اعتبر صانع ألعاب المنتخب الوطني للثمانينيات لخضر بلومي، الوضع الراهن للمنظومة الكروية في الجزائر بمثابة «بزنسة»، وحمل كامل المسؤولية لرؤساء النوادي الذين لم يتمكنوا من تجسيد مشروع الاحتراف بمفهومه الحقيقي، وراحوا يبذرون الأموال في إبرام صفقات خيالية مع لاعبين دون المستوى، إلى درجة أنه لم يتردد في إبداء استغرابه من الرواتب الشهرية التي يتقاضاها اللاعبون في الدوري المحلي، رغم عجز هذه الشريحة عن إثبات تواجدها ضمن تعداد المنتخب.
بلومي وفي هذا الحوار الذي خص به النصر، تحدث أيضا عن الخضر، وأكد على تراجع أداء المنتخب بعد مونديال البرازيل، مرجعا السبب الرئيسي إلى الإعلام الجزائري الذي عمد إلى تضخيم اللاعبين و جعلهم نجوما عالميين، في الوقت الذي أبدى فيه تشاؤما كبيرا بالقدرة على التتويج باللقب القاري في المستقبل القريب، كما تحدث عن أمور أخرى تخص مسيرته مع المنتخب و كذا يومياته في رمضان و أمور أخرى نقف عندها بكامل التفاصيل في هذه الدردشة التي جاءت على النحو التالي.
الحقيقة أن المنتخب حقق الأهم بفوزه بنتيجة عريضة في المباراة الأخيرة ضد السيشل، إلا أن هذا الانتصار لا يحجب الرؤية عن الكثير من النقائص، على اعتبار أن الجميع وقف على تراجع الأداء الجماعي للتشكيلة، فضلا عن غياب الروح القتالية التي تعودنا عليها لدى اللاعبين، و هذا لا يعني بأنني أشكك في وطنية هذه العناصر، بل أن الظروف هي التي انعكست بصورة جلية على محيط المنتخب، و ذلك منذ انتهاء المغامرة في مونديال البرازيل، حيث أخذ المنحنى في التنازل، إلى درجة أن شعبية المنتخب تراجعت كثيرا، و الدليل على ذلك عزوف الجماهير عن متابعة اللقاءات بملعب البليدة، بعدما كنا نجد صعوبة كبيرة في الدخول إلى الملعب في السنوات السابقة، بسبب الإقبال الجماهيري القياسي، حتى أن المشاركة في «كان 2015» خيبت الآمال بالخروج من ربع النهائي من دون إقناع في المستوى الجماعي.
كلا... فالمدرب الجديد غوركوف لا يتحمل مسؤولية هذا التراجع، كونه تسلم المشعل في مرحلة جد حساسة، فوجد نفسه مجبرا على تسيير الأمور، و لو أن المجموعة فقدت الكثير من الجانب الانضباطي مقارنة بما كانت عليه في عهد حليلوزيتش، لكن سر هذا التراجع يكمن في وعي اللاعبين و مدى إحساسهم بثقل المسؤولية الملقاة على عاتقهم، لأن الدفاع عن الألوان الوطنية ليس أمرا سهلا، غير أن هذا الجيل أصبح يبالغ في الإفراط في الثقة في النفس و الإمكانيات، و ذلك على خلفية الإنجاز التاريخي المحقق في مونديال البرازيل، لأن التأهل إلى ثمن النهائي يحسب فعلا لهؤلاء اللاعبين، و سيبقى التاريخ شاهدا على ذلك، إلا أن هذا الإنجاز كانت له انعكاسات سلبية، بدليل أن اللاعبين أصبحوا يصنفون أنفسهم في خانة نجوم عالميين، و هذا كله بسبب التضخيم الذي تعمد إليه وسائل الإعلام الوطنية، بدليل أن كل العناصر و مباشرة بعد انتهاء المونديال تم تداول أسمائها إعلاميا في أكبر النوادي الأوروبية، كما حدث للحارس مبولحي، و في نهاية المطاف نجح براهيمي في الظفر بعقد محترم مع نادي بورتو البرتغالي، و بالتالي فإن نجومية اللاعبين لا تتجاوز صفحات الجرائد الجزائرية، و نفس السيناريو لاحظناه يتكرر هذه الصائفة مع غلام بالحديث عن إمكانية انتقاله إلى ريال مدريد، رغم أن المستوى الفني الفردي لأغلب العناصر متوسط، و الدليل على ذلك بقاء أغلبها على دكة البدلاء في أنديتها، باستثناء حالات قليلة.
