مخلوفي اسم ارتبط بتاريخ الكرة الجزائرية خاصة بعدما ذاع صيته عبر القارة العجوز يوم كان لاعبا محترفا بنادي سانت ايتيان الفرنسي، وانضمامه بعدها إلى منتخب جبهة التحرير الوطني في أفريل 1957 إلى جانب المرحومين بن تيفور و كرمالي، والقائمة طويلة لذلك الجيل الذهبي، قبل أن يصبح أحد صناع ملحمة خيخون (1982) في مونديال إسبانيا، كما كان له شرف قيادة الخضر للتتويج بذهبية ألعاب المتوسط (75) والألعاب الإفريقية (78) . الشيخ مخلوفي وفي هذا الحوار الذي خص به النصر عبر الهاتف من تونس، سافر بنا عبر محطاته الرياضة وسرد لنا يومياته الرمضانية خلال هذا الشهر الفضيل.
شكرا لكم على هذه الاستضافة، أنا بخير و الحمد لله، خاصة في هذا الشهر الفضيل، و أنا حاليا متواجد رفقة العائلة بتونس.
لا على الإطلاق لا أجد صعوبة كبيرة لأنني لا أدخن، و لا أشرب القهوة و أنهض باكرا و أقضي يومي مثل المعتاد في سائر الشهور.
عندما كنت في سانت ايتيان لم يكن يوجد العرب كثيرا، ولا توجد الأكلات التقليدية مثل الزلابية و الشوربة وما إلى ذلك، و لكن في الجزائر و تونس الأجواء مختلفة كثيرا، سيما بتواجدي رفقة العائلة مع القيام بالخرجات رفقة الأصدقاء، وطبعا العادات تختلف كثيرا، وأتذكر مرة استغراب أحد أصدقائي بفرنسا كثيرا من الأمر في رمضان، حيث قال لي أنتم في الجزائر تقيمون الحفلات في شهر رمضان، و تركزون على المأكولات كثيرا، أما عندنا فنحن نقضي معظم الوقت في المساجد، لأن رمضان شهر الدين والعبادة وليس «زلابية بوفاريك».
لم يحدث هذا على الإطلاق لأن رمضان أمر مقدس، كنا في فريق جبهة التحرير الوطني نجري تدريبات شاقة، ومع هذا كنا نبذل كل ما في وسعنا لتقديم كل ما علينا ونحن صائمين.
الإسلام دين يسر و ليس دين عسر، و هناك رخصة لمن يقوم بعمل شاق بأن يفطر ويقضي فيما بعد، وكما هو معروف عندنا في المباريات الهامة و التي تتطلب جهدا بدنيا كبيرا يحضرون المفتي لإعلام اللاعبين بخطورة الصيام في مثل هذه الوضعيات، هذا شيء معروف لعب 90 دقيقة ممكن أن يؤثر ذلك على صحة أي لاعب، و أنا كمسؤول أستعين بمفتي، لأن هذه الأمور معروفة و اللاعب مثله مثل عامل المنجم.
أين هم الآمال الذين تخرجوا من المدارس الجزائرية، المسؤولون منشغلون بلاعبين متكونين في الخارج و متناسين الشبان في الجزائر، هذا أمر مخزي، أصدقك القول أني تأثرت كثيرا عندما سمعت إحدى القنوات الفرنسية تلقب المنتخب الوطني بالمنتخب الفرنسي الثاني، حتى أنني كدت أبكي،حتى نحن قمنا بذلك لما كنا نلعب في منتخب جبهة التحرير الوطني من خلال الاعتماد على لاعبين أو ثلاثة لكننا اخترنا من يستحق حمل ألوان المنتخب.
ما يمكنني قوله أنها مجموعة مضحكة، البلد الذي لديه ثقافة عريقة في كرة القدم، لا ينبغي له أن يضع حسابات لمثل هذه المنتخبات، لو كانت الكاميرون، كوت ديفوار أو غانا ممكن أن نخاف، لكن في مجموعة مثل هذه 100 بالمائة نحن متأهلين، لأن المنافسين لا يعرفون أبجديات كرة القدم، وحتى منتخبي السيشل ولوزوطو لا ينتظران أي مفاجأة.
