الذرة المشوية على الجمر..وجبة قاتلة يدمنها الجزائريون
تحجز مكانها على حواف الطرقات كل صيف، مستحدثة تجارة موسمية بامتياز يتآلف فيها دخان الجمر المتصاعد، مع سنفونية فرطقة حبات الذرة وهي تشوى على النار، لتنتج في النهاية أكثر وجبة خفيفة يدمنها الجزائريون، و بين متعة تذوقها و تحذيرات المختصين من خطر استهلاكها الذي قد يصل إلى حد الإصابة بالسرطان، تبقى تجارة الذرة بديل الكثير من الشباب عن البطالة، وتفصيلا صيفيا لا تغفله العائلات خصوصا خلال رحلاتها نحو الشواطئ .
البشنة، الماييس، المستورة أو الجبار، أسماء كثيرة لمنتج واحد، هو الذرة المشوية على الجمر، هذه الوجبة التي تشهد انتشارا ملفتا على حواف الطرقات في فصل الصيف، و يتسع نطاق نشاط من يتخذون منها مهنة كل سنة، خصوصا في المدن الساحلية، محاولين بذلك استغلال فصرة توافد المصطافين بكثرة، من أجل تحقيق الربح، كيف لا وهي التي تسيل لعاب المارة بفضل رائحتها الشهية و تدعوك للتوقف عندها دون تفكير.
باب رزق موسمي للبطالين والمراهقين
و تعرف مختلف المدن الساحلية دون استثناء حركية كبيرة، يصنعها تجار الفواكه و الخضر الموسمية كل عام، فبولاية بومرداس مثلا، و تحديدا على طول الطريق الرابط بين زموري و دلس، و وسط أولئك التجار الذين يعرضون منتوجاتهم الفلاحية، تزاحم حبات الذرة المشهد، فارضة نفسها في موسم يجعل الجزائريين لا يفوتون فرصة تناولها، أين تظهر طوابير الزبائن و المركبات معا إلى لدرجة كثيرا ما تتسبب في تعطيل حركة السير خاصة خلال الفترة المسائية.
اقتربنا من إحدى منصات بيع الذرة بمنطقة زموري زموري، أين كان هنالك شابان يتشاطران مهمة تحضيرها وبيعها، فالأول يصف حبات الذرة فوق الجمر الموضوع على برميل حديدي عملاق، و يعمل على رفع معدل لهيب النيران بقطعة كرتون يحركها يمينا و شمالا، بينما كان الثاني منشغلا بأخذ طلبات الزبائن الذين كانت أصواتهم تتعالى في كل مرة طلبا لعدد جديد وكأننا في مزاد علني، فيخيل إليك و أنت تنظر إليهم بأنك في سوق كبير، وأن ما يتدافعون لأجله منتج فريد أو مادة أساسية كالزيت و الحليب، و فيما كنا ننتظر أن تنضج حبات الذرة خاصتنا، و تأخذ ذلك اللون الذهبي الممزوج بالأسود، حدثنا هشام ذو 24 ربيعا عن تجارته، فقال لنا بأنه يمارس المهنة في هذه المنطقة التي ينحدر منها منذ كان في سن 14، فهي منطقة معروفة حسبه، بحقول الذرة التي يستغلها السكان خاصة الشباب و المراهقون البطالون كمصدر رزق، مضيفا بأنه و فيما يقطف البعض الذرة من حقولهم العائلية، فإن هنالك شبابا يشترون المنتوج من الفلاحين، ثم يتموقعون على حواف الطرقات ليعيدوا بيعه لكن بعد تحضيره طبعا، وهو نشاط موسمي يستمر طيلة شهرين كل السنة.
