وجدت جماهير أندية الرابطة المحترفة في زمن جائحة كورونا، طرقا وأساليب جديدة لدعم ومؤازرة فرقها عن «بعد»، بعد قرار إقامة المنافسة بمدرجات فارغة، كإجراء وقائي لتفادي انتشار الفيروس «اللعين»، الذي أوقف مختلف النشاطات الرياضة شهر مارس الماضي، قبل أن تعود للحياة من جديد، ولكن بقيود جديدة فرضتها الظروف الصحية الاستثنائية.
ووجدت الجماهير الجزائرية، خلال الموسم الحالي حلا آخر، أو أشكالا جديدة في التشجيع، في ظل الظروف الاستثنائية التي أبعدتهم عن أنديتهم ومدرجات الملاعب، التي كانت ملاذا لهم نهاية كل أسبوع، فعوض اكتفاء الأنصار المحبة لفرق أنديتنا المحترفة، بالمنشورات التحفيزية عبر مواقع التواصل الاجتماعي على اختلاف منصاتها، أضحى الأوفياء ممن كانوا أكثر تأثرا بإجراء «الويكلو»، يتفننون في ابتكار أنماط جديدة لمساندة لاعبيهم، ودفعهم نحو تحقيق النتائج المرجوة.
ومن بين أهم المظاهر الجديدة، التي شهدناها من طرف الجماهير في زمن الجائحة، الانتظار خلف أسوار الملاعب قبل، أثناء وبعد المواجهات لملاقاة وتشجيع اللاعبين، أو البحث عن أماكن خاصة بالقرب من مسارح المقابلات، كالبنايات والعمارات من أجل عدم تفويت أطوار ومجريات المواجهات، وكلها أمور منحت الانطباع بأن الجماهير الجزائرية العاشقة للجلد المنفوخ، تأبى الابتعاد عن الملاعب التي كانت متنفسا لها.
وبعد عودة عجلة المنافسة للدوران دون جماهير اتقاء للفيروس اللعين، يسعى الفاعلون لمجابهة تلك الأزمة، لتكون المباريات أكثر جاذبية، أولهم الأنصار ومجموعات «الإلتراس»، الرافضين الاستسلام لتداعيات الجائحة، حيث ظل رواد الملاعب خلف فرقهم، بعد اللجوء لأساليب جديدة تتماشى والظروف الحالية التي فرضها كورونا، ولئن كانت بعض المظاهر لا تلقى الاستحسان بسبب خرق التدابير الوقائية التي تحظر التجمعات.
طقوس استقبال واعتراض حافلة التشكيلة»ميزة» جديدة
تبنت جماهير بعض الفرق أساليب جديدة، بعد استئناف النشاط، حيث أضحت تنتظر وصول حافلة الفريق قبل المواجهات، للالتقاء باللاعبين وتحفيزهم عبر إشعال الألعاب النارية، وهو ما أعاد بعض من «الحيوية» للمباريات التي افتقدت لحماس الأنصار، وصنعت بعض الفرق الحدث على مدار الجولات الإحدى عشر الأولى، على غرار السنافر الذين لم يضيعوا أي مناسبة لفريقهم داخل الديار سواء خلال المواجهات التي أقيمت بملعب بن عبد المالك رمضان أو حتى بعد الانتقال إلى عابد حمداني بالخروب، أين رسموا لوحات فنية جميلة بالرايات والشماريخ، في خرجات استحسنها الجميع، ولئن لم تكن كافية لتحقيق النتائج المرجوة، على عكس أنصار شباب بلوزداد الذين خطفوا الأضواء بمبارياتهم بملعب 20 أوت، في ظل الحشود الكبيرة التي تتدفق على محيط الملعب، قبل كل لقاء، إلى درجة جعلت اللاعبين مصدومين لروعة مشاهد الاستقبال، بدليل الفيديوهات والصور الملتقطة من قبل اللاعبين، والمنشورة فيما بعد عبر حسابات «الفايسبوك» و»أنستغرام»، وباتت ميزة استقبال حافلة الفرق قاسما مشتركا بين جميع أنصار أندية الرابطة المحترفة، خاصة في ظل الاشتياق الكبير لأجواء المدرجات، بعد أكثر من سنة عن إقرار خوض المباريات دون جمهور.
ويتكرر اللقاء بين الجمهور وناديه بعد نهاية المباراة، سواء في حال تحقيق الفوز أو الهزيمة، حيث يحاول الأنصار تهنئة اللاعبين بالنقاط المحققة أو معاتبتهم على إهدارها، وهو ما لاحظناه في مباريات شباب قسنطينة التي شهدت تعثرات بالجملة داخل الديار، إلى درجة زادت من أعداد الجماهير المتدفقة بموقف «الترامواي» قرب ملعب بن عبد المالك أو بالشارع المحاذي لملعب عابد حمداني وسط مدينة الخروب.