هذا الجيل سيبقى مفخرة للكرة الجزائرية على مر التاريخ، لأنه حقق إنجازا تاريخيا ببلوغ ثمن نهائي المونديال، لكن المشكل الذي تحدثنا عنه يكمن في تغيير اللاعبين لنظرتهم تجاه المنتخب بعد العودة من البرازيل، لأن «النجومية» المبالغ فيها إعلاميا جعلت اللاعب ينصب مصلحته الشخصية فوق كل اعتبار، و ذلك بالخوف من التعرض لإصابات أثناء مباريات المنتخب، و التي قد تكلفه غاليا في ناديه، فضلا عن تراجع الروح الجماعية، و لو أن هذا الإنجاز لا يمكن أن يحجب الرؤية عن ذلك المحقق في مونديال إسبانيا، بل سيكون صفحة أخرى في سجل الكرة الجزائرية، كوننا دخلنا تاريخ الكرة العالمية، و يستحيل الخروج منه بهذه السهولة، كيف لا و الجميع مازال يتحدث عن «ملحمة خيخون»، و كأن الأمر يتعلق بواحدة من معارك ثورة التحرير، كوننا فجرنا مفاجأة كروية هزت أركان المعمورة، على اعتبار أن الكل كان يتساءل عن موقع الجزائر جغرافيا، في أول ظهور في المونديال، و المتتبعون صنفونا في خانة الحلقة الأضعف في المجموعة، غير أننا تحدينا العالم بأسره و دشنا المشوار بفوز مستحق على حساب أقوى منتخب في العالم في تلك الفترة منتخب ألمانيا، و يكفينا فخرا أننا نجحنا في تحقيق إنتصارين للجزائر في نهائيات كأس العالم في تلك الدورة، من دون أن نتأهل، لتكون بصمتنا تاريخية بهذا الإنجاز، حيث أجبرنا الفيفا على تعديل قوانينها، و ذلك بإقامة مباريات الجولة الأخيرة من الدور الأول في نفس التوقيت لتفادي «سيناريو» المهزلة التي وقعت في لقاء النمسا و ألمانيا.
من حقنا كجزائريين أن نحلم، لكن في نظري فإن هذا الحلم لن يتحقق، لأن تتويجنا بكأس إفريقيا للأمم لن يكون خارج أرض الوطن، و ذلك بسبب الكثير من المعطيات، أبرزها خصوصية دورات «الكان» عند تنظيمها في أدغال القارة، إضافة إلى ذهنية لاعبي الجيل الحالي، التي تركز على المستقبل مع النادي أكثر من المنتخب، و حرمان الجزائر من إستضافة «كان 2017» فوت علينا فرصة ذهبية لتكرار سيناريو 1990.
لن أخفي شيئا بخصوص هذه القضية، حيث كان الجميع قد أثار زوبعة قبيل تنقلنا إلى إسبانيا، بحكم تزامن المونديال مع شهر رمضان، الأمر الذي جعل طاقم الإتحادية يلجأ إلى جلب مفتي الجمهورية في تلك الفترة إلى تربص المنتخب، و كانت له جلسة معنا كشف لنا من خلالها عن فتوى إباحة الإفطار شرعا أثناء خوضنا مباريات في نهائيات كاس العالم، و الحجة في ذلك تكليفنا بمهمة الدفاع عن الوطن و ألوانه في أكبر تظاهرة كروية عالمية، و عليه فإنني أؤكد على أن كل طاقم المنتخب كان قد أفطر في المقابلة الثانية ضد النمسا ثم في اللقاء الثالث أمام الشيلي، بينما جاءت المباراة ألأولى ضد ألمانيا قبيل رمضان، و الإفطار كان عن قناعة شخصية من جميع اللاعبين، دون وجود أي إعتراض من أحد، و عند عودتنا إلى أرض الوطن صمنا يومين لتسديد الدين علينا وفق الفتوى التي تحصلنا عليها، و لو أن الغريب في الأمر أن هذه القضية لم تثر في تلك الفترة، لكنها طفت مجددا على السطح بعد مرور سنوات طويلة، و الحقيقة أنني لم أندم على ذلك، في ظل وجود فتوى شرعية.
