يرى البروفيسور أحمد شنة، الباحث بشركة «مونوغرام ساينسيز» المتخصصة في اختبارات الأمراض المعدية والسرطان بأمريكا، أن الأعراض الجانبية التي تم تناقلها بخصوص لقاح “فايزر” المضاد لكورونا، ليست مقلقة في الوقت الحالي، كما يعتبر العالم الجزائري المختص في البيوتكنولوجيا أن لقاح “موديرنا” هو الأنسب للجزائر رغم أنها قد لا تحصل على حصتها منه في وقت قريب، ليشرح في حوار للنصر آلية عمل التطعيمات التي تطوّرها المخابر العالمية.
حاورته: ياسمين بوالجدري
* أكد علماء أن فيروس كورونا صار أقل شراسة، لكن سرعة انتشاره ارتفعت، كيف تفسر ذلك؟
«كوفيد 19» هو ضمن مجموعة فيروسات كورونا التي اكتشفت سنتي 1965 و 1966 وقد أدرك العلماء وقتها أنها تعيش في الجو البارد، لذلك كانت هناك توقعات برجوعها لعدم تطوير لقاح ضدها.
لقد حصلت تحولات بالفيروس لكنها لم تغير كثيرا في سرعة انتشاره. التحول وقع خاصة في أوروبا عندما انتقل الفيروس من الإنسان إلى حيوان المنك، ثم من هذا الأخير إلى الإنسان، لذلك تم قتل أكثر من 5 ملايين منك بدول أوروبية.
التحولات كانت كثيرة لكنها لم تغير الحامض النووي الريبوزي الموجود داخل الفيروس والمسؤول عن صناعة البروتينات، وبالتالي لم تغير سرعة العدوى أو الشكل الخارجي للفيروس.
سرعة انتشار الفيروس لم تتغير
* هل نعيش حاليا موجة ثانية للجائحة أم امتدادا للموجة الأولى؟
عشنا موجة ثانية لأن منحنى الإصابات شهري مارس وأفريل وصل إلى القمة ثم انخفض. أعتقد أن للأمر علاقة بالعوامل المناخية وكذلك بالاحتياطات التي اتخذها البشر في الفترة الأولى من الوباء، وهو ما ساعد أيضا على تخفيف حدة المرض صيفا، أما رجوعه اليوم فهو مرتبط بعوامل مناخية مثلما أسلفت، كما أن الناس تعبوا من البقاء في البيت.
لقد أثبتت دراسات أن أكثر من 50 بالمئة من العدوى سُجلت بين المجموعات الصغيرة و العائلات، وفي الجزائر ساعد على ذلك الأعراس و الجنائز، لقد رأينا كيف تسببت أول حالة كورونا دخلت للبلاد في انتشار المرض من خلال حضورها عرسا.
* أعطت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية موافقتها على لقاح «فايزر» المضاد لكورونا، ممهدة الطريق أمام إطلاق حملة تطعيم واسعة بهذا البلد، هل تعتقد أنه هو الأنسب أم أن سباق اللقاحات لم ينته؟
لقاحات فايزر، موديرنا و أكسفورد كانت في مقدمة السباق، لكن فايزر سبق موديرنا بأسبوع أو اثنين فقط، غير أن مشكلة تعتريه وتُسجل بالخصوص في دول العالم الثالث، إذ يجب حفظه في 70 درجة تحت الصفر، وبالتالي فإن الثلاجات التي تتوفر على هذا الشرط محدودة، وفي الجزائر أعتقد أنه توجد منها اثنتان فقط، العاصمة و بمركز البحث في البيوتكنولوجيا بقسنطينة، بما يعني أن اللقاح سيكون معرضا للتلف لو تم إرساله بين الولايات.
موديرنا برأيي، أحسن في هذا الجانب لدول العالم الثالث، إذ يمكن نقله في مجمدات منزلية عادية توفر حرارة تقل عن 20 درجة مئوية، و يمكن بعد ذلك وضعه في ثلاجات عادية لحفظه.
لقاح فايزر مكلف كذلك ويقدر بحوالي 20 دولارا للجرعة، بينما يكلف لقاح أكسفورد 2 إلى 3 دولارات لكن التجارب السريرية الخاصة بهذا الأخير ما تزال بالمرحلة الثالثة، وأعتقد أنه أحسن خيار للجزائر من حيث النقل وشروط الحفظ.
