بعض الإيديولـوجيـات في فرنسـا ترفض إدراج أفلام الذاكرة في المهرجانـات السينمـائية
قال المخرج الجزائري محمد زاوي، صاحب الفيلمين الوثائقيين “العودة إلى مونلوك “و “آخر كلام”، حول قصة حياة الطاهر وطار، بأن أفلام و وثائقيات الذاكرة ذات المضامين المتعلقة بفضائح الاستعمار الفرنسي في الجزائر، تواجه نوعا من الإقصاء في المناسبات و المهرجانات السينمائية في فرنسا، بسبب بعض الإيديولوجيات التي لا تزال ترفض القراءة في صفحة الماضي الاستعماري، و تفضل تجاوز تلك المرحلة من التاريخ، كما تحدث في حوار خص به النصر، عن مشاريعه، و ذلك على هامش عرضه لفيلمه «العودة إلى مونلوك» الذي يروي تفاصل عودة الثوري مصطفى بودينة إلى زنزانته بسجن في فرنسا، خلال فعاليات الأيام السينمائية الثورية التي نظمتها مؤخرا بقسنطينة الجمعية الثقافية «نوميديا».
حاورته: نور الهدى طابي
ـ النصر : « العودة إلى مونلوك»، قصة شخصية بعيدة عن النمط الوثائقي الثوري المعتاد، لماذا اخترت هذا الجانب من التاريخ دون غيره؟
ـ محمد زاوي: بداية أود توضيح بعض النقاط، أنا صحفي بالدرجة الأولى، أما الإخراج فقد احترفته مؤخرا، عن طريق الصدفة، فالعمل الذي أخرجته سنة 2012، لم يكن وليد تجربة طويلة، بل وليد صدفة . كنت في فرنسا عندما علمت بأن مصطفى بودينة ينوي زيارة الزنزانة رقم 14 في سجن مونلوك بمدينة ليون، أين قضى فترة من حياته و قد حكم عليه بالإعدام. القصة أثارتني فقد وجدت بأنها تستحق حقا أن تحول إلى فيلم وثائقي، و بالفعل استعنت بإمكانياتي الخاصة، دون فريق عمل و انطلقت في التصوير دون الحصول على إذن. دخلت السجن رافقت بودينة إلى السجن و نقلت شهادات محاميي جبهة التحرير الوطني الذين اضطلعوا على القضية، بالإضافة إلى مداخلات مؤرخين و باحثين، و قد تطلب مني إنهاء هذا العمل أربع سنوات من الجهد و البحث.
الهدف من الفيلم كان تسليط الضوء على معاناة 11 رجلا حكم عليهم بالإعدام بالمقصلة، في سجن في فرنسا بسبب تهم غير واضحة ، و تعرضوا لأسوأ أنواع التعذيب النفسي، هو محاولة لتسليط الضوء على نضال جزائريين حاربوا و استشهدوا على الأراضي الفرنسية لتستقل الجزائر.
أما العمل في حد ذاته ،فهو عبارة عن توثيق لذاكرتين الذاكرة الجزائرية و الفرنسية، كون السجن يعد محطة هامة في الحرب العالمية ضد النازيين.
خلاصة القول أن إنتاجي كان موجها بصفة مباشرة للفرنسيين، لأنني أردت تعريف الرأي العام الفرنسي بفظاعة الجرائم التي مورست في حق الجزائريين، أردت إظهار الحقيقة مستغلا مكانة السجن كجزء من التراث القومي للفرنسيين، لنتمكن من التصالح مع التاريخ و المضي قدما، لكن للأسف الفيلم لم يحظ بفرصة كبيرة في مهرجانات السينما في فرنسا رغم النجاح الذي حققه في مهرجانات أخرى بكندا و الإسكندرية و عمان ،أين افتك جائزة الخنجر الذهبي بعد ترجمته إلى العربية و الانجليزية و الاسبانية.
ـ عملية جمع الشهادات الحية حول ثورة التحرير من الفرنسيين، هل كانت صعبة، وهل فعلا هناك انفتاح من قبلهم للحديث عن تلك المرحلة؟
ـ العمل تطلب وقتا، لأنني لم أعتمد فقط على تفاصيل زيارة بودينة لزنزانته السابقة، بل أردت التوغل في القضية إلى أبعد حد، و إعطاء بعد تاريخي و إنساني للعمل، فاستعنت بممثل شاب هو إلياس كاوة، لأداء دور بودينة داخل الزنزانة، كما أدرجت لقطات لفنان تشكيلي حاول التعبير عن معاناة الضحايا من خلال لوحات خاصة، و سعيت لجمع أكبر قدر ممكن من الشهادات الحية لمن عايشوا تلك المرحلة و كانت لهم علاقة بالقضية، بحثت عن محامي بودينة فاكتشفت بأنه توفي لذلك استعنت بمحامين فرنسيين و جزائريين، سبق لهم العمل لصالح جبهة التحرير الوطني.
