أثبتت المواسم الماضية أن أنديتنا المحلية المصنفة في خانة النخبة، لم تحفظ الدروس المتعلقة بعواقب التعاقد مع المدربين الأجانب، رغم ما تسبب به هؤلاء من خسائر مادية كبيرة في النزاعات التي رفعت إلى الاتحاد الدولي لكرة القدم، الذي أرغم فرقنا منذ ولوج عالم الاحتراف (2011) على صرف تعويضات تقارب 100 مليار سنتيم لتقنيين أجانب، أثبتت التجارب أنهم لم يقدموا شيئا للكرة الجزائرية، بل على العكس أنهكوا خزائن فرقنا التي تنفق عليهم قبل وبعد التعيين أموالا طائلة دون الوصول إلى الأهداف المسطرة، على اعتبار أن قلة قليلة منهم من أهدت فرقها الألقاب، بخلاف الكفاءة المحلية التي كانت وراء جل الإنجازات الوطنية، ويكفي أن أغلى لقبين في تاريخ الجزائر تحققا مع عبد الحميد كرمالي وجمال بلماضي.
المدربون الأجانب، ورغم أن قصة النهاية معهم واضحة المعالم، ولا تحتاج لأي تصورات أخرى من غير اللجوء إلى المحكمة الرياضية الدولية في آخر المطاف، إلا أن هناك إصرارا غير مفهوم من مسؤولي أنديتنا المحلية على التعاقد معهم، حتى وإن كانت هناك قناعات بعدم مقدرة هؤلاء على حصد الألقاب المنتظرة، ولئن كان البعض قد ربط ذلك ببعض العوامل، وفي مقدمتها الاستجابة لمطلب الشارع الذي لم يعد يثق في التقني المحلي رغم كل ما قدمه للكرة الجزائرية.
وعادت "موضة" أو "تقليد" التقني الأجنبي لتُهيمن على مشهد الكرة الجزائرية منذ جائحة كورونا، حيث توجهت فرقنا المحلية بشكل مفاجئ وغريب لخيار المدربين التونسيين، ولئن كان هؤلاء قد فشلوا فشلا ذريعا في الوصول إلى الأهداف المرجوة، رغم ما يتقاضوه من رواتب مرتفعة، مقارنة ببعض الأسماء المحلية التي لا يتجاوز أجرها 150 مليون سنتيم، غير أنها تمتلك من الكفاءة ما يسمح لها بالبصم على نتائج مقبولة، كما أن الاحترام الذي تحظى به يساعدها على السيطرة على المجموعة التي تؤكد كل التجارب السابقة أنها تكون منفكة كلما كان ربان السفينة أجنبي، بالموازاة مع عدم معرفته لشخصية اللاعب الجزائري المغايرة لبقية لاعبي البلدان الأخرى حتى القريبة منا جغرافيا.
وعجّت أروقة المحكمة الدولية في المواسم القليلة الماضية بقضايا التقنيين الأجانب الذين رفعوا شكاوي ضد الأندية الجزائرية وفازوا بها، لتتحول بذلك هذه "المعضلة" التي أنهكت خزائن الفرق المحلية من اللاعبين إلى المدربين، على اعتبار أن الخسائر والتعويضات كان يتسبب فيها اللاعبون، قبل أن ينجح الرئيس الأسبق للفاف محمد روراوة في الحد من هذه الظاهرة السلبية، بعد منع جلب الأجانب ( الاكتفاء بعدها بصفقتين فقط)، ولئن كان الأمر مغايرا مع المدربين، كونهم باتوا يأتون على شكل طاقم موسع، وبالتالي التعويضات تكون من نصيب أربعة عناصر على الأقل ( مدرب ومساعد ومحضر بدني ومدرب حراس).