أما الشاب الثاني الذي كان يرافق هشام، فقال بأن، هذه التجارة تعد باب رزق للكثيرين حتى الأطفال الذين يعيلون منها عائلاتهم و يدخرون من عائداتها استعداد لموسم دراسي جديد، و لأنها موسمية، فهم يحاولون استغلال الفرصة جيدا و العمل ليلا نهارا قصد مضاعفة المدخول، حيث يباشرون نشاطهم عند التاسعة صباحا، و لا يتوقفون إلا بعد العاشرة أو الحادية عشر ليلا، خاصة خلال عطل نهاية الأسبوع التي يزيد فيها معدل إقبال المصطافين على الشواطئ.
الوجبة الأكثر شعبية صيفا
يستنتج الملاحظ لزبائن بائعي الذرة المشوية، أن لهذه الأكلة مكانة خاصة في قلوب الجزائريين، فبغض النظر عن مستوياتهم و أعمارهم، تبقى وجبة لذيذة يدمنها الجميع دون استثناء، حيث يقول السيد يوسف، بأنه من غير المعقول أن يفوت يوما دون شراء الذرة المشوية من زموري، معترفا بأنه إدمان نقله لجميع أفراد عائلته، بينما قالت السيدة ليلى، بأنها تحب أكلها خاصة في طريق العودة من البحر، و من غير الممكن مشاهدتها تشوى على قارعة الطريق دون أن تتوقف و تستمتع بتناولها.
و بينما يفضل البعض شرائها نيئة و أخذها لشيها في البيت، فإن الغالبية كما حدثنا البائع هشام، يفضلون شرائها مشوية على الجمر ساخنة و جاهزة للاستهلاك، و على الرغم من أن أسعارها ترتفع من سنة إلى أخرى إذ يتراوح سعر الحبة الواحدة بين 100 إلى 150 دينار، بحسب الحجم و النوعية و كذا المنطقة، فإنها تبقى من بين الأكلات الأكثر شعبية على حواف الطرقات، فحتى الشواء الذي يدمنه الجزائريون أيضا قد يسقط أمام «الجبار أو البشنة» لأنها أكلة لا تتوفر طوال السنة و يعد الاستمتاع بتناولها متعة موسمية قصيرة.
الدكتورة شياني صبرينة
طريقة تحضيرها مسرطنة وتعد خطرا على الصحة
من المعروف بأن الذرة من أغنى المواد الغذائية بالفيتامينات و المعادن، و هي في نظر المختصين أفضل بألف مرة من الدقيق الذي يستهلكه الجزائريون بشكل يومي، غير أن تناولها مشوية على الفحم و في الشارع، يشكل خطرا كبيرا على الصحة لا ينتبه إليه الغالبية من مستهلكيها.
و تحذر الدكتورة العامة شياني صبرينة، من استهلاك هذه المادة بسبب الأخطار التي تحملها، خصوصا ما تعلق بتبعات عملية الشي التي تفرز ما يعرف بالكربون المحترق، و الذي يتناوله الإنسان دون أن ينتبه إلى كونه سما قادر حتى على أن يتسبب في الإصابة بالسرطان خصوصا إذا أفرط في استهلاك هذه الوجبة.
و تضيف الطبيبة، بأن من يمتهنونها يعتمدون على مادة البنزين لإشعال الحطب و تحويله إلى فحم، و بالضرورة فإن هذا البنزين يتفاعل مع النار و يترك رواسب تتسلل إلى جسم الإنسان عن طريق تناول حبات الذرة، و هو ما يزيد من حجم الضرر و الخطر معا، هذا بالإضافة لكونها تحضر في أماكن غير نظيفة و لا صحية ما يجعلها عرضة للميكروبات و الجراثيم.و تشير الدكتورة شياني من جانب آخر، إلى كون الماء المملح الذي تنقع فيه حبات الذرة بعد شويها غير نظيف و ملوث نظرة لكثرة استخدامه، وهو بذلك عامل آخر يزيد من خطورة استهلاك هذه المادة، محذرة من تناول كل طعام مشوي لديه اتصال مباشر مع الجمر و النار مهما كان نوعه، داعية في ذات السياق إلى استبدال هذه الطريقة بالشوي داخل الفرن الذي يبقى صحيا أكثر.
إ.زياري