وكلاء اللاعبين .. مهنة عصيّة بسبب السماسرة الدخلاء
أضحت مهنة وكيل أعمال اللاعبين في الجزائر، «مهنة» من لا مهنة له، في ظل الفراغ القانوني والثغرات الموجودة على مستوى المنظومة الكروية، فضلا عن غياب التنظيم في هذا المجال الذي بات في متناول كل «جريء»، خاصة في غياب التدابير اللازمة من قبل الاتحادية الجزائرية لكرة القدم، للحد من هذه الفوضى التي هيمنت على الوسط الرياضي، إذ لم تقم «الفاف» رغم محاولاتها الأخيرة، بأي مبادرة أو مجهود لوضع حد للمهازل، التي شوّهت صورة الكرة المحلية.
ويبدو أن هناك إجماع بخصوص تدني المستوى التعليمي لبعض «المناجرة» وتسببهم في استفحال الكثير من الظواهر السلبية ببطولتنا، فجلهم لا يفقه القوانين المعمول بها في عالم كرة القدم، وغير مُلم بكيفية الدفاع عن حقوق «الموكل» وحمايته من النصب والاحتيال، وتبعات فشل التجربة، والأمثلة متعددة، إلى درجة أن هناك صراعات قد طفت على السطح بين لاعبين ومناجرة وحتى بين وكلاء وبعض الأندية، التي وجدت نفسها مجبرة على التخلي عن لاعبين، أمضوا بضمانات من قبل وكلاء أعمالهم، قبل أن يصدم المسؤولون بأدائهم الهزيل.
وفي ظل الصورة القاتمة، التي رسمها وكلاء اللاعبين الجزائريين عن عملهم، وصل الحد ببعض المختصين لوصف المناجرة بـ «اللوبي»، المتحكم في الدواليب رغم عدم إتقان المهنة، لتكون النتيجة صدامات وإشكالات قانونية تلوث علاقة الفاعلين، وكل هذا بحثا عن كسب المال ولا شيء غيره.
والأدهى من كل هذا، هو وجود فئة تنشط على نطاق واسع وتتصدر «أرقامها» ترتيب عدد الصفقات، في وقت لا تجيد حتى فهم بنود العقود التي أمضى عليها «الموكلون»، والرابطة تجيز الصفقة دون أن تتطلع أحيانا على حيثيات العقد، الذي يتم فيه وضع اسم المناجير.
وبالعودة إلى حقبة الثمانينيات والتسعينيات وحتى بداية الألفية، لم يكن اللاعبون الجزائريون الناشطون في الأقسام الأولى، بحاجة إلى وكيل أعمال أو مناجير، يجلس محلهم إلى طاولة المفاوضات لضمان حقوقهم المادية، غير أن الأمور عرفت منحى آخر مؤخرا، في ظل ظهور موجة من اللاعبين استثمرت في «علاقات» بعض المناجرة، من أجل الظفر بعقود خيالية، خاصة مع تكالب الأندية على الأسماء، واستعدادها لدفع أجور باهظة، مقابل إرضاء الجماهير الغاضبة.
الفاف متهمة بفتح المجال أمام الدخلاء
اتهم وكلاء ناشطون في الساحة الكروية، معروفون لدى الجميع بخبرتهم ومستواهم العالي، الاتحادية الجزائرية بفتح المجال أمام الوكلاء الدخلاء، من خلال دعوة المدرجين في قوائم «الفاف»، إلى إصدار إعلانهم السنوي وتسليمه إليهم، وإرفاق نسخ من الإقرارات الضريبية الداخلية، التي تم إدخالها خلال عام 2019، ولئن كانت الهيئة الكروية، قد وصفت المناجرة أو وسطاء اللاعبين، بناء على التسمية الجديدة الممنوحة لهم، غير المدرجين على قائمتها المعلنة بغير المعترف بهم، من قبل هيئات كرة القدم الدولية والقارية.