ورقـة الأجنبي حاضـرة بقوة مـذ الجائحة
وبالعودة إلى الموسم الحالي المقرر انطلاقته بتاريخ 26 أوت الجاري، توجهت غالبية الأندية الجزائرية لخيار التقني الأجنبي في سيناريو مشابه لما حصل في المواسم الثلاث الأخيرة ( منذ جائحة كورونا)، حيث فضلت 8 فرق لحد الآن أن تكون العارضة الفنية من نصيب مدربين غير جزائريين، ويتعلق الأمر بكل من وفاق سطيف الذي أبرم صفقة مع الناخب المصري السابق حسام البدري، فيما انتقل المدرب الأسبق للنسر السطايفي، التونسي نبيل الكوكي للإشراف على حامل اللقب في آخر ثلاث مواسم شباب بلوزداد، بينما تعاقدت شبيبة الساورة مع مواطنه ناصف البياوي، رغم أن الأخير لا يمتلك سيرة ذاتية قوية، مقارنة ببعض المدربين المحليين العاطلين عن العمل، أما مولودية الجزائر فقد جلبت المدرب البوسني المعروف فاروق هادزيغيبيتش، في خطوة يبحث من خلالها مسؤولو هذا الفريق للعودة إلى منصات التتويج، شأنهم في ذلك شأن شبيبة القبائل المتعاقدة مع البلجيكي جوزي ريغا ونادي بارادو الذي أعاد البرتغالي فرانشيسكو شالو، بينما ثبت اتحاد العاصمة التقني المغربي جميل بنواحي في منصب مدرب رئيسي.
جدير بالذكر أن شباب قسنطينة يتجه هو الآخر لتعيين مدرب أجنبي، بعد رفض خير الدين مضوي العدول عن قراره بالاستقالة، وهو ما قد يرفع حصة التقنيين الأجانب إلى 9 أسماء، في رقم كبير مقارنة بالكفاءات المحلية.
"تقليد" و"موضة" لإرضــاء الجماهيـر
وحسب أهل الاختصاص، فإن أسباب تفضيل الأجنبي غير مقنعة ولا تحتكم لمعطيات منطقية، بل التوجه لهؤلاء المدربين هو مجرد "تقليد" أو "موضة" لإرضاء الجماهير التي تغيرت نظرتها للمدرب المحلي في آخر المواسم.
ولم يعد المسؤول الجزائري يهتم للكفاءة والشهادات، بقدر ما يبحث عن رضا الأنصار، في محاولة للحفاظ على منصبه لأطول فترة ممكنة، وهو ما جعله يتعاقد مع الأجانب، حتى وإن كان مقتنعا في قرارات نفسه بعدم مقدرتهم على جلب أي شيء، ولاحظنا الموسم الماضي توجها غير مفهوم للمدرب التونسي، حيث أراد الجميع أن يقلد وفاق سطيف بعد البداية الموفقة لنبيل كوكي في موسمه الأول، والآن قد نشهد "هبة" نحو المدربين المصريين، بعد قدوم حسام بدري.جدير بالذكر أن رؤساء الأندية كانوا يفضلون في وقت سابق خيار المحلي، وبعدها انتقلوا إلى التقنيين الفرانكو- جزائريين، قبل أن يتفقوا على ورقة المدربين التونسيين، في انتظار "موضة" جديدة ستكون لا محالة على حساب المحليين.
أفضل إنجـازات الجزائر مع الكفاءة المحلية
ومما لا شك فيه هو أن مشاكل المدربين الأجانب أكبر منهم، فإلى جانب الخسائر التي تتكبدها الفرق، جراء التعاقد معهم، بسبب رواتبهم المرتفعة، يمكن القول أن نتائجهم مخيبة للآمال في غالب الأحيان، سواء تحدثنا عن تجاربهم مع المنتخبات الوطنية أو الأندية، فإذا ما استثنينا الفترة الذهبية التي قضاها البولوني ستيفان زيفوتوكو مع شبيبة القبائل (1977/1991)، والتي حقق فيها ألقابا كثيرة، بينها ثنائيات محلية، وكأس إفريقيا للأندية البطلة مرتين ( 81 و90)، فشلت الغالبية في البصم على النتائج المرجوة، حتى وإن نجحت في بعض الحالات لظروف ما، فمثلا الفرنسي برنارد سيموندي جلب كأس العرب لوفاق سطيف، وغادر من الباب الضيق في تجربتيه السابقتين مع كل من شبيبة الساورة وشباب قسنطينة،
علما وأن نجاحات الكرة الجزائرية اقترنت دوما بالأسماء المحلية، ويكفي أن لقبي كأس أمم إفريقيا للمنتخب الأول تحققا مع المدربين رشيد كرمالي وجمال بلماضي، كما أن كأس رابطة أبطال إفريقيا في نسختها الحديثة تحققت بفضل خير الدين مضوي، دون نسيان إنجاز شيخ المدربين رابح سعدان الذي أعاد المنتخب لنهائيات كأس العالم بعد طول انتظار، فضلا عن تتويجه بكأس العرب مع الوفاق، وحتى مولودية الجزائر حققت إنجازا غير مسبوق بحصد الثلاثية في فترة السبعينيات مع المدرب خباطو.