العمل معهم تطلب وقتا ، لكنه لم يكن صعبا لأنهم مقتنعون بقضية العدالة، في الحقيقة ما قدموه من شهادات ساهم في إبراز وجه تلك المرحلة و إعطاء صورة عن موقف الفرنسيين من الثورة ككل، ربما ليس الجميع في فرنسا مستعد للحديث عن حرب الجزائر، لكن الكثير من الباحثين و المؤرخين و المحامين، حياديين و أوفياء للتاريخ.
. ذكرت بأن الفيلم أقصي من المشاركة في العديد من المهرجانات بفرنسا،و لم يحظ بفرصة في المغرب لماذا في رأيك؟
ـ هو ليس إقصاء بالمعنى الدقيق للكلمة، أنا اقترحت العمل في عدة مهرجانات هامة بفرنسا، كما قدمته للمشاركة في مناسبات سينمائية في المغرب و لم أتلق أيضا ردودا، أعتقد بأن السبب هو قضية الذاكرة و الاعتراف. الكثير من الفرنسيين لا زالوا يفضلون تجاوز الحديث عن هذه المرحلة من تاريخ بلدهم، أظن بأن ذلك هو السبب وراء رفض إدراج أفلام الذاكرة في مهرجاناتهم، لأنها في النهاية مناسبات غير مستقلة عن الإيدولوجيات، وغالبيتها ممولة من طرف الدولة، هم بالمقابل يفضلون الأفلام التي تتحدث عن مرحلة الإرهاب و ختان الأطفال.
. فيلم «آخر كلام»، أيضا قصة شخصية تتحدث عن حياة الطاهر وطار، لماذا وقع اختيارك عليه، ولما هذا النوع من التوثيق دون غيره؟
ـ ربما لأنني أميل إلى تصوير القصص الإنسانية و إبراز الأشخاص الحساسين ، أما الطاهر وطار فهو صديق و شخصية جدلية، أحبه كإنسان و كمبدع، التقيته في فرنسا أثناء فترة علاجه و قد بقي في منزلي حوالي شهرين، لذلك اغتنمت الفرصة لتوثيق مرحلة معينة من مراحل حياة هذا العملاق.
. لماذا لا تخرج الأفلام الوثائقية الجزائرية من القالب الثوري و تتناول مواضيع أخرى؟
ـ حسنا ،لأن غالبية الأعمال هي نتاج مواضيع تقترحها وزارة الثقافة في المناسبات الوطنية و غير ذلك، و المخرجون يتبنونها لأنهم بحاجة إلى العمل، الجميع يفضل العمل و العطاء على البقاء دون إنتاج.
. قلت بأنك اعتمدت على إمكانياتك الخاصة لتمويل مشاريعك، هل أقصيت من دعم وزارة الثقافة؟
ـ لا لم يتم إقصائي، بالعكس أنوي التعامل مع الوزارة مستقبلا، فقد حظيت باهتمام و تقدير كبير من قبل القائمين على القطاع بعد نجاح أعمالي، المشكل يكمن في كون أفلامي وليدة اللحظة، تأتيني الفكرة فأحمل الكاميرا و انطلق في تصويرها، أنا لا أملك وكالة اتصال و إنتاج سمعي بصري، ما يجعل تواصلي مع الجهات الرسمية صعبا ، و أرفض من ناحية أخرى، أن أستغل من قبل هذا النوع من الوكالات، إضافة إلى ذلك فإن إقامتي في فرنسا تجعل من مثل هذه الإجراءات مهمة صعبة.
. هل من مشاريع جديدة؟
ـ بالفعل أستعد لتصوير فيلم جديد حول قصة حياة و تفاصيل وفاة الفنان عثمان بالي، أملك قاعدة معطيات جيدة ،و أستعد للانطلاق في العمل قريبا،كما أفكر في انجاز عمل عن الجانب الإنساني و المنفعة الاجتماعية لوظيفة الإمام في فرنسا، فضلا عن مشروع فيلم آخر عن قصة حياة المجاهدة إيفلين سفير لافاليت، التي سبق لي و أن التقيت بها ،و تسجيل مقطع مطول معها.