هذه شروط الوكيل الناجح عبر العالم
وعلى نقيض ما يحدث ببطولتنا المحلية، التي شوّهتها المشاكل المفتعلة من عديد الفاعلين في المحيط الرياضي أبرزهم وكلاء اللاعبين، يتسابق نجوم الكرة عبر العالم لإبرام عقود مع كفاءات تمتلك من الدهاء القانوني، فضلا عن الحس الرياضي من أجل صيانة وحماية حقوقهم، إذ أن الوكيل الناجح يجب أن يمتلك أساسا شهادة عليا في القانون الرياضي، وفي غالبية الحالات نجد المناجرة العالميين خريجي معاهد الحقوق، هذا بالإضافة إلى حنكة في المعاملات المالية، وخبرة رياضية كبيرة لا تجعله مجرد عارف بالنظريات فقط، ولكن ما نكتشفه في هذا الملف أن أشخاصا نادرين كسروا القاعدة، بقدومهم من وراء الستار ليصبحوا نجوم إدارة الأعمال.
نجوم سطعت وأخرى أفلت بسبب «الوسيط»
ومما لا شك فيه هو أن الوكيل، يبقى رقما صعبا جدا في معادلة كرة القدم، كونه يقف في غالب الأحيان وراء سطوع أسماء أو أفول أخرى، وذلك من خلال علاقاته الواسعة والممتدة إلى رؤساء الأندية والمسؤولين والمدربين، وهو ما يجعله يتحكم في انتقال لاعب حيثما يشاء، لتتدخل لاحقا عوامل أخرى، مثل مقابله المادي أو حتى خلفيات أخرى لا علاقة لها بالرياضة، ونجد في الجزائر أن هناك لاعبين، قد التحقوا بفرق كبيرة تلعب الأدوار الأولى، بفضل «مكانة» المناجير الذي يتعاملون معه، حتى وإن كانوا لا يمتلكون المستوى المطلوب، مقارنة بعناصر أخرى ناشطة في فرق متواضعة، رغم مؤهلاتها الفنية العالية.
اللاعب الجزائري بعقلية «من يجلب لي فريقا هو مناجيري»
هناك إجماع لدى الفاعلين في محيط الكرة الجزائرية، أن اللاعبين الحاليين قد تسببوا في استفحال الظاهرة، باعتبار أن أغلبهم يمتلكون أكثر من مناجير يتعاملون معه، ويميلون حيث مالت الكفة، أي بمعنى من يجلب لي فريقا هو مناجيري، حتى وإن كانوا قد وقعوا عقود التزام مع وكلاء معروفين وقانونيين، وهناك الكثير من الأمثلة في هذا الصدد، فمثلا شباب قسنطينة خلال الميركاتو الصيفي للسنة ما قبل الماضية، كان في طريقه للتعاقد مع ثنائي سريع غليزان عايش وفتح الله، بعد الاتفاق الحاصل بين وكيل أعمالهما والمدير الرياضي السابق عدلان بوخدنة، غير أن الصفقتان سقطتا في الماء، بعد ظهور مناجير آخر، يدعي امتلاكه عقد التزام مع اللاعبين، مما يؤكد بأن هناك فئة من اللاعبين ببطولتنا المحلية، لا تهتم سوى بكيفية الظفر بعقود محترمة، تضمن لها رواتب عالية.
اختبار المناجرة دون شروط، ولكن..
من بين الأسباب التي أدت إلى استفحال الظاهرة، القوانين السابقة المنظمة لعمل المناجرة، فالمسؤولين السابقين في بيت «الفاف» كانوا لا يشترطون من الراغبين في اجتياز اختبار المناجرة الكثير من الأمور، ويكتفون بأشياء بسيطة، على غرار ملف إداري جد بسيط، يمكن أي شخص من الترشح لكسب الاعتماد، وإن كان لا يفقه شيئا في القوانين، فالمهم أن يحفظ بنود تنقلات اللاعبين الموجودة على الموقع الرسمي لـ «الفيفا»، وكلها أمور جعلت مهنة الوكيل في الجزائر فضاء لمن هب ودب، غير أن هيئة خير الدين زطشي، سعت لتنظيم هذه الوظيفة بسن قوانين جديدة تحدد عمل الوكلاء، الذين باتوا يسمون بالوسطاء، وقائمتهم منشورة على مستوى الموقع الرسمي للاتحادية، وذلك بعد إصدار الجميع للإعلان السنوي، وتسليمه إلى غرفة خاصة تابعة للفاف، مع إرفاق الملف بنسخ من الإقرارات الضريبية الداخلية.
