الفشل السياسي و الاجتماعي العربي خلّف أزمة هوية و إبداع لدى الشباب
أكد الأمين العام للجمعية العلمية لمعاهد و كليات الموسيقى في اتحاد الجامعات العربية، الدكتور يوسف طنوس، بأن الشباب العربي يعيش حالة اغتراب عن تراثه و ثقافته الموسيقية، جعلته يجنح إلى اعتناق موسيقى يستوردها ككل شيء آخر من الغرب، و يتقمص تعابيرها و لغتها و ايحائاتها بصورة مطلقة رغم اختلاف العادات و المفاهيم و القيم، لأنه يرى فيها نموذجا ناجحا أنتجته مجتمعات متقدمة هي مثال للكمال، عكس مجتمعاتنا العربية التي انعكس فشلها الاجتماعي و السياسي على واقع علاقة الشباب العربي بمختلف مقومات هويته، بما في ذلك تراثه الموسيقى، الذي يعد التمسك به في نظره عودة إلى الوراء لأنه نموذج عن التخلف.
الدكتور اللبناني يوسف طنوس، أوضح للنصر على هامش مشاركته في فعاليات المؤتمر الثالث و العشرين للمجمع العربي للموسيقى، الذي احتضنته قسنطينة عاصمة الثقافة العربية مؤخرا، بأن واقع الموسيقى الشبابية في البلدان العربية، يعكس أزمة هوية حقيقة، ناجمة عن تأثر الشباب خصوصا المراهقين بالموسيقى الغربية، أضعفت قدرتهم على الإبداع و التجديد في الموسيقى التراثية المحلية، التي فقدت كل معالمها في ظل غياب تربية موسيقية حقيقة تهذب ذوق الشباب.
أمين عام الجمعية العلمية للكليات والمعاهد العليا للموسيقى في اتحاد الجامعات العربية الدكتور يوسف طنوس، أشار إلى أن التربية الموسيقية باتت جزءا أساسيا من كل المخططات التربوية في البلدان المتحضرة نظرا لدورها في تنمية شخصية الطلبة واكتشاف مواهبهم وتوجيهها، عكس ما هو حاصل على المستوى العربي، وهو ما أثر سلبا على علاقة الشباب بتراثه الموسيقي، حيث اعتبر بأن تحديات التعليم الموسيقي المدرسي في العالم العربي تنطلق ابتداء من تجديد المناهج، على المستوى الأساسي قبل الانتقال إلى مرحلة الجامعات و المعاهد، و ذلك من خلال تأمين الأساتذة الأكفاء وتأهيلهم، والإقناع بأهمية التعليم الموسيقي كعامل مهم في عملية التربية، وإقناع الأهل بأن الموسيقى فن راق لا يتعارض مع الدين والأخلاق.
أما بخصوص واقع الفن العربي الحالي، و التطورات التي تعرفها الموسيقى الشبابية بمختلف جوانبها سواء الحالمة أو الثائرة، فقد وصف الدكتور طنوس الوضع على أنه أشبه بانقلاب في عالمنا الغنائي والموسيقي، يتمثل في الخروج من نطاق التقاليد القومية، إلى محيط الأغنية الغربية، ما يقود حسبه، إلى تغيير خطر في حياة الشباب المراهق، وهو تغيير ظهرت بوادره في أغاني الاستعراض الموسيقي الراقص «الفيديو كليب»، التي توظف العامل البشري و الإيحاء الجنسي بشكل كبير، ما يعبر ضمنيا عن تغير نظرت الشباب للحياة بعقائدها وقيمها.
و يرى الباحث بأن هذه المرحلة الغنائية الجديدة، تأتي بعد الأغاني القديمة، التي تمثلت في الغناء العربي والأصيل، لذلك فليس من الغريب أن يتفاعل أبناء الجيل الحالي، مع الغناء الجديد، بإيقاعاته الموسيقية الصاخبة السريعة، بعد أن تخلصوا من قيود «الأغاني الموجهة» كما عبر، خصوصا وأنها أغني كانت تقيدها تقاليد و عادات اجتماعية تفرض ضوابط حتى على الفن، كما عبر.
أما في الأغاني الحديثة ، فيخلوا معظمها من أي مسحة فنية أصيلة، ويركز بشكل أكبر على الاستعراض،الذي يلبي حاجة المراهق العربي للاندفاع، و التعبير عن إحباطه النجم عن الفشل الاجتماعي و السياسي العربي، الذي ينعكس بشكل مباشر على حياته، وهو بالمناسبة الوتر الحساس الذي يعزف عليه الإعلام التجاري، صاحب الفضل الأول في رواج هذا النوع من الموسيقى و تشويه الذوق الشبابي.
الدكتور طنوس، قال بأن الوضع قابل للمعالجة، و أن الشباب العربي يملك قابلية للعودة إلى جذوره، لكن الأمر يتطلب، كما سلف الذكر اهتماما أكاديميا جادا، فضلا عن استيعاب إبداعات الشباب و ميله إلى التجديد بشكل أفضل، فموسيقى «الراي» الجزائرية، مثلا تعد حسبه، خير مثال على التجديد الذي لم يتكون في الفراغ بل جاء من وحي التراث الموسيقى الجزائري، وهو ما ساهم في رواجها، لأنها تعبر عن خصوصية ثقافة ومجتمع معين، وهو ما حول فن « الراي» الآن لأحد أهم روافد الفن في العالم ككل، استطاع أن يلمع صورة الموسيقى العربية و يقدمها بشكل أفضل للآخر، و يدفعه لإبداء رد فعل معاكس يبرز من خلال تأثر فناني و شباب الغرب بهذه الموسيقى التي أصبحت عاليمة.
نور الهدى طابي