وضع اللاعب الدولي السابق لخضر بلومي، رؤساء الأندية في خانة أكبر المتسببين في طغيان الفساد على المشهد الكروي بالجزائر، وأكد على أن المحيط بلغ أعلى درجات التعفن، نتيجة التلاعبات الكثيرة بالمال العام، خاصة في التعاقدات مع اللاعبين برواتب خيالية، مع اتساع دائرة الفساد إلى الوسطاء والحكام.
حــاوره: صالح فرطــاس
بلومي، كشف في حوار خص به النصر، بأن تحرك العدالة يبقى خطوة تمهيدية، يستوجب الاستثمار فيها، لرسم خارطة طريق مستقبلية لكرة القدم الجزائرية، كما اعتبر تتويج المنتخب باللقب القاري، ثمرة الانضباط الذي فرضه بلماضي، في الوقت الذي أعرب فيه عن أمله، في التحاق بن ناصر بنادي برشلونة الإسباني.
إجراء الوزارة أرعب معسكر الفاسدين ولا يجب الاكتفاء بملف التسجيل
*ما قراءتك للوضعية الراهنة للمنظومة الكروية الوطنية، سيما بعد كثـرة الحديث عن قضايا الفساد؟
الحقيقة الميدانية لا يمكن أن يغطيها أحد، لأن الكرة الجزائرية أصبحت مستنقعا للفساد، وذلك بسبب استراتيجية العمل المنتهجة على مستوى الفرق، والتي فسحت المجال أمام «الدخلاء» لاقتحام عالم المستديرة، فحاد النشاط الكروي عن مساره، لتطغى لغة «البزنسة» على المشهد، مقابل تدني المستوى الفني، وهذا كله بسبب عدم سن قوانين صارمة، تضبط الشروط الواجب مراعاتها لتولي مناصب في التسيير الرياضي، لأن أهل الاختصاص وجدوا أنفسهم على الهامش، بعد إحكام «المافيا» قبضتها على الشأن الكروي في بلادنا، وحديثي هنا موجه بالأساس لرؤساء النوادي، الذين يشكلون الحلقة الأبرز في السلسلة، على اعتبار أنهم يعتمدون أساليب ملتوية في التسيير، دون تسطير أهداف لها علاقة مباشرة بالرياضة وتطوير الممارسة، وهي الوضعية التي بلغت الذروة، بعدما أصبحت لغة الملايير سائدة، فيما تراجع مستوى البطولة الوطنية بخطوات كثيرة إلى الخلف.
*هذا يعني بأنك توجه أصابع الاتهام لرؤساء الأندية كمتسببين في الوضعية الحالية؟
بالنسبة لي، فإن نقطة التحوّل في مسار المنظومة الكروية الجزائرية، كانت عند اتخاذ قرار دخول الاحتراف، لأن هذا الإجراء تم اعتماده دون مراعاة الوضعية الميدانية، الأمر الذي أتاح الفرصة لرؤساء النوادي، لانتهاج طرق غير رياضية في التسيير خاصة في الشق المالي، لأن الاحتراف ظل مجرد حبر على ورق، وتجسيده على أرض الواقع، انحصر في تضخيم رواتب اللاعبين والمدربين وكذا الإداريين، مع ظهور شريحة جديدة، تتمثل في «الوسطاء»، لأن هذه المجموعة أصبحت الحلقة التي يستند إليها الرؤساء لتنفيذ مخططاتهم، سيما عند إبرام صفقات خيالية مع اللاعبين، لتصل الأمور درجة «الجنون»، بتخطي رواتب معظم العناصر الناشطة في الرابطة المحترفة الأولى عتبة 250 مليون شهريا، وهو ما كان يستوجب تحرك مسؤولي الإتحادية في تلك الفترة، لوضع النقاط على الحروف، واعتماد معايير في سلم الأجور، لأن اللاعب الذي يتقاضى شهريا هذا المبلغ ولا يحوز على صفة «دولي» يبقى نجما من ورق فقط، وشخصيا فقد استغربت لوجود مدافعين يتقاضون أزيد من 400 مليون سنتيم شهريا، وهذا ما لم أتقبله، لأن المتعارف عليه أن أعلى الأجور تكون في الغالب لصانعي الألعاب أو المهاجمين، إلا في الحالات «الشاذة»، عندما يتعلق الأمر بلاعب دولي من الطراز العالي.
