الهويـــة ليست عائقـــا أمـــام نجـــاح الفرد العربي في أمريكـــا
يؤكد مراسل قناة الحرة الأمريكية بالعاصمة واشنطن حاليا و ابن جريدة النصر سابقا رابح فيلالي، بأن الصحفي الجزائري يملك مقومات النجاح في الخارج لأنه مكافح بالفطرة، خصوصا وأن هويته لا تشكل عائقا في المجتمعات التي لا تعترف سوى بالكفاءة مشيرا في هذا الحوار إلى أن الانجليزية تعدت كونها مجرد لغة و أصبحت ضرورة خصوصا في ظل هيمنة وسائط الاتصال الحديثة ما يضع الإعلام الجزائري أمام تحدي التكيف من أجل الاستمرار.
حاورته : نور الهدى طابي
النصر: من الجزائر إلى واشنطن كيف بدأت رحلة الإعلامي رابح فيلالي؟
ـ رابح فيلالي: البداية كانت مع صحيفة المساء بعنابة و التي تعاملت معها لفترة كمراسل ثم حظيت بعقد عمل مع جريدة العناب و من ثم النهار التي تعد جزءا من النصر، وبعدها التحقت بالنصر أين عملت لمدة في القسم السياسي، ثم تركت النصر و انتقلت للتلفزيون الجزائري، تابعت الرحلة عبر محطات عربية اكتشفت خلالها بأن اللغة الانجليزية تعد حاجزا حقيقيا أمام التقدم، و بأن النجاح يتطلب إتقانها وهو ما صعب مشواري خصوصا وأنني كنت أعاني من ضعف رهيب فيها خلال تلك الفترة، لكنني تجاوزت المشكل بالمثابرة و واصلت السعي من أجل النجاح، إلى أن التحقت بقناة الحرة الأمريكية التي أعمل اليوم كمراسل لها من العاصمة واشنطن.
في الحقيقة الآن أوثق لمشواري الصحفي كما يلي مرحلة ما قبل واشنطن و مرحلة ما بعد واشنطن، فهذه المدينة قد سكنتني صقلت الجانب الإنساني في شخصيتي، وأضافت لي الكثير على الصعيد المهني.. فواشنطن هي أكبر عاصمة في العالم هي مركز القرار و الخبر العالمي و تغطيتها ليست بالأمر السهل لكنها كتجربة ممتعة.
القصة الإنسانية أصبحت أكثر طلبا من الخبر في الإعلام العالمي
ـ محطة بارزة تحتفظ بها ذاكرتك عن تجربتك مع النصر، وكيف كان الانتقال من الإعلام المكتوب إلى التلفزيون؟
ـ النصر بالنسبة لي محطة خاصة لها مكانة على الصعيد الشخصي و العاطفي و المهني، فقد كانت تجربة دفعت بي إلى حضن هذه المهنة بقوة، كما أن العمل فيها حدد جانبا من مستقبلي لأن فكرة مراسل حرب كانت قد ولدت بين صفحاتها، كان ذلك خلال أحداث «قمار» بواد سوف، كانت تلك الأحداث هي أول مواجهة حقيقية عسكرية بين الجماعات المسلحة و الجيش الجزائري، نهاية الثمانينات و بداية التسعينات، وقد انتقلت لتغطيتها لأيام معدودة كما كان مقررا لكن الأمر طال و مكثت هناك لمدة شهر كامل، وبعد عودتي مباشرة أظن أنني عدت و أنا أعي جيدا ما أريد أن أكونه أي مراسل حرب.
بعدها أصبح اهتمامي أكبر بالجانب الاجتماعي و الإنساني للقضايا، و قد تعمقت في العمل في هذا المجال من خلال تغطيتي لمناطق النزاع بعد انتقالي إلى مؤسسات إعلامية أخرى، و اليوم وبحكم تجربتي يمكنني القول بأن التركيز أصبح منصبا أكثر على القصة الإنسانية من الخبر، القصة هي التي تصنع الصدمة و تتصدر العناوين الأولى.
