شكل صعود اتحاد سطيف إلى وطني الهواة، الحدث البارز هذه الصائفة بمدينة عين الفوارة التي احتفلت بانجاز «القرونة»، والفريق الذي استهل الموسم بطموح الخروج من دائرة الظل والتخلص من رواسب الماضي، ومن ثمة استعادة مجده الضائع، وكان له ذلك رغم قلة الإمكانيات وغياب الدعم المالي الضروري.
روبورتاج: محمد مداني
ركوب عميد الأندية السطايفية قطار الصعود، بعد ثماني سنوات من سقوطه عام 2012 إلى قسم ما بين الجهات، لم يكن هدية من أي جهة كانت، بقدر ما استوجب الكثير من التضحية والتحدي وتضافر جهود جميع الأطراف حسب الإدارة، التي اعتبرت هذا الإنجاز قد ولد من رحم المعاناة، ما يعكس اكتفاء الفريق بالمرتبة الرابعة ضمن سلم ترتيب مجموعة «وسط - شرق»، برصيد 44 نقطة نتاج 12 انتصارا و8 تعادلات و6 هزائم، ومع ذلك، ظل المحيط العام للاتحاد الذي يملك قاعدة جماهيرية واسعة يعيش على وقع الحدث، ما أضفى على يوميات الفريق أجواء احتفالية مميزة، أعادت إلى الأذهان أيام الزمن الجميل للقرونة.
ومن المفارقات أن الاتحاد السطايفي الذي تأسس عام 1933، مر بمراحل متعددة بحلوها ومرها، فيما تميزت مسيرته الطويلة بعدم الاستقرار في طاقمه الإداري، الذي تعاقب عليه عديد الرؤساء، منهم مليك عياشي وميلود بلعليات والزين مداني، قبل أن يحمل المشعل لمنور بلعليات عام 2017، وينجح في قيادته إلى قسم الهواة.
ففي ظرف ثلاث سنوات، تمكن لمنور من إعادة سيناريو موسم 1990 ـ 1991، حين ساهم في ارتقاء الفريق لقسم ما بين الجهات، وإيصاله سنة 2005 إلى نهائي كأس الجزائر، وخسر في الوقت الإضافي أمام جمعية الشلف بهدف يتيم.
وإذا كان الرئيس بلعليات، قد كسب الرهان ورفع التحدي من خلال تغلبه على جميع الصعاب وتوفير كل الإمكانيات، فإنه ينتظر أن تكون المرحلة القادمة شاقة وصعبة على الاتحاد، حتى وإن كان رهانه كبير على جعل وطني الهواة، جسر عبور للاقتراب من حظيرة الكبار.
وما يجسد هذا الطرح، شروع الإدارة في التفكير من الآن للموسم القادم، من خلال مراهنتها على عامل الاستقرار، والاحتفاظ بالركائز مع محاولة القيام بتدعيمات نوعية، وعلى مستوى مختلف المراكز، وهذا من أجل إعطاء الإضافة المرجوة للتشكيلة، حيث تشير التقديرات الأولية، إلى أن الفريق بحاجة إلى 5 أو 6 لاعبين جدد.
من جهة أخرى، انطلقت الإدارة في رحلة البحث عن مصادر تمويل، لضمان المال الكافي إدراكا منها بضرورة توفر ميزانية معتبرة أمام التحديات الكبيرة المطروحة، وهو ما جعل الرئيس بلعليات يكثف مساعيه من خلال طرق كل الأبواب، لوضع السلطات المحلية أمام مسؤولياتها، للتكفل باحتياجات النادي، خاصة وأنها تعد الممول الرئيسي في غياب السبونسور.
م ـ م
رئيس الفريق لمنور بلعليات: استعادة زرقان مفتاح الصعود !
كشف رئيس الفريق لمنور بلعليات، أن الصعود لقسم الهواة كلف خزينة الفريق مبلغ 2.4 مليار، موضحا أن الإدارة وجدت صعوبات كبيرة في توفير المتطلبات اللازمة للاعبين والتحكم في التسيير، كونها ظلت تسدد الديون العالقة، وفقا للأحكام الصادرة عن الجهاز القضائي لبعض الدائنين.