لهذا السبب يفضل الرؤساء العمل مع «السماسرة»
بناء على عديد التجارب، يتحاشى بعض رؤساء الفرق الجزائرية العمل مع الوسطاء المعتمدين، وذلك بسبب الشروط والبنود التي يضعها مناجير اللاعب قبل إمضاء العقد الخاص بموكله، وهو ما يراه رؤساء الأندية بالأمر التعجيزي بالنسبة لهم، ولذلك يفضلون إبرام العقود مع «سماسرة» أو الوسطاء المنتشرين بقوة في الوسط الرياضي الجزائري، نظير حصولهم على عمولات مقابل ذلك.
ولا يعد المسؤول المتهم الوحيد في التعامل مع السماسرة، فحتى بعض المدربين يمتلكون سجلا أسود في هذا الخصوص، وهناك انتقادات قد طالت البعض منهم في عملية إبرام العقود، إذ يفضلون العمل مع فئة محددة، حتى وإن كان هؤلاء عاجزين عن جلب أسماء تليق بقيمة الفريق الذي يعملون فيه، وهمهم الوحيد يتمثل في كيفية الحصول على العمولة أو المقابل نظير تزكية المناجير.
ترتيب المباريات أخطر تهمة تُكال للوسطاء
يفضل بعض الرؤساء التعامل مع وكلاء محددين، على اعتبار أن ذلك كفيل بوضع شروط، تتوافق ومصالحهم ودون اعتراض المناجير، وهنا يوجه لوكلاء اللاعبين، اتهامات خطيرة تصل إلى حد التشكيك في النزاهة، فمثلا هناك من يتهم هؤلاء ببيع وشراء الذمم وترتيب نتائج المباريات، خصوصا في الأقسام الهاوية، ويكفي أن هناك الكثير من القضايا على مستوى العدالة الجزائرية، لعّل أبزرها قضية شباب باتنة وشبيبة الساورة.
ويبدو أن الاتهامات التي طالت بعض الوكلاء أو المناجرة لديها ما يبررها، فهناك العديد من الأسماء، تقف وراء التلاعب بنتائج المباريات في عديد الأقسام، بحكم علاقتهم الوطيدة مع المدربين والحكام وحتى اللاعبين، وهو ما لطخ صورة هذه الفئة، وفتح الباب على مصراعيه، أمام الانتقادات اللاذعة، والتشكيك في احترافيتهم وصلاحياتهم، التي قد تتعدى تحويل اللاعب من وإلى أي ناد.
«أقرباء» يقتحمون المجال
تشكلت صورة قاتمة عن وكلاء اللاعبين في الجزائر لدى الجماهير وحتى المسؤولين، نظير الممارسات التي يقومون بها، فإلى جانب اتهامهم بالبزنسة وقلة الاحترافية والتلاعب بنتائج المباريات، يجازف الكثير منهم بمشوار اللاعبين الشباب، مقابل الاستحواذ على رواتبهم الشهرية، وهو ما جعل جل المواهب الصاعدة تنطفئ شمعتها في بداية المشوار، ولئن كانت موجة من اللاعبين قد فضلت تجنب العمل مع الوكلاء لعديد الاعتبارات التي سبق أن ذكرناها، متجهة نحو أفراد العائلة، أين بدأت هذه الفئة تكتسح المجال، وهناك العديد من الأمثلة، بداية بوالد الدولي يوسف بلايلي، حتى وإن كان الأخير قد أعيب عليه عدم التعاقد مع وكيل عالمي، يكفل له الظفر بعقد مع إحدى النوادي الأوروبية، خاصة مع تألقه الكبير مع الخضر، كما يوجد أولياء آخرون يسيرون مشوار أبنائهم، على غرار شقيق بن عيادة الأكبر وأخ عبيد مهاجم السنافر، ووالد الموهبة الصاعدة محمد البشير بلومي الأسطورة لخضر بلومي، ولئن كان الأخير يتواصل مع الجميع، لنقل نجله إلى أوروبا، فضلا عن كثير العناصر، التي منحت شرف قيادة مشوارها لآبائهم أو أشقائهم.
مكتب المناجير نعمة أم نقمة !