الاحتراف خلق نجوما من ورق ولا يعقل منح 400 مليون شهريا لمدافع !
*لكن الوزارة تحركت وطرحت قضية التسجيل الصوتي على العدالة، ألا ترى بأن هذا الملف سيقضي على هذه الظاهرة؟
هذه القضية يمكن أن تضع كل الأطراف الفاعلة في الساحة الكروية الوطنية أمام الأمر الواقع، لأن الفاف كانت قد إلتزمت الصمت لفترة طويلة، رغم وجود العديد من الملفات الساخنة، والتي كانت قد طفت على السطح في مواسم سابقة، وهذا الصمت كان له تفسير وحيد، وهو عدم قدرة الاتحادية على تحمّل المسؤولية، واللجوء إلى العدالة للدفاع عن سمعة الكرة الجزائرية ونزاهة المنافسة فيها، مما جعل «المافيا» توسّع دائرة نشاطها، فعشعش الفساد في كامل المحيط، بالإنتقال من تضخيم رواتب اللاعبين، إلى الزج بسلك التحكيم في «البوتقة»، ثم التلاعب بنتائج المباريات، مع استفادة «الوسطاء» من كل الصفقات، وهذه المظاهر والأساليب أصبحت تزيّن المشهد، وبلغت درجة التباهي بها في «بلاطوهات» مختلف القنوات التلفزيونية، لتبقى كرة القدم الجزائرية الضحية الوحيدة، لكن الخطوة التي قام بها وزير الشباب والرياضة هذه المرة أرعبت الجميع، لأن اللجوء إلى العدالة والتأسس كطرف مدني، يعني دخول الوصاية في رحلة الدفاع عن منظومة بكاملها، كان الفساد ينخر جسدها، إلا أن عملية التطهير لا يجب أن تتوقف عند هذه القضية، بل تستوجب تغييرات جذرية على جميع الأصعدة، خاصة بعد فتح تحقيقات في التسيير المالي لبعض النوادي، ونتمنى أن تكون هذه الخطوة شاملة.
أتمنى تحول بن ناصر لبرشلونة وينجح فيما حرمت منه عام 1981
*ما هي نظرتك لمستقبل الكرة الجزائرية من هذه الزاوية؟
الضرب بيد من حديد يبقى الحل الأنجع، واستئصال الداء يتطلب تشريحا شاملا، مع القيام بعملية تطهير تستهدف جميع «الطفيليين»، الذين اتخذوا من المشهد الكروي فضاء للتلاعب بالمال العام، وعليه فإن مراجعة القوانين تبقى من الأولويات، سواء في الجانب الإداري لتسيير النوادي أو حتى العقابي، لأن الفرق الجزائرية تسير بطريقة فوضوية، بعد الرمي بدفتر أعباء قانون الاحتراف في أدراج المكاتب، لأن نجاح أي نشاط يمر عبر تواجد أصحاب الاختصاص كمشرفين عليه، غير أن هذه القاعدة لم تحترم في عالم الكرة بالجزائر، بسبب اقتحام الكثير من الدخلاء لهذا المجال بحثا عن الربح السريع دون رقيب أو حسيب، الأمر الذي جعل كل النوادي غارقة في الديون، في وقت تبقى فيه لغة الملايير تغذي كل «ميركاتو»، وهو ما يستوجب مراجعة قانون الإحتراف، بعد الفشل الذريع الذي وقفنا عليه خلال تجربة دامت 10 سنوات، وتجسيد هذه المشروع يكون بمسيرين محترفين كل في اختصاصه، مع ضرورة قطع الطريق أمام «السماسرة»، لأن البطولة الوطنية أصبحت «عقيمة»، واللاعب في عهدنا يضع هدفين فقط لمشواره الكروي، وهما الإلتحاق بالمنتخب والإحتراف في الخارج، بينما اللاعبون الحاليون يبحثون عن الأموال دون العمل على تطوير قدراتهم أو التفكير بجدية في مستقبلهم الكروي.
