطالبة بعدم الاعتراف بمصداقيته العلمية.
لذلك فإنه وبعد الأبحاث التي نشرت حول أصل الفيروس، خاصة بحث مجلة نيتشر، و شبه إجماع الأخصائيين حول أصله الطبيعي، فإن الحديث عن فيروس معدل في مخابر بي 4 في يوهان أو غيرها، مجرد هوس مؤامراتي لا معنى له، مع العلم أن أي تعديل مخبري رغم شبه استحالته بالمعارف الحالية، سيتم اكتشافه عند تحليل الجينوم.
- يطرح أطباء في الجزائر إشكالية غياب مختبرات في علم الفيروسات و وجود مخبر وحيد من هذا النوع في معهد باستور. هل هي مشكلة كفاءات أم نقص في التجهيزات؟
المشكلة في الجزائر ليست مشكلة كفاءات فهناك مئات الأطباء والصيادلة البيولوجيين، و كثيرون منهم مختصون في علوم الفيروسات والأحياء الدقيقة وهم المسؤولون الأوائل عن تشخيص حالات الإصابة وتأكيدها رفقة التقنيين والبيولوجيين المتكونين في هذا المجال داخل و خارج الوطن، لكن المشكلة أن الدولة لم تستثمر في جانب تجهيز وتهيئة مخابرها على الأقل على مستوى المستشفيات الجامعية والمؤسسات الاستشفائية العامة، و كذلك إهمال البحث العلمي و الاستثمار في مجال صناعة الكواشف مثلا، أو أبسط وسائل الحماية، و الاعتماد بدل ذلك على الاستيراد. إذن في نظري المشكل الأكبر كان و ما يزال مشكل إرادة سياسية و مشكل في رسم استراتيجيات قطاعي الصحة و البحث العلمي، لذلك نرجو أن تكون هذه الأزمة نقطة تحول في السياسات المتبعة مستقبلا.
- سجلت الجزائر تضاؤلا في عدد الإصابات بفيروس كورونا والبعض يتحدث عن قرب بلوغ نقطة الذروة، ما هي توقعاتك في هذا الخصوص؟
من الصعب جدا الجزم حول بلوغ الذروة من عدمها إلا بعد تناقص مستقر لحالات الإصابة و الوفيات و لمدة كافية، مع العلم أن الفيروس يمكن أن ينتشر في شكل موجات بعدة ذروات. أحب التأكيد على أن عدد الإصابات في الجزائر ليس معيارا دقيقا بسبب عدد الكشوفات الضعيفة، و يمكن نسبيا الاعتماد على عدد الوفيات و هو في تناقص لكن الحذر مطلوب و التزام الإجراءات ضروري جدا لاجتناب الموجات، مع العلم أن الهدف الأساسي هو إبطاء انتشار الفيروس و السماح للهياكل الصحية باحتواء المرضى و التعامل معهم في ظروف عادية.
- اعتمدت الجزائر البروتوكول العلاجي القائم على دواء هيدروكسي كلوروكين و الذي تشير الإحصائيات الرسمية إلى أنه ساعد على شفاء مئات الحالات. كيف تقرأ مدى فاعلية هذا الدواء و هل هناك في الأفق أدوية أو لقاحات ذات فاعلية ضد كوفيد 19؟
بروتوكول الهيدروكسي كلوروكين نجاعته لم تؤكد بعد والتجارب الصارمة لاختبار نجاعته جارية حاليا، و باعتبار سعر الدواء المنخفض و وفرته فإن دولا كثيرة اعتمدته في انتظار نتائج الدراسات الموسعة حوله. بعض الدراسات المحدودة في الصين أثبتت أنه ساهم في تحسن المرضى كما أوصت به بعض الجمعيات العلمية هناك، بينما نشرت دراسة أخرى هناك خلصت إلى أنه لم يكن ناجعا.
مقالات البروفيسور ديديي رؤولت خلصت إلى مساهمته في شفاء حالات كثيرة و دول كثيرة تستعمل البروتوكول حاليا من بينها الجزائر ونحن بانتظار نشر النتائج العلمية المفصلة حول نجاعة العلاج عندنا. هناك أدوية أخرى أظهرت نجاعة مبدئية أكبر من الكلوروكين مثل رمديسيفير لكن لعدم وفرته وغلاء ثمنه لم يتم استعماله بشكل واسع.
- متى تتوقع أن يتخلص العالم من هذه الجائحة؟
من الصعب التنبؤ بذلك، لكن هناك في نظري أربع احتمالات لاختفاء الوباء، أولها التزام الإجراءات الصارمة و كسر حلقة العدوى إذ أن فيروس سراس كوف 1 اختفى في مدة 8 أشهر، و ثانيا إصابة نسبة كبيرة من الناس و اكتسابها لمناعة نسبية توقف انتشاره و هذا سيأخذ وقتا طويلا قد يتجاوز السنة. الاحتمال الثالث هو اكتشاف لقاح أو علاج شافي و نشره على نطاق واسع، أما الاحتمال الأخير فهو التعويل على التغيرات المناخية و أن الفيروس قد يتفاعل مثل فيروس الانفلونزا الموسمية و يختفي في الصيف، لكن بما أننا ما زلنا لم نكتشف الفيروس جيدا فيبدو هذا
مستبعدا. ي.ب