استعارة «لحظات تشجيع» من الزمن الجميل
اشتاقت المدرجات لحشود محبي كرة القدم، كما حنّت للأصوات والهتافات والاحتفالات، ولئن أقدمت بعض الفرق بالتنسيق مع مسؤولي الملاعب، على استخدام تسجيلات الهتافات الشعبية لمنح الانطباع للاعبين، بأن المدرجات ليست شاغرة، وهو ما تبنته الأندية الأوروبية منذ الموسم الماضي، عقب استكمال مختلف المنافسات، وشاهدنا على مدار المباريات المنقولة عبر مختلف القنوات الوطنية، لحد الآن أغاني وأهازيج الأنصار، في خرجة لجأ إليها مسؤولو التلفزيون العمومي صاحب حقوق البث، وزادت من ندية المباريات ومتعتها، ولو أن لا أحد بإمكانه أن ينوب عن تواجد الجماهير بالمدرجات، حيث تمنح رونقا وجمالا أكبر للمواجهات، التي لم تعد بذات النكهة المعتادة قبل كورونا.
المرتفعات والشرفات «لمن استطاع إليه سبيلا»
تعوّدت الجماهير العاشقة لكرة القدم، على بعض العادات والطقوس التشجيعية، خلال المواسم الماضية، عندما تتعرض فرقها لعقوبة «الويكلو» لأسباب انضباطية، حيث تلجأ للمرتفعات والشرفات المحيطة بمسارح المقابلات، من أجل عدم تضييع المواعيد المحلية، وهي الظاهرة التي باتت «ميزة» الموسم الكروي الجديد، في ظل عدم السماح للأنصار بالتواجد في المدرجات، بسبب الجائحة.
وباتت الأماكن التي نتحدث عنها تحظى بمكانة مرموقة، وهناك من يستغل الوضع لإجبار الأنصار على دفع مبلغ مالي، مقابل الظفر بفرصة متابعة فريق القلب، وهو ما لاحظناه عبر ملاعب بن عبد المالك رمضان بقسنطينة، والسيدة الإفريقية بالعاصمة المحاذية لملعب عمر حمادي ببولوغين، دون نسيان العمارات المحيطة بملعب 20 أوت، الخاص ببطل الموسم الماضي شباب بلوزداد.
وصنعت جماهير شباب بلوزداد الحدث خلال آخر جولة من البطولة، عندما استقبل أشبال فرانك دوما الضيف وفاق سطيف، في مواجهة قمة الترتيب السبت الماضي، على ملعب 20 أوت، الذي كان خاليا من الجماهير، بسبب التدابير الوقائية لفيروس كورونا، مثلما يحدث في كل ملاعب العالم، وأقدم مشجعو «السياربي» عند الدقيقة 62، على إشعال عدد كبير من الألعاب النارية في الغابة والمرتفعات المحيطة بالملعب ومن شرفات أحد الأبنية المطلة على الميدان، في خطوة تشجيعية لفريقهم، رغم تأخره في النتيجة بهدف عبد الحق دباري، قبل أن يعدل المحليون النتيجة مع نهاية الشوط الثاني.
ويعود اختيار مشجعي الشباب الدقيقة 62 لإشعال الشماريخ ورفع الرايات، إلى تاريخ تأسيس النادي في عام 1962، حيث اعتاد أبناء العقيبة على مثل هذه الخطوات، والخرجات من مدرجات الملعب، قبل أزمة فيروس كورونا.
مدمنو التنقلات لم يستسلموا للفيروس
وذهب محبو فرق أخرى، إلى أبعد من التشجيع بمحيط الملعب أو العمارات المحاذية، حيث فاجأوا الجميع بتنقلاتهم خارج الديار، رغم إدراكهم باستحالة متابعة المباريات عن قرب، ومن بين الجماهير التي نتحدث عنها جماهير مولودية الجزائر، التي تنقلت في الجولة العاشرة مع الفريق إلى غاية مدينة تلمسان رغم بعد المسافة، حيث شجعوا أشبال نبيل نغيز، رغم هزيمتهم بهدف، كما صنع «سنفورين» الحدث خلال سفرية بشار، بعد تنقلهما خلف الفريق، في محاولة للرفع من معنوياته، خاصة في ظل أزمة النتائج التي لاحقت الشباب من بداية الموسم، ليظل «الكورتاج» الذي صنعه الشناوة عند تنقل فريقهم إلى مدينة سطيف لمواجهة المتصدر الوفاق الأبرز، حيث رافقت حافلة الفريق في الطريق السيار «شرق – غرب»، أزيد من 20 سيارة، وسط احتفالات صاخبة لاقت استغراب من تصادف مرورهم مع الموكب الاحتفالي، حيث ظلوا يتساءلون عن هوية الفريق وقيمة الحدث ليتفاجؤوا في آخر المطاف، بأن الأمر لا يتعدى أن يكون خرجة تحفيزية، حاول من خلالها هؤلاء الأنصار «المجانين»، دفع التشكيلة للعودة بالانتصار من عين الفوارة، وهو ما تحقق في آخر المطاف، ونال منه الأنصار النصيب الأكبر من الفضل، بدليل التصريحات التي أدلى بها المدرب نغيز، وحتى رفاق معاد حداد المدلل الأول للشناوة هذا الموسم.
سمير. ك