وماذا عن المشاركة المخيبة للآمال
الكل يعلم بأن الكرة الجزائرية كانت تمتلك جيلا ذهبيا طيلة عشرية من الزمن على إمتداد ثمانينيات القرن الماضي، و ذلك من ثمار سياسة الإصلاح الرياضي، لتكون الثمار إنطلاقا من نهائي «كان 1980» بنيجيريا إلى غاية التتويج باللقب القاري بعد 10 أعوام، رغم أنني حرمت من المشاركة في الدورة التي أحرزنا فيها التاج الإفريقي لأسباب مجهولة، لأننا في تلك العهدة كنا قادرين على فرض سيطرة مطلقة على المنافسة القارية، لكن بعض الصراعات الهامشية حالت دون ذلك، و هو الأمر الذي حدث قبيل مونديال مكسيكو، حيث إستغلت بعض الأطراف الفاعلة في الساحة الرياضية الوطنية طيبة المدرب رابح سعدان و تدخلت لتعديل القائمة المعنية بالمشاركة في المونديال، و ذلك بشطب 7 لاعبين من التعداد الذي شارك في التصفيات، و جلب عناصر محترفة رفضت التنقل إلى أدغال إفريقيا، خاصة إلى زامبيا، و تجنبت الخشونة، مما أحدث فتنة داخل المجموعة بين اللاعبين المحليين و نظرائهم المحترفين، لتكون المباراة الثالثة ضد إسبانيا بمثابة القطرة التي أفاضت الكأس، بعدما أصر الطاقم الفني على تغيير التشكيلة، رغم أننا قدمنا مقابلة في المستوى ضد العملاق البرازيلي.
الاحتراف يبقى مجرد حبر على ورق إستغله رؤساء النوادي لتبذير الأموال و البزنسة بها، من دون أن تكون هناك أية فائدة على الكرة الجزائرية، مادام الكل أصبح يلهث وراء المال، و الصفقات الخيالية التي تبرم لا تعكس المستوى الحقيقي للاعب و للمنافسة في حد ذاتها، لأنه لا يعقل أن يتحصل لاعب في البطولة الجزائرية على راتب شهري يتراوح ما بين 300 و 450 مليون سنتيم، و مستواه لم يسمح له بالظفر بمكانة ضمن تعداد المنتخب، و هنا أفتح قوسا لأكشف بان راتب اللاعب الدولي في وقتنا لم يتجاوز 16000 دج، و نتقاضاه في نهاية كل شهر، و المسؤولية في نظري يتحملها مسيرو الفرق، الذين عمدوا إلى رفع الأجور إلى هذا المستوى الخيالي، فضلا عن إقدامهم على إعطاء اللاعب تسبيقا ب 5 إلى 6 أشهر بمجرد إمضائه، رغم أنه موظف في الشركة، فهل يعقل أن يتلقى عامل عادي أجور أشهر قبل أن يؤدي المهمة الموكلة له، و بالتالي فإنني أعتبر السياسة الحالية كارثية بعدما أثبتت فشلها الميداني، و تتطلب مراجعة فورية، إنطلاقا من المسيرين، لأن النجاح يكون في المنتخبات، و غياب العناصر المحلية عن المنتخب دليل ضعف مستوى البطولة، كما أن هذه السياسة غيرت من الخارطة الكروية الوطنية، لأن مدارس عريقة كانت تشتهر بالتكوين و العمل القاعدي كغالي معسكر، ترجي قالمة، حمراء عنابة و مولودية قسنطينة سقطت إلى أقسام الهواة بسبب مشكل المال، بينما صعدت فرق أخرى لم تتأسس سوى مؤخرا، و العودة إلى القاعدة تبقى خيار حتمي.
في الغالب فإن الرياضيين لا يستيقظون باكرا في رمضان، و أنا أنهض دوما بعد منتصف النهار، و أقضي الظهيرة بين المسجد و التسوق، مع العودة إلى المنزل عصرا، والمكوث أمام الشاشة إلى غاية آذان المغرب، حيث تكون الجلسة العائلية في أجواء مميزة بحضور كل الأبناء، وطبقنا المفضل في الجهة الغربية من الوطن هو «الحريرة» و»البرقوق» باللحم الحلو، وهما طبقان لا يغيبان إطلاقا عن مائدتي طيلة شهر كامل، ليكون بعدها الموعد بعد التراويح مع سهرة في المقهى رفقة مجموعة من الأصدقاء تتواصل غالبا إلى موعد الإمساك.
ما يحز في نفسي هو حرماني من حلم التتويج بكأس أمم إفريقيا، رغم أنني كنت واحدا من أبرز نجوم القارة، والجميع يتذكر أن نادي برشلونة تقدم بعرض للاستفادة من خدماتي في سنة 1981، لكن القوانين المعمول بها في الجزائر خلال الفترة حرمتني من ذلك، لأن الاحتراف في الخارج لم يكن مسموحا للاعبين دون 27 سنة، وهو ما عبد الطريق أمام النجم الأرجنتيني مارادونا للالتحاق بصفوف «البارصا»، لأنه منع في البداية بسبب صغر سنه، و مع ذلك فإنني أفتخر بما قدمته للجزائر، لكن المؤسف أن الإمكانيات المعتبرة التي تتوفر عليها الفاف لم تنعكس على نتائج المنتخبات.