*نفهم من هذا الكلام، بأنه لا يوجد أي مجال للمقارنة بين الماضي والحاضر؟
هذا أمر لا نقاش فيه، لأن جيل الثمانينات كان ثمرة سياسة الإصلاح الرياضي التي انتهجتها الدولة، لأن هذه السياسة أعطت ديناميكية كبيرة للساحة الرياضية الوطنية، والدليل على ذلك أن منتخب كرة القدم، نجح في التأهل مرتين متتاليتين إلى المونديال، كما أننا كنا من أقوى المنتخبات في القارة السمراء، وتواجدنا في دورات «الكان»، كان دوما في ثوب أبرز المرشحين للتتويج باللقب الإفريقي، مما يدل على أن الكرة الجزائرية كانت لها مكانتها على الصعيد القاري وحتى العالمي، ويكفينا فخرا أننا أجبرنا الفيفا على الاعتراف بأننا كنا ضحايا في مونديال 1982، والدفع بها إلى تغيير قوانين المونديال بسبب فضيحة مباراة ألمانيا والنمسا، وهذا كله من ثمار التعلق الكبير بالألوان الوطنية، واللعب من أجل الكرة وليس المال، لأن الأموال في وقتنا لم تكن متوفرة وكل النوادي فقيرة، ومشروع الإصلاح الرياضي جعلنا كموظفين في شركات ومؤسسات ترعى الفرق، واللاعبون الدوليون في تلك الفترة كانوا يتقاضون راتبا شهريا موحدا، لا يتجاوز 16 ألف دج، بينما استراتيجية التسيير تغيرت كلية في الوقت الراهن، وأصبحت أجور اللاعبين تخطى حدود المعقول، رغم أن أغلبية العناصر لا تحسن حتى ترويض الكرة، وبالتالي فمن الضروري العودة إلى سياسة التكوين والعمل القاعدي، لأن البقاء أصبح لأصحاب المال على حساب كرة القدم، وقد عايشت حادثة ميدانية لما كنت مسؤولا في غالي معسكر منذ سنتين، حيث راح فريقنا ضحية مؤامرة نسجت خيوطها في «الكواليس»، فكان السقوط من الرابطة الثانية مصيرنا الحتمي، لأننا لم نكن نتوفر على الأموال، والدليل على ذلك أن كل المدارس الكروية الوطنية اندثرت، وسقطت إلى الأقسام السفلى.
يجب إعادة النظر في قوانين الاحتراف وغلق الباب أمام الدخلاء
*لكن هذه الوضعية قابلها المنتخب الوطني بانجاز فاجأ المتتبعين، عند العودة بالتاج القاري من مصر؟
كما سبق وأن قلت، فإن البطولة الوطنية أصبحت عقيمة والمنتخب الذي نال شرف التتويج بكأس أمم إفريقيا الأخيرة بمصر، كان يتشكل من لاعبين محترفين، بمن فيهم بعض خريجي النوادي الجزائرية، لكنهم اختاروا الاحتراف الخارجي، ولو أن الأمر الذي يستوجب الوقوف عنده بجدية، هو الدور الكبير الذي لعبه المدرب بلماضي، إذ أنه نجح في وضع بصمته بصورة جلية على المجموعة، خاصة من ناحية الانضباط، لأن هذا الجانب ظل لسنوات طويلة بمثابة نقطة الضعف، التي عانت منها التشكيلة الوطنية، غير أن بلماضي فرض شخصيته القوة واستعملها كآداة لتحصين صلاحياته على جميع الأصعدة، مما مكنه من توفير الجو الذي يساعده على العمل، مع إبداء اللاعبين تجاوبا كبيرا مع هذا النظام، رغم أن التعداد لم يتغيّر كثيرا بالمقارنة مع التركيبة التي كانت في آخر سنتين، فكانت ثمار ذلك ظهور المنتخب بوجهه الحقيقي، مع التسلح المجموعة بالروح الوطنية، والرغبة الكبيرة في تحقيق الإنتصارات، وهذا كله بفضل الدم الجديد الذي ضخه بلماضي، ليكون التاج الإفريقي أغلى هدية يقدمها هذا الجيل للجزائر، وهو انجاز كان بجدراة ميدانية، لكنه لا يمكن أن يحجب الرؤية عن الوضع الراهن للمنظومة الكروية المحلية، ومن المفروض أن تتحول تجربة بلماضي، إلى نموذج نسعى إلى تعميمه على النوادي الجزائرية، بالحرص على زرع الإنضباط وسط اللاعبين، مع ترك مهنة التدريب لأهل الاختصاص، والابتعاد عن التدخل في المهام والصلاحيات، لأن الكثير من المدربين في الجزائر، ضربوا بالضمير المهني عرض الحائط، وأصبحوا عبارة عن دمى في أيدي المسيرين، الوسطاء والأنصار.