عقوبات الفيفا من اللاعبين إلى المدربين !
وتسبب عدد من اللاعبين الأجانب منذ ولوج عالم الاحتراف في جر فرقنا لأروقة المحاكم الدولية، بسبب العجز عن صرف مستحقاتهم العالقة في الأوقات المحددة، غير أن المعطيات تغيرت في المواسم الأخيرة، حيث انتقلت هذه «المشكلة» من اللاعبين إلى المدربين، في ظاهرة خطيرة تسببت في خسائر بالجملة وصلت حسب مصادر النصر العليمة إلى قرابة 100 مليار سنتيم في أقل من 11 سنة فقط، وهو ما رقم خيالي، مقارنة بفشل هؤلاء المدربين في تقديم أي إضافة إلى الكرة الجزائرية، العاجزة أنديتها عن المنافسة قاريا( رابطة الأبطال والكاف)، إذا ما استثنينا ما حققه وفاق سطيف سنة 2014 عند الفوز بمسابقة رابطة الأبطال.
وفاز عدد معتبر من المدربين الأجانب في عهد الاحتراف بقضاياهم ضد الفرق الجزائرية، لعل آخرهم التونسي معز بوعكاز الذي حكمت الفيفا لصالحه ضد مولودية وهران ب 3 ملايير سنتيم، إذا ما أرادت تفادي عقوبة خصم النقاط والحرمان من الميركاتو، دون الحديث عن نزاعات أخرى أنصفت هؤلاء التقنيين على حساب أنديتنا التي تشتكي الضائقة المالية، ولو أن هذا لم يمنعها من الإصرار على عاداتها السيئة.
طرق فسخ العقود "جريمة" مكتملة الأركان
وتعددت الأسباب وراء هذه الخسائر، وإن كان هناك إجماع لدى أهل الاختصاص أن جهل المسؤولين للعواقب وراء هذه الانتكاسات التي أضرت بالكرة الجزائرية وشوهت صورتها، خاصة وأن أغلبهم بصدد ارتكاب أخطاء يمكن تصنيفها كجرائم مكتملة الأركان في حق فرقهم والجزائر ، عقب إقدامهم على فسخ عقود هؤلاء التقنيين من طرف واحد، لا لشيء سوى لأنهم يودون التخلص منهم دون التفكير في الضرر المترتب عن ذلك، وهذا ما يسهل من مأمورياتهم عند اللجوء إلى الفيفا، على اعتبار أن لوائح الأخيرة واضحة وتصب في صالحهم، عند التعرض لمثل هكذا ممارسات، كما أن العقود المنجزة لا تحمي فرقنا، كونها خالية من أي بنود تقي عقوبات الفيفا، في حال فشل هؤلاء في تحقيق الأهداف المسطرة.
مطـالب بتجريم هذه المعــاملات
وفي حديث للنصر مع مختصين، طالب هؤلاء بتجريم مثل هكذا معاملات لمسؤولينا، كونها تتسبب في خسائر مالية ضخمة في عز الأزمة التي تعاني منها البلاد، جراء جائحة كورونا التي خلفت مشاكل اقتصادية عبر كل المعمورة.
وتشير بعض المصادر إلى إمكانية "محاسبة" هؤلاء المسيرين المتسببين في خسائر مالية كبيرة للفرق الجزائرية على مستوى الفيفا، خاصة وأن هذه القضايا بالعملة الصعبة، وكان بالإمكان تفاديها لو تم التعامل مع عقود هؤلاء التقنيين بعقلانية، بدلا من البحث عن الحلول ترقيعية دون الاهتمام بالعواقب المنجرة من هكذا مسائل حساسة تسيء إلى سمعة وصورة الفرق على المستوى الدولي.