يوغسلافيا من بين أحسن المدارس في كرة القدم، لذلك حليلوزيتش كان في المستوى واستطاع تقديم الكثير للكرة الجزائرية، من خلال التأهل إلى الدور الثاني لمونديال البرازيل، أما اليوم فالمدرب الفرنسي غوركوف من الممكن أن هناك من يسيره ويفرض عليه القرارات، حليلوزيتش كان لديه شخصية ويفرض نفسه حتى على المسؤولين الكبار، على عكس الناخب الحالي الذي يأتمر بأوامرهم فيما يخص اللاعبين المستدعين، وهذا لا يساعدنا على الإطلاق.
كرهت كرة القدم الجزائرية، لأن «التخلاط» أصبح هو السيد و الأموال فرضت منطقها، كل هذه الأمور جعلتني أمقت الكرة، أذكر أننا في زمننا كنا نستمتع كثيرا لما نشاهد مباراة في كرة القدم، ونحضر المشروبات و المكسرات و الشاي، الآن «الله غالب» كل شيء تغير كثيرا، و أعتقد أن نادي برشلونة هو الوحيد في العالم الذي يقدم كرة قدم نظيفة لأنه يعتمد على خريجي مدرسته لاماسيا.
تتحدث عن احتراف «الكرطون»، إننا بعيدون كل البعد عن الاحتراف الحقيقي المطبق في المدارس الأوروبية، الذي يتكلم على الاحتراف يبدأ من البداية وتحديدا تسيير النادي للاعبين، لقد قرأت مرة على صفحات إحدى الجرائد، أن رئيس فريق يقول لولا أن الحكومة منحتنا طائرة لما تنقلنا خارج الجزائر، الاحتراف هو أن تعتمد على نفسك وتجلب التمويل و الإشهار بنفسك.
الأسباب واضحة، المسيرون يتعاركون على الكراسي وهمهم الوحيد مناصبهم فقط، هذا احتراف «الكرطون»، وصلنا للموقف الذي يتوجب علينا أن نخطط للعودة إلى نظام الهواة، في إحدى المناسبات كنت قادما من تونس و التقيت صدفة مع أحد التونسيين كان عضوا في «الكاف»، قال لي «سي رشيد أنا سعيد جدا لأن غدا سيقام اجتماع لترسيم دخول الاحتراف، قبل أن يصطدم بأني لم أتلق الدعوة لحضوره، فاستغرب كيف أني لم أتلق الدعوة لتدعيمهم بالأفكار، خاصة و أننا كنا في جبهة التحرير كلنا محترفون و مع هذا لم يتصل بنا أحد».
يجب على الاتحادية الجزائرية و وزارة الشباب و الرياضة أن تشرف على التكوين في الأندية، ويجب على غوركوف حضور بعض المباريات في البطولة مثلما كان يفعل عندما كان في لوريون، حيث كان يتابع الكثير من اللقاءات، ويقف على إمكانيات اللاعبين، علينا النهوض بكرة القدم الجزائرية، من خلال التركيز على التكوين لأنه النواة الحقيقية، من أجل التخلي عن التبعية للكرة الفرنسية التي أصبحت الممول الرئيسي للمنتخب الجزائري.
25 سنة أو 30 سنة هؤلاء الرؤساء «فاتهم القطار»، حين نتكلم على المدارس، علينا أن نبدأ بتكوين 25 لاعبا في المستوى و قادرين على تمثيل الجزائر، وهذا أمر سهل في نظري، مثلا برشلونة عندهم مدرسة من الأصاغر لما يلتحقوا بالفريق الأول يلعبون بنفس المستوى، أما نحن فليس لدينا الإمكانيات و لا نملك مدربين، وهو ما يسبب نقص التكوين القاعدي.
السر يكمن في المسيرين الذين ركزوا على التكوين، وركزوا على اللعب بالطريقة الجزائرية الخاصة في إفريقيا، كما أنهم كونوا لاعبين جيدين، لا تنسى أن سطيف عالية عن سطح البحر بـ 11 ألف متر، وهذا ما يساعد اللاعبين على التحمل أكثر، ويجعلهم يقدمون مباريات كبيرة بكل سهولة، و خاصة في مدينة سطيف، كل هذا جعل الفريق يظهر بشكل جيد على المستوى الإفريقي و المحلي.