مدربون «قبروا» ضميرهم المهني وتعميم تجربة بلماضي يفيد
*وكيف ترى مستقبل المنتخب بعد هذا الانجاز؟
الحديث عن الانضباط، الذي فرضه بلماضي وانعكاساته الإيجابية على المجموعة، يكشف حقيقة الداء الذي كان يعاني منه المنتخب في السنوات السابقة، لأن قوة شخصية الناخب أراحت اللاعبين مع الأجواء السائدة، وبالتالي فمن الضروري الاستثمار في هذه المرحلة قدر المستطاع، خاصة وأن التعداد يضم لاعبين شبان مازالوا قادرين على تطوير قدراتهم، مع النظر إلى المستقبل من زاوية التفاؤل، والمراهنة على التأهل إلى المونديال، لأن التلاحم بين أفراد المجموعة كان مفقودا، وهذا المكسب سمح لنا بصنع الحدث، رغم أن المنتخب الوطني كان خارج قائمة المرشحين لاعتلاء المنصة، خاصة وأننا اعتدنا على «النكسات» في دورات «الكان»، ونظرة الجزائريين إلى المشاركة في النهائيات الإفريقية كان «قاتمة»، وكأننا لن نستطيع إحراز اللقب خارج الجزائر، لكن هذا الجيل وبفضل لمسة بلماضي وقوة شخصيته، تمكن من فك العقدة التي لاحقتنا، لأننا كنا في ثمانينيات القرن الماضي أقوى منتخب في القارة، ومع ذلك فلم نتمكن من انتزاع التاج، وما كان على الجزائريين، سوى انتظار دورة 1990 لتحقيق هذا الحلم.
بلماضي لم يأت بلاعبين من الفضاء وعمله من صنع الفارق في مصر
*وهل من تعليق بخصوص بن ناصر والعروض، التي يتلقاها هذه الصائفة؟
هذا اللاعب برهن على مستواه العالي، وشخصيا أعتبر تواجده في ميلان مجرد محطة عبور، بدليل تداول إسمه في بعض الأندية، لكن أتمنى ان لا تكون هذه العروض تهريجا اعلاميا فقط، كما حدث لبعض العناصر الوطنية مباشرة بعد مونديال البرازيل 2014، ولو أنني أرى بأن مستوى بن ناصر يسمح له باللعب في الدوري الإسباني أفضل من إيطاليا، وبحكم أنني مناصر لبرشلونة فإنني أتمنى ان أراه في هذا الفريق إلى جانب كبار نجوم العالم، حتى يحقق حلمي الذي كان قد تبخر، لأنني كنت قد تلقيت عرضا من «البارصا» سنة 1981، لكن القوانين المعمول بها أنذاك في الجزائر حرمتني من ذلك، لأن الإحتراف في الخارج لم يكون مسموحا للاعبين دون 27 سنة.
ص/ف