إنجاح التعليم عن بعد يتطلب التكوين في التكنولوجيات الحديثة
يرى الأستاذ الباحث عبد الرحمان بوثلجة، أن إنجاح التعليم عن بعد و تعميم الرقمنة في الجامعات و تطوير الاقتصاد الرقمي بصفة عامة، يحتاج إلى تكوين متطوّر في تكنولوجيا الإعلام والاتصال الحديثة، يساير التطوّر السريع الذي تعرفه التكنولوجيا.
* حاوره: نورالدين عراب
النصر: كيف تقيّم عملية التكوين عن بعد التي اعتمدتها الجامعات مع انتشار وباء كورونا منذ مارس الماضي؟
عبد الرحمان بوثلجة: ما لاحظناه حول هذه العملية، أنها تعرضت لانتقادات و شكاوى في الفترة الأخيرة من طرف بعض الطلبة، بعد قرار الاعتماد على التعليم عن بعد في الجامعات الجزائرية، لتعويض التعليم الحضوري الذي توقف بسبب جائحة كوفيد 19، ورغم كل الجهود التي قامت بها وزارة التعليم العالي من دفع الأساتذة في الجامعات إلى وضع الدروس عبر المنصات الرقمية المخصصة لذلك، لكن تبين من خلال هذه التجربة، عدم قدرتنا على تعويض التعليم الحضوري بالتعليم عن بعد، و اضطرت المؤسسات الجامعية إلى برمجة دروس حضورية للطلبة، لمراجعة ما تم وضعه من دروس في المنصات، سواء كانت على شكل نسخة رقمية أو على شكل نسخة سمعية أو بصرية.
في اعتقادك ما هي أسباب عدم نجاح هذه التجربة؟
ـ السبب الرئيسي يعود أساسا إلى غياب عامل مهم متوفر في الدروس الحضورية ومفقود في التعليم عن بعد، وهو التفاعل بين الأستاذ والطالب الذي غيب في التعليم عن بعد، إلى جانب عدم مسايرة تكنولوجيا المعلومات و الاتصال، التي تعرف تطورا متسارعا بشكل رهيب.
مشكل عدم التحكم في تكنولوجيا الإعلام والاتصال، لا يطرح في الجامعات فقط، لكن في كل القطاعات التي تعمل على تعميم الرقمنة في تسيير شؤونها، والدليل عزوف الكثير من المواطنين مثلا، عن عمليات البيع والشراء عن بعد، باستعمال البطاقات البنكية أو البريدية الائتمانية المخصصة لذلك، رغم ما توفره هذه الخدمة من جهد و وقت وسهولة في التنفيذ، رغم حاجتنا لها في هذا الوقت بالذات، لتحقيق التباعد الاجتماعي ومجابهة وباء كورونا.
إلى أي مدى انعكس مستوى الرقمنة المتدني، سواء في الجامعات أو في المؤسسات المختلفة على التنمية الاقتصادية و الاجتماعية؟
ـ إذا أردنا أن نتكلم عن التنمية الاقتصادية والاجتماعية في بلادنا، يجب وضع تطوير الاقتصاد الرقمي ضمن الأولويات، ولا يتحقق ذلك إلا بتكوين واسع في كل القطاعات بسرعة، و بصفة دائمة في تكنولوجيا الإعلام والاتصال. و عندما نتكلم عن التكوين، لا نقصد محو الأمية في ميدان تكنولوجيا الإعلام و الاتصال، و نحن في عصر شبكة الجيل الخامس، بقدر ما نتكلم عن التكوين في تكنولوجيا الإعلام و الاتصال الحديثة ( NTIC)، وفق إستراتيجية متكاملة و بصفة مستمرة لمسايرة التطور السريع في هذا المجال، و يجب أن يكون هذا التكوين معتمدا بطريقة رسمية من المؤسسات، بالتعاون مع الشركات الرائدة في مجال تكنولوجيا الإعلام والاتصال الحديثة و المتخصصة في توفير البنية التحتية لها.
لتحقيق هذا المسعى أيضا، يجب أن يكون التكوين كشرط لممارسة الوظيفة أو التثبيت فيها، كما هو معمول به في الجامعات، من خلال تكوين الأساتذة الجامعيين الجدد على منصة «مودل « أو بإبرام اتفاقيات شراكة مع مؤسسات كبرى في هذا المجال، مثلما قامت به جامعة هواري بومدين للعلوم والتكنولوجيا، لإنجاح التعليم عن بعد، أو من خلال التحفيز و المنافسة، مثلما قام به العملاق العالمي شركة «هواوي» من خلال فرعها بالجزائر، على غرار ما تقوم به دول إفريقية أخرى مثل كينيا و إثيوبيا وجنوب إفريقيا وغيرها، من استحداث برامج للتدريب والتكوين للطلبة وحتى الأطفال في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، و آخرها المسابقة التي شاركت فيها 10فرق من مختلف مؤسسات التعليم العالي، منها جامعة هواري بومدين للعلوم والتكنولوجيا بالجزائر العاصمة و جامعة سعيدة، واحتل الفريقان الجزائريان مراتب مشرفة في المسابقة العالمية التي أجريت مؤخرا عبر تقنية التواصل عن بعد، ومثل هذه المسابقات تبعث روح المنافسة بين الطلبة على المستوى الوطني والعالمي.
المؤكد أيضا أن التكوين في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات لا يقتصر فقط على إنجاح التعليم عن بعد، من خلال التمكن من الاستعمال الأمثل للأجهزة الذكية و تقنيات الاتصال والتواصل بها، ولكن أيضا بعث الابتكار والإبداع و تطوير قطاع المؤسسات الناشئة التي تعطي الدولة الأولوية لها، في ما يخص الاستثمار في تعميم الرقمنة والبنية التحتية اللازمة لها، مثل إنشاء شبكة معلومات خاصة بالمؤسسات و حمايتها، وكيفية توصيل المعلومات بين موظفيها، ومستخدميها و زبائنها، ولا شك أن عقد شراكة و تعاون مع شركات كبرى في هذا المجال، ستستفيد منه بلادنا في نقل التكنولوجيا التي تتطور بطريقة جد سريعة.
ن ع