وقال رئيس «القرونة» أن فريقه الذي قطع الدرب في صمت كثيرا ما ظلمته الأيام، حيث لم يتحصل على مدار الموسم، سوى على إعانة قاربت 2.3 مليار، مضيفا أن الإدارة وضعت منذ البداية الصعود هدفا أساسيا، بعد أن أضاع منها في الموسمين الماضيين:» صراحة، كنا نطمح لتحقيق الصعود، الذي فلت من أيدينا في مناسبتين سابقتين، ما يعكس دخولنا المنافسة بقوة، بفضل تألق اللاعبين وتحضيراتهم المبكرة، إلى درجة أننا أنهينا مرحلة الذهاب، في صدارة المجموعة برصيد 31 نقطة».
واستنادا لذات المتحدث، فإن اكتفاء «القرونة» بالمركز الرابع، يعود بالدرجة الأولى، إلى حالة الانكسار التي عرفتها التشكيلة بعد مغادرة زرقان العارضة الفنية، في الجولة الثالثة عشر:» كان بإمكاننا الظفر باللقب أو إنهاء الموسم في الوصافة، لولا سوء التفاهم الذي حدث في الجولة ال13 أين انسحب المدرب زرقان، ما جعلنا نلجأ لخدمات المدرب بن عبد الرحمان بمساعدة فلاحي حمودي، غير أن مواصلة السقوط الحر أدى بنا إلى الاستنجاد مجددا بزرقان في الجولة السابعة عشر».
كما حرص بلعليات، على الإشادة بجهود المكتب المسير الذي ساهم برأيه في بروز الفريق، بغض النظر عن وقوف السلطات المحلية إلى جانبه وفق الإمكانيات المتاحة:» أعتقد بأن هذا الصعود، من شأنه أن يسمح للاتحاد بفتح صفحة جديدة في تاريخه، ويبعث الأمل لاستعادة أمجاده الضائعة، صحيح أن هذا المكسب ولد من رحم المعاناة، لكن حلاوته تكمن في صعوبته، وكل التحية للمسيرين الذي ساندوني في هذه المسيرة المظفرة».
وبخصوص التصورات المستقبلية للفريق، لم يتوان محدثنا في التأكيد بأن الإدارة تريد رفع العارضة عاليا، حتى وإن كان كل طموح يبقى في تصوره مؤجلا إلى حين عقد الجمعية العامة:» نأمل في أداء موسم ناجح، مع السعي لمواصلة البروز والتألق، الأمر الذي جعلنا نفكر من الآن في الموسم القادم، بكل ما يستوجب من إمكانيات مادية وبشرية، غير أن تجسيد هذه الرغبة، يمر عبر النتائج التي ستفرزها أشغال الجمعية العامة المرتقبة، بعد رفع الحجر الصحي».
وتابع يقول:» سنعمل على تثمين المكاسب المحققة، والظهور بوجه يعكس تاريخ وتقاليد عميد الأندية السطايفية، لذلك، علينا توحيد الجهود والصفوف، وتجنيد كل أسرة النادي، سيما وأن الصعود كان مستحقا وشاقا، ولم يكن هدية».
وفي معرض حديثه، دعا الرئيس بلعليات الجهات الوصية، إلى رفع قبعة الاعتراف للفريق، من خلال تكريمه وتخصيص منحة خاصة له بمناسبة صعوده، وهذا من باب التشجيع، واعدا برفع راية القرونة عاليا وإسماع صوتها، لاسترجاع شخصيتها وهيبتها ومكانتها المرموقة في الساحة الكروية.
مدرب الإتحاد مليك زرقان: سعداء بما تحقق ومدركون لما ينتظرنا
*هل يمكن وصف الصعود بالإنجاز الذي ولد من رحم المعاناة؟
فعلا، هو صعود شاق ولم يكن سهلا، في ظل المنافسة الكبيرة من عدة أندية طموحة، حيث وجدنا صعوبات جمة، خاصة في مرحلة الإياب، قبل أن تأتي جائحة كورونا لتضع حدا للبطولة في الجولة ال26. شخصيا، تمنيت لو واصلنا المشوار، إدراكا مني بقدرة الفريق على إنهاء الموسم في الوصافة، طالما أن الريادة حسمتها شبيبة برج منايل مبكرا.
وفي اعتقادي، المركز الرابع لا يعكس طموحاتنا كوننا سيطرنا على المنافسة، إلى درجة أننا ظفرنا باللقب الشتوي، وبكل تأكيد رحيلي في الجولة ال13 قبل أن أتراجع عن المغادرة وأواصل مهامي في الجولة ال17، أثر على توازن التشكيلة والنسق الجماعي، وأدى إلى حدوث حالة من التراجع في المردود، وحتى النتائج خلال مرحلة العودة.
