يرى الدكتور رشيد محيمدات أن خلاص كرتنا في العودة إلى سياسة التكوين والاعتماد على المنتوج المحلي، والابتعاد عن «استيراد» البضاعة الجاهزة، كما اعتبر انتداب مدربين أجانب للإشراف على فرق الأكابر لن يعود بالفائدة على اللاعبين والأندية.
محيمدات الذي يعد من الرياضيين الجزائريين القلائل الذين جمعوا بين التدريب وتقلد المناصب والمسؤوليات العليا في الجامعة و التحليل والنقد الرياضي عبر مختلف وسائل الإعلام، اعتبر نجوم الخضر في صورة براهيمي و غلام و فغولي و بن طالب و محرز... أفضل جيل على مدار تاريخ الكرة الجزائرية، معربا بالمناسبة عن تفاؤله بقدرة الخضر على التتويج باللقب القاري بعد اكتساب اللاعبين الخبرة اللازمة في الملاعب الإفريقية.كما تطرق محيمدات في هذا الحوار إلى مستوى الدوري المحلي، وجوانب من حياته الشخصية في رمضان.
برنامجي لم يعرف أي تغيير اضطراري، ويومي أقضيه في العمل داخل المعهد الوطني العالي لتكوين إطارات الشباب والرياضة بقسنطينة، أين أشرف على مداولات نهاية السنة والتحضير للموسم الجديد، وبعد الإفطار أخصص جل وقتي للعبادة والتقرب إلى الله في هذا الشهر الفضيل.
رغم أنني أسهر أحيانا إلى غاية الفجر، إلا أنني أستيقظ في حدود الساعة السابعة والنصف، وأحرص على التواجد داخل مكتبي بداية من التاسعة والنصف، وشخصيا لا أتأثر بالصيام لأنني في الأيام العادية لا أتناول وجبة الفطور، وفي أحيان كثيرة تحول كثرة الانشغالات لا دون تناول وجبة الغذاء، وعليه فالأمور من هذه الناحية جد عادية، وأحس بأن رمضان يمنحني راحة جسدية ونفسية وروحية.
في رمضان أفضل تناول طبق «الحريرة»، سيما بعد أن تخليت مرغما على «الشربة فريك»، وبخصوص الطبق الثاني فليس لدي أي إشكال وأحيانا لا أتناوله أصلا، ليبقى الماء أهم مادة لا يمكنني الاستغناء عنها عند الإفطار.
أتذكر جيدا أنني قصدت ذات مرة المطبخ قبل الأذان، بغرض المساعدة في تحضير مائدة الإفطار، ولدى قيامي بتقطيع «البطيخ» لم انتبه إلا وأنا أتناول قطعة منه، ومنذ ذلك اليوم قاطعت المطبخ ولم أعد إليه مهما كانت الظروف.
في المرات الناذرة التي أخرج لقضاء بعض الضروريات، تزعجني أكثر طريقة سياقة البعض وسلوكيات بعض السائقين الذين يتوقفون وسط الطريق ويعرقلون حركة المرور، نتيجة فقدانهم الأعصاب لأتفه الأسباب.
بالطبع، فأنا بطبعي هادئ وأكون أكثر سكينة وتحكما في الأعصاب خلال شهر رمضان، سواء في البيت أو العمل أو الشارع، كما أنني أفضل تجنب قيادة السيارة في رمضان للأسباب التي ذكرت.
التدريب الشاق والمقابلات خاصة إذا أقيمت قبل فترة طويلة من الإفطار غير مستحبة بتاتا، لأن الرياضي يتأثر كثيرا نتيجة فقدانه السوائل ما ينعكس سلبا على عطائه، ولهذا أرى أنه يجب أن يكون الإجهاد في السهرة، وإذا تحتم الأمر قبل الإفطار بقليل، حتى يتمكن الرياضي من استرجاع السوائل في أقرب فرصة.
