إقالة المدربيـن.. قرارات مـلازمة لبطولة المحترف !
جسّدت النسخة رقم 12 لبطولة الرابطة المحترفة، افتقار النوادي الجزائرية لاستراتيجية العمل التي يكون أساسها الاستقرار على مستوى العارضة الفنية، سعيا لتنفيذ مشروع رياضي على المديين المتوسط والطويل، بدليل أن موجة الإقالات والاستقالات ظلت ميزة أساسية تطبع البطولة الوطنية، وحصادها كان وفيرا خلال الموسم المنقضي، بسقوط 24 ضحية، من قائمة إجمالية ضمت 42 مدربا، وكانت الغالبية من الضحايا بسبب سوء النتائج، على اعتبار أن مصير الطاقم الفني أصبح مقترنا بالنتائج الفورية، في الوقت الذي احتفظت فيه 4 أندية بمدربيها على مدار موسم كامل، ليبقى استقدام التقنيين الأجانب «الموضة» التي يلجأ إليها مسيرو الفرق، مع تسجيل حضور قوي للمدرسة التونسية، مقابل تراجع فكرة المراهنة على «الهندسة» الفرنسية بشكل ملحوظ.
قراءة: صالح فرطــاس
حركية المدربين خلال الموسم الكروي المنقضي كانت استثنائية، وخاتمة المشوار كانت بتواجد سبعة تقنيين أجانب في مناصبهم على مستوى بعض النوادي، لكن قرار الإستغناء عن الخدمات كان سريعا، بالاعلان عن عدم تجديد العقد، أو حتى فسخه من طرف واحد، كما حدث مع التقني الصربي داركو نوفيتش، الذي لم تنتظر إدارة وفاق سطيف سوى 24 ساعة عن نهاية المشوار، لتتخذ قرارها بشأن مستقبله، والأمر نفسه ينطبق على المدرب التونسي خالد بن يحي، الذي وإن كان من بين الحالات الاستثنائية، ببقائه على رأس العارضة الفنية لمولودية الجزائر طيلة موسم كامل، رغم الفشل في حجز مقعد فوق «البوديوم»، إلا أن قرار عدم تجديد عقده تم التلميح إليه مباشرة بعد الجولة الختامية.
بالموازاة مع ذلك، فإن نجاح شبيبة القبائل في إنهاء الموسم في الوصافة، واقتطاع تأشيرة دوري أبطال إفريقيا لم يشفع للمدرب التونسي عمار السويح بالظفر بتزكية إدارة «الكناري»، حيث غادر السويح تيزي وزو بعد مباراة الختام، مع وضع نقطة النهاية لمغامرته مع أبناء «جرجرة»، والتي كانت ناجحة «محليا»، بعد إخفاق في المنافسة القارية.قرار الاستغناء عن الخدمات بعد نهاية الموسم لا يُدخل الثلاثي المعني ضمن قائمة ضحايا الموسم المنقضي، لأن الأمر يتعلق بالموسم القادم، وعليه فإن خالد بن يحي كان من بين الرباعي الذي صنع الاستثناء، بالنجاح في قيادة فريق طيلة موسم كامل، وهذا الأمر يشمل أيضا شباب بلوزداد، الذي شذ عن المألوف، وفضل الاعتماد على المدرسة البرازيلية، باستقدام المدرب ماركوس باكيتا، في قرار أعاد حضور تقنيي بلاد «السامبا» إلى البطولة الجزائرية، وقد كان هذا الخيار ناجحا، سيما وأن ثماره تمثلت في نجاح تشكيلة «العقيبة» في تحقيق انجاز تاريخي، من خلال التتويج بلقب البطولة للمرة الثالثة على التوالي، ولو أن الشباب فشل بالموازاة في الظهور بقوة على الساحة الإفريقية.
سمير زاوي «نموذج» للاستقرار وبوزيدي يصنع الاستثناء
يبقى المدافع الدولي السابق سمير زاوي من الحالات «الشاذة» في البطولة، لأن مغامرته مع جمعية الشلف تبقى متواصلة لموسم آخر، ونتيجة الاستقرار في الطاقم الفني اتضحت بصورة جلية، بنجاح الفريق في تأدية واحد من أفضل مواسمه في الرابطة المحترفة، بعد ذلك الذي كان في النسخة الأولى للاحتراف، لما كان زاوي قائدا للتشكيلة، وتوج «الشلفاوة» باللقب لأول مرة في تاريخهم، لأن المعطيات تغيرت و»أسود الونشريس» لم تعد قادرة على الصمود مع «الكبار» بسبب الأموال، لكن بصمة زاوي ارتسمت ميدانيا، ليصبح بمثابة «نموذج» «المحلي» الناجح، لأنه تقني شاب، رفع التحدي مع النادي الذي كان وفيا لألوانه في مشواره كلاعب، لتتواصل العلاقة الحميمية عند دخوله عالم التدريب، وحصيلة الفريق في مرحلة الإياب من الموسم المنقضي أبرز دليل على هذا النجاح، لأن «الشلفاوة» كانوا قريبين من «البوديوم»، بعد جمع 30 نقطة في الإياب.
