لم تقتصر المكتسبات التي جنتها الجزائر من تنظيم الألعاب المتوسطية في مدينة وهران على الاستفادة من منشآت وبنى تحتية من طراز رفيع، بل تعدتها إلى أمور أخرى، تتعلق بتغير نظرة الجمهور الجزائري للرياضات الأخرى من غير المعشوقة الأولى كرة القدم، فالمتتبع لآخر الأحداث والتظاهرات، يرى اهتماما متزايدا وغير مسبوق من قبل الجزائريين بالرياضات الفردية، على غرار ألعاب القوى والسباحة والملاكمة والكاراتي دو والجيدو، فضلا عن رياضات أخرى جماعية كانت في طي النسيان في الأعوام الأخيرة، ككرة اليد وكرة السلة.
تنظيم الألعاب المتوسطية، وما صاحبه من تغطية إعلامية كبيرة ومتابعة منقطعة النظير من الجماهير الجزائرية، انعكس بالإيجاب على نظرة الجزائريين للرياضات الأخرى من غير كرة القدم، فقد أصبحوا مهتمين أكثر بنتائج أبطالنا في مختلف الاختصاصات، على غرار ما جرى في بطولة العالم الأخيرة بأوريغون، فالكل كان يشجع الثنائي المتميز سجاتي ومولى، اللذين كانا وراء «سهر» الجزائريين إلى ساعة متأخرة ليلة الأحد الماضي، لا لشيء سوى لمتابعة نهائي سباق 800 متر، والذي نجح خلاله ابن مدينة السوقر في وضع الجزائر ضمن لائحة التصنيف العالمي، عقب افتكاكه للميدالية الفضية، كما أن الحسرة كانت شديدة لتضييع مولى فرصة الصعود فوق «البوديوم»، خاصة وأنه أبان عن مستوى باهر خلال الأدوار الإقصائية، إلى درجة تحول فيها إلى محبوب الجزائريين، الذين يعلقون عليه الآمال رفقة سجاتي لخلافة توفيق مخلوفي.
كما أن الاهتمام لم يقتصر على رياضيي ألعاب القوى فقط، بل تعداه إلى باقي الاختصاصات الأخرى، على غرار الكاراتي دو الذي بسط سيطرته على بساط الألعاب المتوسطية، في وجود أبطال في شاكلة زيد أسامة وسيليا ويكان ولويزة أبو ريش وشيماء ميدي، وهي الأسماء التي بات الجزائريون يحفظونها عن ظهر قلب، رفقة أبطال الملاكمة، وفي مقدمتهم نائبة بطلة العالم إيمان خليف التي صنعت الحدث مؤخرا عبر مواقع التواصل الاجتماعي، للمهارات التي تمتلكها في رياضة الفن النبيل، كما أن الشركات والمؤسسات أصبحت تتهافت عليها، لإبرام عقود إشهار معها لإدراكها بشعبيتها الجارفة.
ولم تنحصر المتابعة على الجمهور فقط، فحتى وسائل الإعلام منحت حيّزا كبيرا لباقي الرياضات منذ الألعاب المتوسطية، حيث لم تعد تهتم بكرة القدم فقط كما كان الحال في السنوات الأخيرة، بل سلطت الضوء على الرياضات الأخرى، فعلى سبيل المثال ركزت الصحافة منذ إسدال الستار عن ألعاب وهران على نتائج منتخب كرة اليد، وحاولت رفقة الفاعلين، تشخيص الأسباب وراء تراجع الكرة الصغيرة في الجزائر، بعد أن كانت مصدر البهجة الأول، دون نسيان الاهتمام بنتائج منتخب كرة السلة لفئة أقل من 18 سنة والذي خسر نهائي البطولة العربية أمام مصر، باصما على أداء أعاد الأمل لمستقبل هذه الرياضة المنسية.
ولم يكن الجزائري بالأمس القريب على علم بمواعيد التظاهرات والملتقيات الدولية، كونه كان يركز على منتخب كرة القدم ونواديه فقط، على عكس ما هو الحال الآن، حيث يسأل عن بطولة العالم لألعاب القوى، ويستفسر عن نتائج منتخب كرة السلة، وغيرها من الرياضات التي بدأت تستعيد البعض من شعبيتها.
ومما لا شك فيه تغيرت الكثير من المعطيات بعد تنظيم الألعاب المتوسطية، حيث حققت الجزائر مكاسب بالجملة وجب استغلالها للرقي بالرياضة أكثر، خاصة وأن الأخيرة أصبحت تحظى باهتمام كبير لدى الجزائريين، بدليل أن كل الوفود الحاضرة بوهران، انبهرت للحضور الجماهيري الرهيب لمختلف المنافسات.
وتولي الدولة الجزائرية أهمية كبيرة لمختلف الرياضات الأخرى من غير كرة القدم، بدليل الوعود المقدمة لمختلف الأبطال، تحسبا للاستحقاقات المقبلة.
سمير. ك