أمام التطور الكبير الحاصل في عالم كرة القدم، التي باتت تذر أموالا طائلة على اللاعبين وحتى وكلاء اللاعبين، لجأ بعض المناجرة في الآونة الأخيرة، إلى فتح مكاتب خاصة من أجل تنظيم عملهم، وتسهيل تواصلهم مع الأندية واللاعبين لترتيب الانتقالات ودخول سباق الانتقالات، وهنا يرى البعض بأن هذا التوجه لديه الكثير من المكاسب، فيما اعتبر البعض إنشاء مثل هاته المكاتب بالعادي، وحجتهم أن فكرة المكاتب لا توجد أصلا على أرض الواقع، لأن كل مناجير معتمد لديه ملفات اللاعبين، ويختار لهم الوجهة التي يراها الطرفان مناسبة، وربطوا فكرة تنظيم المكاتب بضرورة المرور على «الفاف»، بالمقابل، دافعت أطراف أخرى على فكرة مكاتب المناجرة، مؤكدة أن طريقة اعتماد مكاتب للوكيل، تنم على احترافيته وعمله بالمعايير الدولية في مجال الدفاع عن مستقبل اللاعبين، وراح البعض إلى الجزم بأن مكتب مناجير هو مكتب مشابه لمكتب المحاماة، لأنه من غير المعقول أن الوكيل يمتلك العشرات من ملفات موكليه، ما يجبره على العمل في أريحية بمكتبه.
سمير. ك
المناجير المعتمد فيصل عبيد للنصر
الدخلاء استثمروا في «مصالح» الرؤساء
قال الوكيل المعتمد فيصل عبيد، الذي كان وراء انتقال بن عيادة وفرحي إلى البطولة التونسية في فترة الانتقالات الصيفية الماضية، إن المصلحة الشخصية لبعض الرؤساء والمسؤولين، وراء تعاملهم مع بعض الدخلاء، مشيرا بأن الوقت قد حان لتكوين الوسيط واجتيازه بعض الاختبارات، وفي هذا الخصوص أضاف للنصر:" هناك فئة شوّهت صورة الوكيل، خاصة مع تزايد عدد السماسرة والدخلاء، وهذا بفضل بعض الرؤساء، الذين يفضلون العمل خلف الستار، بحثا عن مصالحهم الشخصية، في انتظار أن تضع الفاف حدا لهذه المهازل، من خلال إعادة تنظيم عمل الوسيط، والبداية بإجباره على اجتياز بعض الاختبارات، لأن هناك من يعمل في المجال ومستواه لا يسمح له بذلك، نظرا لجهله بالقوانين".
س. ك
الوكيل المعتمد إلياس فلاحي للنصر
ننتظر تحسن الوضع مع دفتر الشروط الجديد
يرى الوكيل إلياس فلاحي، بأن تنظيم عمل المناجرة بات أولوية، مشيدا بالتدابير التي اتخذتها الفاف مؤخرا في سبيل قطع الطريق أمام السماسرة والدخلاء، وأردف في تصريح للنصر قائلا:"الاتحادية الجزائرية لكرة القدم، سعت إلى فرض شروط معينة في بداية الأمر، وكل مرة تفرض دفتر شروط أكثـر صرامة لمراقبة عمل الوسطاء، فمثلا في شهر سبتمبر الماضي، اشترطت وضع عقود الوسطاء وفي شهر ديسمبر طلبت التصريح السنوي، بالعمولات التي تحصل عليها الوكيل".
وتابع المناجير الذي أبرم عقودا كبيرة في تونس، من خلال نقل كل من بدران وشتي وبن ساحة إلى الترجي التونسي، فضلا عن تكفله بصفقات بلخيثر وبلقروي وعدة أسماء لامعة:"سأكون صريحا معكم، من الناحية العملية، نجد أن الوسيط الجزائري يملك طريقة سلسلة للتسويق، ولكن من ناحية التكوين وجهله بالقوانين فهذا عائق كبير للكثير، وخاصة في إبرام العقود بالبلدان الأجنبية، كونها عقود حرة غير مقيدة، عكس ما هو موجود عندنا في الجزائر، وهو ما اقترحناه على غرفة أوضاع وانتقالات اللاعبين، من أجل رسكلة الوسيط، وكذا القيام بعمل دورات تكوينية، وهو ما تم الموافقة عليه، وسيكون في القريب العاجل".
س .ك