في الحقيقة كل هذه المهام مرتبطة ارتباطا وثيقا، وعليه أرى أنني لم أقتحم مجالا بعيدا عن الرياضة، كما أن كل هذه المجالات أصلها بيداغوجي، فتعريف التدريب هو عملية بيداغوجية منظمة تنظيما خاصا يهدف إلى بلوغ أعلى المستويات، والتحليل الرياضي هو شق من التدريب، لأن المدرب يجب أن يحلل الحصص والمباريات التي يجريها حتى يتمكن من تصحيح الأخطاء وتوجيه التدريب في الاتجاه الصحيح، أما الإدارة فهي على مستوى معهد وطني عالي لتكوين إطارات الشباب والرياضة، أي أننا نكون مدربي المستقبل وهي أيضا عملية بيداغوجية لوجود علاقة متواصلة بين المكون والمتكون، وبالتالي لم أخرج أبدا عن نطاق الاختصاص .
في التدريب أحس بأكثر راحة وعطاء، وأحسن الأيام قضيتها كانت فوق أرضية الميدان، خاصة أثناء الحصص التدريبية أين أحس أنني أنتج أشياء ذات فائدة تظهر أثناء المقابلات، رغم أن لهذه الأخيرة طابعها ومتغيراتها التي تؤثر على العطاء.
صراحة لا وجود للتكوين بأسسه وقواعده وقوانينه، وحتى الإمكانيات المسخرة تكاد تكون منعدمة، وعلى مدار تجربتي حاولت بناء خلية عمل حقيقية لمختلف الفئات، من خلال برامج تمنيت تسطيرها وتطبيقها، لكنني صدمت بواقع مر لعدم توفر الإمكانيات وعدم الاهتمام بالفئات الصغرى، وعليه فتطبيق هذه البرامج يتطلب تغيير الذهنيات أولا وولوج عالم الاحتراف الحقيقي الذي يعطي للتكوين حقه، فشخصيا أرى أن الاستثمار الحقيقي يكون في الفئات الصغرى، كونها رأس المال في عالم الاحتراف.
لقد كانت بطولة استثنائية، ذات مستوى ضعيف، فقبل نهاية الموسم بمقابلتين كان بإمكان المهدد بالسقوط التتويج باللقب والعكس صحيح.
صراحة كنت أود الحديث عن سقوط مولودية العلمة، الذي يملك تعدادا ثريا جديدا و يعتبر واحدا من أحسن الفرق على الورق، وشخصيا أرى أن البابية انساقت وراء المشاركة القارية في منافسة رابطة أبطال إفريقيا، فضيعت تركيزها على الدوري المحلي، بالإضافة إلى دخولها المتعثر في البطولة الوطنية وسوء تسيير انطلاقتها محليا، أين كان يفتقد الفريق إلى التركيز والجدية اللازمة في التعامل مع المباريات، و من خلال تحليل لعديد مقابلات المولودية وقفت على امتلاكها كل مقومات الفرق الكبيرة، من وسائل بيداغوجية ممثلة في ملعبين (أحدهما معشوشب اصطناعيا وآخر اصطناعيا) وإمكانات مادية كبيرة جدا ولاعبين ممتازين و رجال يقفون وراء الفريق، ما يجعلني أقول أن سقوط مولودية العلمة إلى الرابطة الثانية خسارة كبيرة لكرتنا، واعتقد جازما أنه سيعود في أسرع وقت إلى حظيرة الكبار.
هذه الظاهرة نتاج متناقضات الكرة الجزائرية، لأنه من المفروض أن يكون أجر اللاعب وفق العطاء، وعلينا أن نسعى في اتجاه تحسين المستوى، ولن يتأتى ذلك إلا بالعودة إلى التكوين السليم والاعتناء بالفئات الشبانية.
لا هذه ليست قاعدة، وتسقيف الأجور في المجال الرياضي غير معمول به، على اعتبار أن الأجر يكون حسب القدرات الفنية والبدنية للاعبين.
