يؤكد البروفيسور علاوة العايب، أستاذ القانون الدولي بكلية الحقوق بجامعة الجزائر 3 أن قانون موران الفرنسي الخاص بتعويض ضحايا التجارب النووية الفرنسية خارج الأراضي الفرنسية لم يعد كافيا وهو يتضمن شروطا قاسية، وبالتالي يتعيّن سن قانون جديد لتعويض ضحايا التجارب النووية الفرنسية في بلادنا وذوي الحقوق، وينصح بتكوين لجنة مختلطة بين البلدين خاصة بمسألة التعويضات لأن الجرائم التي ارتكبتها فرنسا لا تسقط بالتقادم حسب القانون الدولي، و مهما طال الزمن سيأتي جيل من الجزائريين يجبر فرنسا على الاعتذار والتعويض.
النصر: دعا مسؤولون جزائريون في المدة الأخيرة فرنسا إلى ضرورة التعامل بجدية مع موضوع التعويضات المترتبة عن التجارب النووية التي أجرتها في الجزائر، من الناحية القانونية كيف يمكن للجزائر الحصول على هذه التعويضات؟
البروفيسور علاوة العايب: أولا المنطلق هو أن كل شخص سواء أكان طبيعيا أو معنويا أحدث ضررا للغير عليه جبر هذا الضرر، وجبره يكون من الناحية المادية أو المعنوية والتعويضات تدخل في هذا الإطار.
و إذا رجعنا للاستعمار نفسه فهو ظاهرة غير قانونية، وكل ما يترتب عليه يعتبر باطلا، واحتلال فرنسا للجزائر سنة 1830 يعتبر عدوانا حسب قواعد القانون الدولي العرفي و الاتفاقي، و قد ارتكبت فرنسا جرائم كبيرة وعديدة في الجزائر، بدءا بجرائم الإبادة ضد قبيلة العوفية في الجزائر العاصمة، وفي الظهرة و الأغواط وغيرها، وجرائم أخرى للرد على الثورات الشعبية، وفي 8 ماي 1945 ارتكبت جرائم ضد الإنسانية، و اقترفت جرائم حرب خلال الثورة المجيدة من 1954 إلى 1962.
وعليه وانطلاقا من المقدمة التي سقتها في البداية فإنه على فرنسا الاعتذار على العدوان ضد الجزائر سنة 1830، وعليها ثانيا أن تعترف بالجرائم التي ارتكبتها في الجزائر، وأن تعتذر لحوالي 10 ملايين شهيد منذ 1830 إلى 1962، وفي النهاية عليها أن تعوض لأن ذلك حق الجزائر.
هل لكم أن تعطونا نماذج عالمية قامت فيها دول معينة بالتعويض لدول أخرى نتيجة حروب أو احتلال؟
نعم هناك العديد من النماذج، وقد لا يعلم البعض أن الدولة الصهيونية مازالت تتقاضى تعويضات من ألمانيا وفرنسا ودول أخرى و من شركة «مرسيدس» و من البنوك السويسرية نتيجة ما حصل في الحرب العالمية الثانية، واليهود يفكرون في طلب تعويضات من اسبانيا نظير طرد اليهود بعد سقوط غرناطة سنة 1492.
فرنسا نفسها طلبت الاعتذار من ألمانيا نظير احتلالها سنة 1940 وقد اعتذرت لها ألمانيا عن ذلك، الهند أيضا طلبت الاعتذار من بريطانيا، ومنه فإنه من حقنا كجزائريين على فرنسا الاعتراف والاعتذار والتعويض عن جرائم ارتكبتها ضد الإنسان وقد عددتها في بداية حديثي، وعن جرائم ضد الطبيعية مثل تحويل اختصاص الأراضي الزراعية الجزائرية عن طبيعتها التي كانت عليها قبل الاحتلال حيث كانت مخصصة لزراعة القح والشعير وجعلها لزراعة الحمضيات والكروم.
وبالنسبة للتجارب النووية فقد ارتكبت فرنسا جرائم مازالت قائمة إلى اليوم وهي التي نطلق عليها في القانون الدولي « الجرائم المستمرة» والتي تستمر آثارها لأربعة ملايين سنة، منها 13 تجربة نووية في الصحراء الجزائرية.
وهذه التجارب في الحقيقة عبارة عن تفجيرات نووية وقعت خلالها أخطاء ما أدى إلى وصول الإشعاعات المنبعثة منها إلى اسبانيا والسنيغال وغيرها، ولم تكلف فرنسا نفسها حتى القيام بتنقية وتطهير المناطق التي أجريت عليها، وبالتالي فهي تتحمل كامل المسؤولية في تعويض الضحايا الذين أصيبوا جراء ذلك.
والأخطر من تلك التجارب النووية ما قامت به فرنسا من تجارب بيولوجية وجرثومية في بشار ووادي الناموس، وبالتالي فإنه على فرنسا تحمل مسؤوليتها لأن هذه الجرائم لا تسقط بالتقادم.
لكن لماذا لم يشمل قانون موران ضحايا التجارب النووية في الصحراء الجزائرية؟
هو يشمل هؤلاء الضحايا، لكن فرنسا تجنبت فقط ذكر الصحراء الجزائرية وتحدثت في القانون عن ضحايا التجارب في الصحراء الإفريقية وبولينيزيا، والصحراء الجزائرية جزء من ذلك، وقد تم تعويض ضحايا التجارب في بولينيزيا.
لكن الشروط التي وضعها القانون لتعويض المتضررين قاسية جدا لأن الملفات الطبية والعسكرية ما تزال عند فرنسا، وأغلب ضحايا هذه التجارب توفوا، لذلك هناك صعوبة كبيرة في قبول طلبات التعويض، وعليه فإن قانون موران لم يعد كافيا وبالتالي ينبغي سن قانون جديد لتعويض ذوي الحقوق وهذا الموضوع ما يزال مفتوحا.
وأنا شخصيا أنصح الدولة الجزائرية والدولة الفرنسية بتكوين لجنة لبحث التعويضات الخاصة بضحايا التجارب النووية و كل التعويضات الأخرى مثل سرقة خزانة الجزائر سنة 1830.
قبل أيام طالب رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي من رئيس أركان الجيوش الفرنسية خلال زيارته إلى بلادنا تسليم الخرائط الطبوغرافية الخاصة بالتجارب النووية، قانونا هل من حق الجزائر الحصول عليها؟
بطبيعة الحال من حقها، لأن كل ما تعلق بالجزائر من ثرات مادي وغير مادي من حقها الحصول عليه واستعادته، لقد قامت فرنسا بزرع 12 مليون لغم ورحلت ولم تسلم الخرائط الخاصة بها إلا في وقت متأخر، وهو ما تسبب في هلاك الكثير من الجزائريين و هلاك الحيوان، وحرم الناس من خدمة أراضيهم التي زرعت فوقها هذه الألغام.
وإذا كان الجيل الحالي لم يتوصل بعد لإجبار فرنسا على التعويض فإن الأجيال القادمة ستجبر فرنسا على الاعتذار والتعويض.
حاوره : إلياس -ب