من جهة أخرى، فإن مغامرة يوسف بوزيدي مع اتحاد بسكرة كانت مميزة وناجحة، لأن «خضراء الزيبان» أدت أفضل موسم لها مع «الكبار»، في خامس ظهور للفريق في الوطني الأول، على اعتبار أن الاتحاد كان في المواسم الفارطة يصارع من أجل ضمان البقاء في الرابطة المحترفة، وقد نجا في مناسبتين، مرة عند توقف المنافسة بسبب جائحة كورونا، والأخرى الموسم الفارط في الجولة ما قبل الأخيرة، مقابل تجرع مرارة السقوط مرتين، لكن التشكيلة التي قادها بوزيدي صنعت الحدث، من خلال الظهور بمستوى أفضل، وحصد نتائج فاقت كل التوقعات، إلى درجة أن الاتحاد ضمن وبنسبة كبيرة جدا البقاء في نهاية مرحلة الذهاب، بحصده 29 نقطة.
هذه المسيرة نتجت عن الثقة التي وضعتها إدارة النادي بقيادة تريعة في المدرب بوزيدي وطاقمه، رغم أن المدرب الرئيسي كان قد غاب عن العديد من المباريات لأسباب صحية، غير أن مساعده بوطاجين واصل المشوار بنفس «الديناميكية»، ليخرج الفريق نهائيا من دائرة الحسابات مبكرا، ويكون المفاجأة السارة للبطولة.
حضور قوي للهندسة التونسية والكوكي رحل
أما بخصوص المدربين الأجانب، فإن المدرسة التونسية بصمت على حضورها بشكل لافت، لأن 7 تقنين تونسيين أشرفوا على فرق جزائرية، وقد أرجع المتتبعون الميول إلى هذا «الرهان» إلى النجاح الذي حققه نبيل الكوكي في مغامرته مع وفاق سطيف، والتي كانت قد أدركت موسمها الثالث، لكن هذه العلاقة توترت هذا الموسم، مما استوجب وضع نقطة النهاية لمسيرة الكوكي مع «النسر الأسود».وفي نفس السياق، فقد اضطر لطفي السليمي إلى مغادرة العارضة الفنية لأولمبي المدية بعد التخلي عن خدماته، على خلفية التراجع الكبير في النتائج في نهاية مرحلة الذهاب، في حين لم تكن عودة معز بوعكاز إلى مولودية وهران موفقة، لأنه كان قد خلف عزالدين آيت جودي، إلا أنه لم يعمر طويلا، وكان مصيره الإقالة بسبب تواضع النتائج، بينما امتدت مغامرة قيس اليعقوبي مع شبيبة الساورة إلى غاية الجولات الأخيرة من الموسم، وقد كان الطلاق معه بالتراضي، في شقه الإداري، لكن الفشل في الذهاب بعيدا في كأس الكاف جعل إدارة زرواطي تعيد النظر في موقفها من التقني التونسي، سيما وأن «نسور الجنوب» كانت قد رهنت حظوظها في التنافس على اللقب، وكانت تتنافس فقط على مقعد فوق «البوديوم».تواجد أربعة أسماء تونسية ضمن قائمة التقنيين الذين مستهم الإقالات والاستقالات، قلّص من حضور المدربين «التوانسة» عند بلوغ البطولة خط النهاية، حيث ضمت القائمة الختامية 3 مدربين فقط، من بينهم خالد بن يحي وكذا عمار السويح، الذي كان رهان إدارة شبيبة القبائل كخليفة للفرنسي هنري سطمبولي، وقد قاد «الكناري» للوصافة، مع ضمان المشاركة في دوري الأبطال الموسم المقبل، في حين ارتدى لسعد معمر ثوب رجل «الانقاذ» في نجم مقرة، لأن هذا المدرب لم يكن معروفا في الساحة، لكنه تمكن من قيادة «المقراوية» إلى تحقيق البقاء قبل جولتين من النهاية.