شرعنا في إنشاء فدرالية للتكوين عبر جميع ولايات الوطن، لكن الآن افترقنا، ولن أعود للجمعية بسبب الجهوية، في البداية كنا ننشئ مدارس كروية بلغ عددها 26 مدرسة في مختلف الولايات، و كانت كل الأمور جيدة، كنا نرى بأن اللاعبين لديهم مستقبل، كنا نتابعهم باستمرار، كان من الممكن أن نراهم في المنتخب الوطني، لكن الآن كل شيء أصبح من الماضي لم أعد عضوا فيها.
يجب أن يعرف الجميع بأن منتخب 2010 لم يكن يتوفر على نفس ظروف العمل، ونفس المزايا ومع ذلك حقق نتائج جيدة سواء في «كان» أنغولا أو في المونديال، في نظري غوركوف والذي قبله محظوظون لامتلاكهما ترسانة من اللاعبين من سلالة تشكيلة الخضر السابقة والبعض منهم يصنع حاليا أفراح أكبر الفرق الأوروبية.
لست هنا لمحاسبة غوركوف، بل أقول المنطق يرشح الجزائر للعب من أجل الفوز باللقب (وليس الأدوار الأولى)، على اعتبار أنه لا ينقصه شيء مقارنة ببعض المنتخبات الأخرى، لأنه لم يتعرض لنفس الضغوطات التي كانت تستهدف الطواقم السابقة.
داخل أدغال إفريقيا الأمر في غاية الصعوبة، ولكن هنا تكمن المسؤولية لأنه حان الوقت لنلعب دورا بارزا في «الكان» ونثبت أننا على قدر المسؤولية، وحسب رأيي نحن نحوز كل مقومات تخطي الخصوم في النهائيات، وذلك لعدة اعتبارات منها الخبرة لدى أغلب اللاعبين الحاليين، فضلا عن حالة النضج التكتيكي والإمكانيات المتاحة لجيل اليوم، ناهيك عن الأجواء الهائلة داخل المنتخب، وهي عوامل كلها في صالح الخضر، ما يسمح للمنتخب الوطني بالتربع على عرش كان 2017، شريطة الإيمان بقدرات إبراهيمي والبقية ووضع الثقة فيهم.
دون مبالغة أرى أن اللاعب المحلي إذا وجد الرعاية والاعتناء داخل فريقه، يمكنه أن يكون ورقة مهمة في صفوف الفريق الوطني، وهذا كله متوقف على مستوى البطولة الوطنية ومدى تعاملها وتطبيقها لنظام الاحتراف، لأن الفرق أصبحت ملزمة إما أن تكون أو لا تكون، وأعتقد أن الأمور لن تبقى على حالها مستقلا.
حقيقة هذه الظاهرة لم نراها لا في زماننا ولا بعدنا، واليوم نشاهد ونسمع عن سوق مشتعلة، من حيث ارتفاع قيمة اللاعبين، فيوميا نطالع على صفحات الجرائد أرقاما خيالية لا يمكن تحملها ولا الحديث عنها، وعليه فإن حقيقة الميدان تثبت عكس هذه الأرقام، لأنه لا يوجد أي لاعب يستحق رواتب بهذه القيمة التي تتعدى تارة 450 مليون سنتيم، فهذا جنون لدى بعض الرؤساء وهم يتحملون كل المسؤولية فيما يحدث في سوق الانتقالات، والجزائر حاليا هي الأغلى في إفريقيا وقد نتفوق أحيانا على بعض الدول الأوروبية، وأعتقد أن هذه الأمور لن تبقى هكذا لأن تسقيف الأجور سيكون هو الفيصل في المستقبل القريب.
ما الفرق بين جيل1982
لكل جيل زمانه، فجيل 82 حقق انجازات عديدة على المستوى العالمي والقاري، وكان بحق يستحق كلمة أبطال ذلك الزمان، رغم قلة الإمكانيات، وجيل اليوم محظوظ بالإمكانيات و يبقى فقط أن يؤمن بإمكانياته، و أن يعمل أكثر لأن الجماهير تنتظر منه الكثير خاصة وأن الفرصة مواتية للعب في «كان» 2017 ، من أجل الفوز بالكأس القارية التي أصبحت مطلب الأنصار ، لأن الجزائر لم تفز إلا بكأس واحدة سنة 1990 بقيادة المرحوم كرمالي رحمه الله...
شكرا جزيلا لجريدة «النصر» على هذه الاستضافة، وأتمنى رمضان مقبول لكل الجزائريين، وأقول لهم حافظوا على صحتكم والتقليل من أكل الحلويات
و الإكثار من العمل والعبادات .