أما عن الانتقال من الصحافة إلى الإعلام السمعي البصري أو التلفزيون فيمكن القول بأن الأمر يتعلق بانتقالي إلى الخارج بداية في القنوات العربية و من ثم العالمية، وهو نجاح ما كان ليتحقق لولا تكويني في مدرسة الصحافة المكتوبة، لأن المجال السمعي البصري لا يكون هو فقط من يفجر الطاقات و يساعد على على بروزها، أما بوادر التميز و النجاح فتصنعها الكتابة.
مت في أفغانستان و عدت إلى الحياة في واشنطن
ـ كمراسل حرب هل سبق لك و أن خضت مواجهة مباشرة مع الموت؟
ـ مرارا ..كانت مواجهة دائمة و مفتوحة في خمسة حروب في السودان و الشيشان و الصومال و أفغانستان و العراق، و بالفعل حدث سنة 2006 في أفغانستان، أن أصبت إصابة مميتة و نجوت بأعجوبة فمكثت سنة كاملة بالمستشفى من بينها 6أشهر في العناية المركزة، كانت تجربة جد صعبة من الناحية الجسدية و النفسية و المالية فلولا عقد التأمين على الحياة الذي وقعته في إطار عملي بالحرة كمراسل حرب لما استطعت تغطية كافة تكاليف العلاج.
بعد خروجي من المشفى احتجت لقرابة السنة من أجل استرجاع نشاطي كان الأمر صعبا لكنه وضعني في موقف إنساني لا ينسى فقد تبرع زملائي في القناة جميعهم بإجازاتهم السنوية لصالحي مؤكدين استعدادهم لتغطية غيابي إلى غاية التعافي، كان موقفا لا ينسى ساعدني على المضي قدما، وعلى العودة للحياة، اليوم ينبض قلبي بكل تلك الذكريات و التجارب وأنا أتأمل الحياة في واشنطن بإنسانية سكانها و تحضرهم و فهمهم الصحيح للحقوق و الواجبات.
ـ لماذا يتألق الصحفي الجزائري في الخارج عكس الداخل هل هي صدفة أم للأمر علاقة بالمدرسة الإعلامية؟
ـ سؤال أسمعه دائما، و الجواب بسيط الجزائري بطبعه إنسان مكافح و مثابر بطبعه يميل إلى تقديم أقصى ما لديه و لا يقبل بغير التميز و البروز، الصحفيون الجزائريون الذين عملوا بساحة الشهداء خلال وجودهم في الجزائر هم نفسهم الذين برزوا في الإعلام العربي، ما اختلف هو جزئية بسيطة تتمثل في الظروف، هناك إعلاميون وجدوا ظروفا اجتماعية و اقتصادية مناسبة في الخارج سمحت لهم بالعطاء أكثر وهذا كل ما في الأمر، أي أن الفضاء المهني أصبح أنقى و أكثر راحة.
وسائط التواصل الاجتماعي أنهت احتكار الدول للمعلومة
ـ بعد الانفتاح السمعي البصري الإعلام الجزائري مقارنة بالعربي و العالمي هل هو تنافسي أم أنه لم يبلغ درجة النضج بعد؟
ـ في الحقيقة لست متابعا جيدا للإعلام الجزائري و السبب هو انشغالي الدائم بالعمل، الحياة في الخارج سريعة و الوقت ضيق، مع ذلك يمكنني القول أن الإعلام الجزائري حاله كحال الإعلام العالمي يواجه تحديا حقيقيا من أجل البقاء في ظل الانتشار الواسع لوسائط التواصل الاجتماعي، العالم بعد خمسين سنة سيؤرخ له من خلال مرحلة ما قبل فيسبوك و ما بعده، اليوم هذه الوسائط أصبحت تتحكم في الحياة وحتى في الممارسة السياسية فقد قلبت المفاهيم، و كسرت تحكم سلطات الدول في المعلومة.
صحيح أن الحديث عن زوال الصحافة الورقية كان محورا للنقاش بعد اختراع الراديو و من ثم التلفزيون ومع ذلك استمرت إلى يومنا، لكن الوضع اختلف الآن فثورة الوسائط حاليا ليست سوى البداية و لا ندري كيف سيكون وجه العالم بعد سنوات قادمة.