ويبدو أن ملكية بعض الفرق لمؤسسات الوطنية وراء تلك المعاملات، فلا أحد من المسؤولين يهتم بما قد يتسبب فيه هؤلاء المدربين من مشاكل على مستوى الفيفا، وأقصى ما يفكرون فيه هو كيفية التخلص من هذا المدرب، بعد نهاية صلاحيته، دون الاهتمام إلى حجم خسائر النزاعات على مستوى المحكمة الدولية فيما بعد.
الخبير القانوني سمير بشير: خســرنا 100 مليار بسبب الجهل بالقوانين
أكد الخبير القانوني سمير بشير، أن نزاعات المدربين على مستوى المحكمة الرياضية كلفت خزائن فرقنا خسائر في حدود 100 مليار سنتيم منذ ولوج عالم الاحتراف، مضيفا بأن جهل البعض بالقوانين ونرجسية البعض الآخر وراء كل هذه القضايا التي تشوه صورة الكرة الجزائرية، وقال بشير للنصر بخصوص الأسباب وراء توجهنا لخيار التقني الأجنبي، رغم ما ينجر عنه فيما بعد من مشاكل قد تتسبب في خصم النقاط من الرصيد والحرمان من الميركاتو:" أعتقد أن المسألة مجرد تقليد وموضة فقط، فعلى سبيل المثال كل الأندية توجهت لخيار المدرب التونسي بعد تجربة الكوكي الناجحة مع الوفاق، وهنا أؤكد لكم بأن مسؤولينا قد يوجهون الأنظار الآن للتقنيين المصريين، بعد جلب حسام البدري، على العموم مساوئ التعاقد مع الأجنبي أكثر من إيجابياته، ونلخصها في النقطة الأهم والمتعلقة بالخسائر التي قد يتسبب فيها لأنديتنا على مستوى الفيفا، فالجميع شاهد على القضايا الكثيرة ضد فرقنا، لعل آخرها للمدرب التونسي بوعكاز الفائز على مولودية وهران، بعد أن حكمت المحكمة الدولية لصالحه بثلاث ملايير".
وتابع:" وإلى جانب بوعكاز هناك إعذار من الكوكي لإدارة الوفاق بمبلغ في حدود أربع ملايير سنتيم، دون الحديث عن الخسائر السابقة التي يجب أن يحاسب مسيرو فرقنا عليها، على غرار قضية دانيال الفائز على لاصام بمبلغ يقارب 3 ملايير، رغم أنه لم يشرف على أي حصة، ولا يمتلك حتى الشهادة المعادلة، فضلا عن إمكانية خسارة شباب قسنطينة لثلاث ملايير في قضيته الأخيرة مع التونسي قيس اليعقوبي، فهل يعقل أن يعين ويقيل في ظرف 12 ساعة دون أن يفكر أحد في العواقب، وهو الذي اتجه للفيفا للمطالبة بتعويضات عن الضرر".
وعن رأيه في خسارة كل هذه القضايا، أردف بشير قائلا:" رئيس الفاف السابق محمد روراوة كان محقا، عندما منع الأندية من التعاقد مع اللاعبين الأجانب، كونه مدرك لحجم الخسائر التي قد يتسببون فيها، ولو أن المشكلة انتقلت من اللاعبين إلى المدربين، على اعتبار أن الفرق يحق لها جلب أكثر من تقني أجنبي في موسم واحد، والأخير بات يجلب كل أعضاء طاقمه الفني أي بمعنى التكلفة تكون أكبر، على العموم هناك جرائم يمارسها بعض المسؤولين دون شعور والمتعلقة بفسخ عقود هؤلاء المدربين دون التفكير في العواقب فيما بعد، وبالتالي أرى أن تجريم مثل هذه المعاملات بات مطلبا ملحا، إذا ما أردنا تفادي مثل هكذا خسائر في عز الأزمة العالمية، فصدقوني باستثناء شباب قسنطينة الذي جلب التقني العالمي روجي لومير ( بطل قارتين ) بقية الفرق اكتفت بأسماء مغمورة لم تقدم شيئا للكرة الجزائرية، بل على العكس جرتها لقضايا وخسائر كبيرة جدا".
سمير. ك