عزوف عن الخيار الفرنسي والتجربة الصربية فاشلة
شهد الموسم المنصرم تراجع مسيري النوادي الجزائرية عن فكرة المراهنة على التقنيين الفرنسيين، وكأن تجربة المدرسة الفرنسية لم تعد ناجحة في البطولة الوطنية، و»سيناريو» هنري سطمبولي مع شبيبة القبائل يبقى أبرز دليل على ذلك، لأن إدارة «الكناري» اعتادت على جلب مدربين فرنسيين، لكن تجربة سطمبولي لم تدم طويلا، ليجد نفسه ضحية قرار إقالة، وقد خلفه التونسي عمار السويح في الجولات الأولى، بينما راح دونيس لافان ضحية النتائج السلبية التي سجلها اتحاد الجزائر في الثلث الأول من المشوار، رغم أنه متعود على أجواء البطولة الجزائرية، غير أن رفع أبناء «سوسطارة» عارضة الطموحات عاليا عجل برحيل لافان قبل إسدال الستار على مرحلة الذهاب، مما يعني بأن «الهندسة» الفرنسية لم تجد مكانا لها في النوادي الجزائرية خلال الإياب.
وفي سياق متصل، فإن اللافت للانتباه أن ميول بعض رؤساء النوادي نحو مدرسة أوروبا الشرقية، لم يكن كافيا لإيجاد حلول «ناجعة» بشأن المدربين، والدليل على ذلك أن التجربة التي فضلت إدارة اتحاد الجزائر بالاعتماد على خدمات تقني صربي كانت فاشلة، وقد اضطر المدرب كرومبوتيتش لحزم حقائبه بعد مغامرة مع «سوسطارة» لم تتجاوز 45 يوما، ليتكرر نفس «السيناريو» مع مواطنه نوفيتش، الذي كان عبارة عن ورقة أخيرة فضلت إدارة وفاق سطيف اللجوء إليها في الأنفاس الأخيرة من الموسم، غير أنها أثبتت فشلها الميداني الذريع، عند توقف المشاركة القارية في المربع الذهبي ببصمة الكوكي وخليفته بن دريس، ثم غياب الوفاق عن رباعي الصدارة، ليكون رد فعل إدارة النادي الإعلان بسرعة البرق عن قرار الاستغناء عن خدمات نوفيتش بعد ساعات فقط من آخر لقاء في الموسم.
وفي ذات الصدد، كانت لإدارة نادي بارادو تجربة استثنائية مع مدرب من مقدونيا، في خيار يحدث لأول مرة في البطولة الجزائرية، إلا أنه كان فاشلا، على اعتبار أن تواجد المدرب جوروفسكي في الجزائر لم يتجاوز الشهرين، ورحيله عبّد الطريق أمام البرتغالي فرانشيسكو شالو للعودة مجددا إلى «ّالأكاديمية».
«الشاطو وسوسطارة» بأعلى حصة من المدربين
وعرفت انتقالات المدربين بين النوادي حركية كبيرة، لأن 14 فريقا أقدموا على تغيير الطواقم، 6 أندية تداول عليها مدربان طيلة الموسم، بينما شهد نفس العدد من الفرق ارتفاع قائمة مدربيها إلى 3، ولو أن اللافت للانتباه في هذا الجانب أن السقوط المبكر لكل من وداد تلمسان، سريع غليزان حال دون القيام بتغيير آخر في طواقمها، مع لجوء العديد من رؤساء النوادي إلى خيار المدرب المؤقت، بتكليف المساعد بقيادة الفريق لفترة انتقالية، كما حدث مع عوامري في شباب قسنطينة، وكذا عبد السلام في نصر حسين داي، إضافة إلى مهال في شلغوم العيد .
وصنع إيغيل الاستثناء، وذلك بإشرافه على فريقين في ظرف زمني وجيز، حيث قاد هلال شلغوم العيد، ثم انسحب وانتقل إلى وداد تلمسان، إلا أنه لم يعمر طويلا، كما أن خليفته في الهلال عزيز عباس كان قد استهل مشواره مع نجم مقرة، ليكون الشريف حجار ثالث حالة استثنائية في هذه القائمة، باعتباره من بين التقنيين الثلاثة الذين تولوا مهمة تدريب فريقين من الرابطة المحترفة في موسم واحد، على اعتبار أن توقف مغامرته مع شباب قسنطينة فسح له المجال للانتقال إلى شلغوم العيد، في حين خرج كريم زاوي بذكريات جد سيئة من هذا الموسم، بحكم أنه قاد فريقين في مرحلتين مختلفتين من الموسم، إلا أن السقوط كان مصيرهما سويا، ويتعلق الأمر بنصر حسين داي وأولمبي المدية.هذا، وقد نالت تشكيلة «الشاطو» أكبر حصة من المدربين هذا الموسم، حيث تداول على العارضة الفنية 4 تقنيين، باحتساب «المؤقت» مهال، والأمر ذاته ينطبق على اتحاد الجزائر، الذي قاده 4 مدربين، في وجود فترة للمؤقت عز الدين رحيم، والخاتمة بالمساعد بن واحي، وبالتالي فإن أبناء «سوسطارة» كانوا الأكثر استهلاكا للخيار الأجنبي ( 3 مدربين أجانب).
ص/ ف