* حذّر البعض من احتمال تسبب لقاحي فايزر و موديرنا، في تغييرات على جينات البشر بسبب اعتمادهما على تقنية الحمض النووي الريبوزي، هل هي مخاوف مشروعة؟
بالفعل، لقد تم اعتماد طرق جديدة في تطوير اللقاحات، جعلت البعض يتخوف، لكن البحوث بخصوصها بدأت منذ أكثر من 10 سنوات. صحيح أنه يتم تجريبها لأول مرة، لكن التجارب السريرية أجريت على 42 ألف شخص في لقاح فايزر، وعلى 30 ألفا بالنسبة لموديرنا.
لا يوجد تلاعب لأن الحمض النووي الريبوزي «آر.آن.آ» غير ثابت ويحتاج لدرجة تبريد معينة، حيث يتلف لو تم لمسه بالإصبع و يتفتت في درجة حرارة غير مناسبة.
* ما هي آلية عمل هذه التقنية؟
تعتمد على قتل الفيروس و وضعه في اللقاح ليبعث أوامر للخلية بصناعة البروتين سبايك الموجود في غلاف الفيروس، وبعد صناعته يكوّن الإنسان أجسام مضادة ضد البروتين وهي في الحقيقة طريقة منشطة تدفع الجسم إلى الدفاع عن نفسه.
* ما الذي يجعل البروتين سبايك على هذه الدرجة من الأهمية؟
عندما يدخل أي فيروس أو بكتيريا الجسم، فإن هذا الأخير يتعرف عليه من الشكل الخارجي، و في حالة كوفيد 19، يوجد البروتين سبايك في الغلاف الخارجي فيبني الجسم المناعة ضد ما هو خارج الفيروس و بالتالي يقتله، لذلك فإن البروتين مهم جدا لبناء اللقاح. هناك لقاحات تعتمد على قتل الفيروس و وضعه في الجسم ليُشكل أجساما مضادة بناء على ما هو موجود في خارج الفيروس الحي وليس داخله.
50 بالمئة من العدوى سببها التجمعات الصغيرة
* لماذا يتطلب لقاح فايزر درجة أقل بكثير مما هو معتمد في موديرنا؟
سؤال مهم. رغم أن للقاحين البنية الأساسية نفسها، إلا أنهما يختلفان في العملية الصناعية المسماة التركيب، حيث تتم إضافة مواد مصنعة سائلة أو صلبة، تُعطي للمنتج طعمه و شكله، وهي تأتي في المرحلة الأخيرة من صناعة الأدوية.
هناك طرق علمية أخرى تزيد ثبات المركبات و منها إضافة الغليسيريد و الأملاح.
* هل لديك معلومات عن المواد التي أضيفت في تركيبة لقاح فايزر؟
لا، لأنها تدخل ضمن أسرار الشركة والمنافسة.
* يرى البعض في اعتماد بريطانيا لقاح فايزر قبل مصادقة إدارة الغذاء والدواء الأمريكية عليه، نوعا من المخاطرة. هل الأمر كذلك فعلا؟
في حقيقة الأمر هي ليست مخاطرة، لقد سمعت مسؤولا بريطانيّا يصرح أن بلاده رافقت الشركة المصنعة للقاح فايزر منذ البداية، فكان علماؤها يزورون المصانع ويراقبون بأنفسهم الجودة. هناك فرق بين من درس نصف الملف وبين ما بدأ للتو دراسته. إدارة الغذاء و الدواء الأمريكية «آف.دي.آي» تخلّفت عن الاعتماد لأنها تدرس أوراق عدة لقاحات، عددها من 10 إلى 12.
* هل يمكن اعتبار مصادقة «آف.دي.آي» على لقاح ما، بمثابة الضوء الأخضر لتسويقه في بلدان العالم؟
طبعا، فليس كل الدول تملك الإمكانيات لمراقبة الأدوية التي تأتيها من الخارج.