*معنى هذا أنك غير راض على المرتبة الرابعة؟
صراحة نملك فريقا منسجما ومنظما، أثبت جدارته على أرضية الميدان بدفاعه القوي، الذي كان الأحسن في المجموعة بتلقيه 18 هدفا، وثاني خط هجوم بتوقيعه 45 هدفا، كنا نطمح لاحتلال مركز الوصافة، لكن بعض العوامل جعلتنا نكتفي بالصف الرابع، الذي اعتبره مكسبا للفريق بعد سنوات من المعاناة، وإضافة مفيدة لرصيدي الشخصي من التتويجات.
*ألا ترى أن مكانة القرونة لعدة اعتبارات وعوامل في الأقسام العليا؟
الاتحاد فريق عريق وعميد الأندية السطايفية، تأسس قبل 87 سنة من الآن وله تاريخ كبير، حيث سبق وأن صعد إلى القسم الوطني الأول سنة 1973، ونشط نهائي كأس الجزائر عام 2005 أمام جمعية الشلف. لذلك، أرى بأنه يستحق مكانة أرقى وأفضل، مما هو عليه الآن.
*وهل راودك الشك لحظة في قدرة فريقك على الصعود؟
منذ الانطلاقة، كنت واثقا من بلوغ الهدف المسطر، رغم مزاحمة عديد الفرق، حيث أدينا مرحلة ذهاب مميزة أنهيناها في الصدارة. ورغم انسحابي في الجولة ال13، ثم عودتي في الجولة ال17، وما ترتب عن ذلك من تأثيرات على نفسية اللاعبين، إلا أن إيماني بقدرات المجموعة كان كبيرا كبر تفاؤلي، بل أكثر من ذلك كان باستطاعتنا خطف المرتبة الثانية، كوني لمست وجود إرادة صادقة لدى اللاعبين والمسيرين، لاجتياز كل العقبات وبلوغ المراد.
*وكيف تتوقع ظهور القرونة في قسم الهواة؟
كل شيء مرتبط بتوفر الإمكانيات، ولو أنني على يقين من أن الاتحاد له من الرجال والكفاءات، ما يسمح له بالتألق. لكن هذا لا يعني بأنه سيجد الطريق مفروشا بالورود، بل الأمور ستكون صعبة الموسم القادم، بالنظر لحدة المنافسة والطابع المحلي لجميع اللقاءات، ما يستوجب التفكير مبكرا في متطلبات المرحلة القادمة.
*ما هو مستقبلك في العارضة الفنية؟
الحديث عن هذا الأمر سابق لأوانه، بعد أن نجحت في قيادة الفريق إلى الصعود، لدي الوقت الكافي للتفكير والجلوس مع إدارة الفريق لاستعراض هذه القضية والحسم فيها.
لاعبون يتحدثون عن الانجاز
هرادة سالم (حارس مرمى): صعودنا مستحق
«أنا جد سعيد بهذا الصعود، الذي لم يكن بمثابة هبة أو صدقة، أعتقد بأننا برهنا على أننا فريق طموح ومحترم، وكان بوسعنا احتلال مرتبة أفضل لولا تراجعنا في مرحلة رد الزيارة من البطولة، وبكل تأكيد، سنسعى لتثمين هذا المكسب، وتعزيزه بإنجازات أخرى، ومن ثمة استعادة المكانية الحقيقية للقرونة».
وليد غراس(مدافع): مهدنا لعودة القرونة إلى الواجهة
«أرى بأننا أدينا مشوارا جيدا، وكنا قاب قوسين أو أدنى من إنهاء البطولة في البوديوم، والواقع أن الصعود، كان همنا الوحيد وهدفنا المسطر منذ البداية، وها نحن وفينا بوعدنا ومهدنا الطريق للفريق للعودة إلى الواجهة، بفضل إرادة الجميع، علينا العمل من أجل مواصلة الدرب بنفس الحماس».
باسم سديرة(مدافع): انجازنا رسالة قوية وواضحة
«شخصيا اعتبر بأنه كان بوسعنا الظفر باللقب لو لا تراجعنا في مرحلة الإياب، لكن ما يهمنا هو الصعود الذي يشكل في مضمونه، رسالة لكل الأطراف للتفكير من الآن في الموسم القادم، الذي سيكون أصعب، وهذا الانجاز له دلالات خاصة».