تويتر أصبح مصدرا رئيسيا للخبر في العالم
تقصد أن الصحافة في العالم ككل تواجه خطر الزوال؟
ـ بالطبع الأنماط التقليدية تواجه اليوم تحدي الاستمرارية، وسائط التواصل الاجتماعي قلبت الموازيين و أصبح النقل المباشر متاحا للجميع و لا يتطلب تراخيص مسبقة حتى من بعض الدول في حالات الحروب و محطات أخرى، اليوم لم نعد بحاجة الى وكالات الأنباء من أجل تأكيد المعلومة لأننا نحصل عليها مباشرة من تويتر، وهذا الموقع بالمناسبة أصبح المصدر الأول للأخبار في العام لأنه ينشر التصريحات على لسان أصحابها مباشرة، وجرائد كبرى كالواشنطن بوست و نيويورك تايمز، بدأت فعليا في البحث عن سبل للتكييف لخوض معركة رابحة مع هذه الوسائط و استغلالها في العمل، لذلك فالكل اليوم مطالبون بالتكيف و التطور بما يتماشى مع معطيات الواقع لأن الصحافة مهنة متحركة شكلا و مضموننا.
أمريكا جميلة من الداخل
ـ كعربي في أمريكا هل شكّلت هويتك عائقا أمام التقدم؟
ـ أبدا ربما اللغة أعاقتني في بداياتي قبل أن أتقتها، فالانجليزية كلغة ليست كما نعتقدها أي إضافة نوعية لسيرنا الذاتية، الانجليزية اليوم ضرورة مطلقة.
كفرد عربي لم أواجه أي تمييز أو تصنيف، أمريكا بلد متحضر وهي نموذج عن المجتمع الغربي الذي يقبلك كما أنت يصنفك ككفاءة و ليس كعرق أو جنس أو غير ذلك، الحياة في هذه المجتمعات سريعة و متجددة على مدار الساعة و لا مكان لمثل هكذا تفاصيل، الكفاءة هي معيار الحكم الوحيد بدون تصنيفات جزئية، أمريكا بلد جميل من الداخل عكس ما نتصوره من الخارج أو كما يقدمه لنا الفكر النمطي و القوالب الجاهزة، هذا البلد مشبع بالقيم الإنسانية ، حسن الاستقبال و مساعدة الغريب، المنظومة الأخلاقية هناك قوية و تشكل نمط حياة بالكامل، على الصعيد الشخصي حياتي هناك أحيت بداخلي الطفل القروي البسيط الذي كنته سابقا « حتى أن والدتي البسيطة كانت تقول لي هذا البلد يا ابني كالآخرة لا أحد يظلم أحد و لا أحد يأخذ أكثر من حقه».
ـ هل التوثيق و الكتابة مسؤولية بالنسبة للمثقف أم هذه مبادرة شخصية ولماذا يطغى الأنا على نصوصك؟
ـ بالنسبة لي علاقتي مع الكتابة أو الرواية بدأت قبل أن أغادر الجزائر، هي ليست نتاج تجربتي الصحفية بل هي تجربة موازية، فالنسبة لي الرواية هي الفن الذي يشمل كل الفنون الأخرى، اليوم أكتب مجموعة من القصص التي أستعد لجمعها في كتاب ونشرها على موقع قناة الحرة، عنوانها « ما لم تقله الكاميرا»، وهي عبارة عن عصارة تجاربي في تغطية الحروب جوانب لم انقلها كمراسل لكنني احتفظت بها كإنسان، يدفعني التفكير فيه إلى الشعور بأنني محظوظ لأنني عشتها.
أما الكتابة كمسؤولية بالنسبة للمثقف فلا أظن ذلك، بل هي مبادرة شخصية يذهب إليها الفرد عندما يحس بنضج بعد التجربة، و التجربة الشخصية تحديدا هي ما تحرك الأنا في كتاباتي، وهو أمر تعلمته من الغرب فالإنسان الغربي يكرس الذات و يحترم تجربته يقدم نفسه للآخرين كمنجز بينما يقدم العربي كل شيء للآخرين إلا نفسه.