* ما رأيك في لقاح سبوتنيك 7 الذي طورته روسيا؟
أربط إعلان روسيا بأن نسبة فعاليته تزيد بـ 2 بالمئة عن لقاح فايزر الأمريكي، بالجانب السياسي والمنافسة مع الغرب. ليست لدي ثقة فيه، فقد نُشرت بشأنه ورقة علمية واحدة و لم يتم تبيين كل المعلومات. لا نملك معلومات حول درجة الأمان والآثار الجانبية، فلقاح موديرنا مثلا، عرض في المرحلة الأولى فقط من التجارب أكثر من 100 صفحة إضافية تتضمن كل المعلومات الكافية.
* ماذا عن اللقاح الصيني «كورونافاك”؟
أثق فيه نوعا ما، لأنه جُرب على حوالي مليون صيني في الجيش وقطاع الصحة، بالمقابل فإن المؤسسات التي عملت عليه غير مستقلة بنسبة 100 بالمئة، وممولة تقريبا من الحكومة، لكن في الغرب الأمر مختلف، وهناك أخلاقيات عالية.
* يُعاب على بعض الشركات الكبرى المطورة للقاحات عدم نشر كل المعلومات المتعلقة بمنتجاتها. ما رأيك في هذا الأمر؟
لقاحات موديرنا، فايزر و أكسفورد، نُشرت المعلومات المتعلقة بتجاربها السريرية الأولى في مجلات علمية، وقد قُدّمت في الأولين أوراق الاعتماد لإدارة الغذاء و الدواء الأمريكية، حيث تتضمن المعلومات الكافية، على أن يتم بعد ذلك وضع منشور علمي في متناول الجميع، يتضمن الآثار الجانبية. مثل هذه الأمور تسير بطريقة علمية بنسبة 100 بالمئة، خاصة في الغرب.
الجائحة ستغيّر طرق تطوير اللقاحات
* ما هي الأعراض الجانبية؟
في لقاحي فايزر وموديرنا، أقل من 10 بالمئة ممن أخذوهما ظهرت عليهم أعراض جانبية حادة، وقد شكّل الاحمرار بموضع الوخز معظم الأعراض بـ 84.1 بالمئة بفايزر و 91.6 بالمئة في لقاح موديرنا، أما المتبقية فتتمثل في التعب، ألم الرأس والعضلات والمفاصل، وقشعريرة. معظمها تحدث ليوم واحد إلى اثنين كأقصى حد، وذلك بعد الجرعة الثانية مثلما أكدت “أف دي آي”.
* برزت مخاوف بشأن أعراض جانبية ظهرت على مرضى حساسية جُرب عليهم لقاح فايزر، مع تعرّض البعض لشلل نصفي بالوجه، ما مدى خطورة ذلك؟
صحيح، تبيّن أن الأشخاص الذين لديهم حساسية شديدة لبعض أنواع الأكل أو الدواء، يجب ألا يأخذوا لقاح فايزر، كما تعرّض 4 أشخاص لشلل الوجه النصفي بما يشبه تجمّد العضلات الجانبية للوجه، حيث قيل إنها ظهرت في التجارب السريرية التي أجريت على 42 ألف شخص، ويقال إن لا علاقة لها باللقاح، لكن تجري متابعة هذه الحالات.
عندما يدخل أي دواء السوق، يسمى ذلك بالمرحلة الرابعة، بعدما تكون المرحلة الثالثة للتجارب السريرية قد انتهت وشملت آلاف الأشخاص، حيث تستمر متابعة أي أعراض جديدة لأن المنتج سيُعطى لملايين الأشخاص. من الممكن نشر بعض التحذيرات للأشخاص الذين لديهم حساسية أو أمراض أخرى. لا أعتقد أن لقاح فايزر سيصل الجزائر، حيث ستتزود على الأرجح بلقاح تقليدي، لذلك سيكون ملايين الأشخاص قد جربوه قبل أن يصل إلينا.
* برأيك، ما هو اللقاح الأقرب إلى الاعتماد بالجزائر؟
بالنسبة للجزائر، موديرنا هو الأنسب، لكن للأسف الأولوية في تسويقه ستكون لأمريكا وبريطانيا و دول أوروبية. هناك بلدان بدأت منذ مدة مفاوضات الشراء.
لكن وزير الصحة أكد أن الجزائر تضمن حصتها كونها مساهمة في مبادرة كوفاسك التي أطلقتها منظمة الصحة العالمية
هذه مبادرة جيدة، لكنها تضم أكثر من 50 دولة لم تفاوض مع فايزر و لم تطلب حصتها، في حين أن أمريكا ودولا غربية وضعت مسبقا ملايير الدولارات لاقتناء لقاحات كورونا.