لأننا صرنا نقوم بعملية عكسية، نتيجة لهث مسؤولي أنديتنا وراء «استيراد» اللاعبين سواء من إفريقيا أو المغتربين في أوروبا، لأننا نبحث عن «البضاعة» الجاهزة وهذا لا يسمح لنا بتطوير كرة القدم الجزائرية.
نحن نملك حاليا أحسن تعداد على مر الأزمنة، فمنذ الاستقلال إلى اليوم هذا المنتخب الوطني هو الأفضل بتعداده وتنظيمه. فتركيبته البشرية في مستوى عالمي بدليل أن معظم اللاعبين ينشطون أساسيين في فرق عالمية جد محترمة، ولكن للأسف الشديد كل لاعبيه مغتربين نتيجة عدم وجود البديل المحلي، وكما سبق وأن قلت أنديتنا صارت تستورد ولا تصدر لأنها أساسا لا تعتمد سياسة تكوين اللاعبين.
نعم هو قادر على ذلك، وإشكالية هذا الجيل في ذهنتيه الأوروبية، فكلما تواجد اللاعبون في الملاعب الإفريقية يكونوا عرضة لتأثيرات سلبية، ناتجة عن عدم معايشتهم تلك الأجواء، لكن الآن مع الخبرة المكتسبة أعتقد أنه يمكن التفكير في التتويج القاري، لأننا الأحسن قاريا وعربيا، رغم وجود بعض المنتخبات الإفريقية التي تعج بالنجوم في صورة منتخب كوت ديفوار.
لنكن صرحاء، ونقول أننا نجري وراء النتائج الفورية، ولو نعود إلى منهجية التدريب فالسؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح هو ما ذا يمكن أن يقدمه المدرب الأجنبي لفريق الأكابر، فمن الناحية البدنية اللاعب بلغ أقصى ما يمكن في هذه الفئة، والسرعة مثلا يتم تطويرها في سن متقدمة، وكذلك الشأن بالنسبة للمرونة والرشاقة، وعندما يقارب اللاعب سن الثلاثين تصبح لديه القدرة على تطوير القوة والمقاومة ضعيفة. ومن الناحية المهارية كل المهارات الحركية في رياضة كرة القدم تعلم وتطور وتحسن قبل سن العشرين، إذن ما الفائدة من استقدام مدرب أجنبي لا يمكنه تأطير الجانب البدني للاعبين أغلبهم في نهاية مشوارهم الرياضي.
وإذا كان لا بد من الاستعانة بالخبرات الأجنبية فالأفضل أن يتم ذلك على مستوى الفئات الشبانية، فمن الناحية الخططية المدرب يمكنه أن يؤطر اللاعبين عندما تكون هناك مكتسبات سابقة، ما يجعل المثل القائل فاقد الشيء لا يعطيه الأكثر شيوعا داخل الفرق.
لأن المدربين منشغلون بأمورهم الشخصية، وهذا ما جعلهم لا يتحدون ويبتعدون عن بعضهم البعض.
نعم فابتعادي عن الميادين أملته ظروفا معينة، فتكليفي بتسيير شؤون معهد الرياضة في السنتين الماضيتين، حال دون عودتي إلى الميادين ، ولكن الحمد لله سيتم تعيين مدير جديد للمعهد ما سيجعلني حرا من الالتزامات الإدارية، ومن ثمة العودة إلى مجال التدريب.
يضحك.. منذ سنتين وأنا معروف في المعهد بالجانب الانضباطي، فشعاري دائما الجدية والانضباط وتقديس العمل، مع عدم التسامح في الإخلال بهذه العوامل، وتطبيقي القوانين بصرامة جعل الطلبة وكل من في المعهد يطلقون علي لقب «السيسي» الذي في الحقيقة لا أشترك معه سوى في جانب الصرامة في التسيير.