* تتزايد المخاوف من عدم ضمان العدالة في توفير لقاحات كوفيد 19 بالعالم، ويبرز أكثـر البعد التجاري هنا، ما الدور الذي يمكن أن تلعبه منظمة الصحة العالمية؟
للأسف، الدول القوية لا تتّبع منظمة الصحة العالمية. عندما بدأت أزمة كورونا، جمع جزائريون أموالا واشتروا كواشف لكوفيد 19، لكنها لم تدخل البلاد إلا بعد شهر، لأن الأولوية تُعطى للدول المصنعة لها. يجب أن نكون أقوى ونتحكم في التكنولوجيا لكي نتمتع باستقلالية ذاتية. بالطبع هذا أمر صعب ولن يحدث في شهر أو سنة، لكن الوضع الذي عشناه يجعلنا نراجع مسألة الاعتماد على الخارج خاصة عندما يتعلق الأمر بالغذاء والدواء.
* كم من الوقت سوف يستغرقه وصول لقاح كورونا لـ 6 ملايير نسمة؟
ربما سيبدأ اللقاح في الوصول بعد جوان من سنة 2021، لأن أكثر ما يُنتج في الأشهر الأولى، سوف يُوجه للدول المتقدمة. أعتقد أن تطعيم كورونا سيغطي كامل دول العالم الثالث سنة 2022 حسب قدرات الإنتاج، والأمر يتوقف أيضا على كل دولة ومدى اجتهادها في دخول مفاوضات الشراء مبكرا.
لقد أعلنت شركة “فايزر” عن مشكلة في الانتاج جعلتها تنتج 20 مليون جرعة عوض 50 مليونا، أما الهند فقد اتفقت مع شركة “نوفافاكس” الأمريكية لصناعة مليار جرعة تقريبا، لديها، وهي حاليا في المرحلة الثانية من التجارب، لكن هذا اللقاح سيسوق في الهند. توجد حوالي 13 لقاحا في المرحلة الثالثة من التجارب، وقد تتم المصادقة عليها خلال الأشهر الثلاثة القادمة.
* هل ستغيّر الجائحة، من طرق تطوير اللقاحات مستقبلا؟
طبعا، سابقا كان تطوير لقاح جديد أمرا يتطلب سنوات، لكن الوضع تغير الآن وتم ابتكار أساليب أخرى في مراحل أولية بهدف تحسين فعالية اللقاحات والمساعدة على مضاعفة الكمية المنتَجة بـ 5 مرات مع خفض الأسعار.
* تُجري حاليا أبحاثا متعلقة بكورونا، حدثنا عن تفاصيلها
أشتغل ضمن فرق مع شركات تطور لقاحات ضد كورونا، حيث نجري لفائدتها التحاليل و نتأكد إن كان الجسم سيستجيب جيدا، وهل شكّل مضادات حيوية.
* ما هي النتائج التي توصلتم إليها؟
توصلنا إلى أن نسبة عالية من الأشخاص الذين جُرب عليهم اللقاح، بأكثر من 90 بالمئة، تكون لهم ردة فعل تتشكل لديهم أجسام مضادة تسمح بالدفاع مستقبلا ضد الفيروس.
لهذا السبب يتطلب لقاح فايزر 70 درجة تحت الصفر
* هلا أطلعتنا على أسماء هذه الشركات؟
لا يمكنني ذكر أسمائها، لكن ما يمكنني قوله هو إن الشركة التي أعمل بها ضخمة وتضم آلاف العمال بكل أنحاء أمريكا. لقد أجرينا أكثر من 22 مليون اختبار كورونا و درسناها، كما نقوم بتطوير اختبارات جديدة، و نشتغل مع الشركات الأخرى التي تطور اللقاحات ونساعدها في الاختبارات والمتابعة قبل خروج الدواء إلى السوق.
* هل تتوقع انفراجا وشيكا للأزمة الوبائية؟
سيستغرق ذلك وقتا، خاصة بالدول النامية. اللقاح لن يكون عندها حتى الربيع والصيف. علينا الآن أخذ الاحتياطات من خلال النظافة و الكمامة، والتباعد وتجنب المناسبات والأعراس.
ي.ب