يواجه الإعلام الغربي حملة معاكسة هذه الأيام، شنها مشجعون و مؤثرون و انخرط فيها إعلاميون مشاهير على مواقع التواصل الاجتماعي، ردا على الدعاية الكاذبة التي رافقت الخطاب الإعلامي الأجنبي قبل و بعد انطلاق مونديال قطر، حيث اصطدمت البروباغندا الغربية مع بداية الأشواط الأولى للبطولة الكروية العالمية، بجدار المؤثرين و تهشمت أمام شعبيتهم، التي فضحت الزيف و ازدواجية الخطاب الأخلاقي و محاولات تسميم الكرة و حشوها بالسياسة.
و كانت القمة العربية المنعقدة بالجزائر قد عبرت في بيانها الختامي عن وقوف العرب الى جانب قطر في مواجهة الحملة التي استهدفتها قبل انطلاق البطولة.
ذرائع شاحبة الألوان
هاجم الإعلام الغربي و بالأخص في فرنسا و بريطانيا وأمريكا، فكرة احتضان قطر لمونديال 2022، وذلك منذ الإعلان عن فوز البلد بشرف تنظيم التظاهرة سنة 2010 وذلك على حساب الولايات المتحدة الأميركية ، وتعالت الأصوات المنادية بإلغاء الدورة لأسباب عنصرية باتت مفضوحة، رغم المحاولات اليائسة لإخفائها خلف ستار الدفاع عن حقوق الإنسان. ومع قرب انطلاق المنافسة العالمية و بداية فعالياتها رسميا، تكالبت الصحافة الغربية على قطر مجتمعا ونظاما سياسيا، و تصاعد الخطاب الدعائي في الجرائد و القنوات تحت ذريعة قمع الحريات و رهاب المثليين، خاصة بعدما وصف اللاعب القطري السابق خالد سلمان، وهو أحد سفراء مونديال 2022، المثلية الجنسية بأنها «اضطراب في العقل»، وهو ما أثار انتقادات واسعة، لتتحول ألوان مجتمع الميم، إلى قضية يدافع عنها الغربيون باستماتة خاصة بعدما أعلنت قطر، عن منع حملها إلى جانب منع بيع واستهلاك الكحول في محيط الملاعب وداخلها، كما جاءت قبل ذلك مسألة العمال المهاجرين و سجل الوفيات بين الآسياويين العاملين في ورشات بناء الملاعب و الهياكل التي جهزت لاحتضان الحدث، كحجة للمطالبة بمقاطعة المونديال.
ولم تتوقف الدعاية عند هذا الحد، فقبل أيام قليلة فقط من بداية التظاهرة التي كلفت قطر 220مليار دولار وصنفت الأغلى في تاريخ نهائيات كأس العالم، صرح الرئيس السابق للفيفا، بلاتر الذي اتهم في قضايا رشوة واحتيال وفساد مالي بأن « قرار منح قطر حق استضافة كأس العالم كان خطأ «، كما ذكر بلاتر في مقابلة مع صحيفة «تاغيز أنزيغر» السويسرية، أن قطر «بلد صغير للغاية» بالنسبة لاستضافة البطولة، وأن «كرة القدم وكأس العالم أكبر من أن تستضيفها». وقال: «كان اختيارا سيئا وكنت مسؤولا عن ذلك كرئيس للاتحاد في ذلك الوقت» « .وأضاف: «منذ ذلك الحين أُخذت الاعتبارات الاجتماعية وحقوق الإنسان بعين الاعتبار».
من جهته واجه النجم البريطاني ديفيد بيكهام قبل يومين انتقادات لاذعة في بلاده، على خلفية استمرار دعمه لمونديال قطر، و طالبته جمعيات مدافعة عن حق المثليين بالانسحاب من الحملة الداعمة للتظاهرة، لكنه رفض ذلك.
وحاول صحفي إسرائيلي، إحراج النجم العالمي مالوما، قبل ساعات قليلة من مشاركته في حفل افتتاح المونديال بقطر، و سأله عن السبب الذي دفعه لقبول المشاركة في واحدة من الأغاني الرسمية للفيفا، في وقت رفضت شاكيرا، فرد عليه الفنان الكولومبي بالقول « أنت صحفي وقح».
وأثار صحفي فرنسي عاصفة من الغضب على مواقع التواصل الاجتماعي، بعد سخريته من وجود مساجد كثيرة في قطر، التي وصلها لتغطية فعاليات كأس العالم لكرة القدم 2022. وفي مداخلة مباشرة مع قناة «سي نيوز» الفرنسية، وعندما سأل المذيع المراسل عن انطباعه بعد وصوله إلى الدوحة وهل هو مرتاح، رد الصحفي الفرنسي جاك فوندروكس بلهجة ساخرة: «سأضحككم، تناولت شطيرة صغيرة فور وصولي، ووجدت هنا الكثير من المساجد».
المذيع الفرنسي بدوره انفجر ضاحكا وقال للصحفي إنهم على البث المباشر ولن يستطيعوا حذف هذه العبارة بواسطة المونتاج، بينما نبهه مذيع آخر قائلا: «أنت في قطر هذا طبيعي».
« ركزوا على كرة القدم»
و كانت منتخبات قد أبدت اعتراضها بسبب حقوق المثليين وأصدرت بعضها و في مقدمتها إنجلترا، بيانا حول نيتهم ارتداء شارة «َضد التمييز»، أو شارة الألوان « وان لوف» أما منتخب الدنمارك، فكان قد كشف قبل انطلاق المنافسات بأيام قليلة، عن قميصه الجديد الذي جاء بلا ألوان و لا يظهر شعار المنتخب و لا اسم العلامة التجارية و لا الشركة المصنعة.
وبعد انطلاق المنافسات، وقع المنتخب الألماني بسقطة حقيقة قبل انطلاق المباراة التي خسرها ضد المنتخب الياباني، إذ تعمد لاعبوه الإشارة إلى رفضهم لسياسات قطر من خلال تكميم أفواههم، الأمر الذي أثار حفيظة الكثيرين واعتبروه خلطا بين السياسية والكرة وتوظيفا غير مقبول للإيديولوجيا.
وعلى خلفية الزوبعة التي سبقت انطلاق المنافسات، خرج الاتحاد الدولي لكرة القدم فيفا بخطاب، دعا فيه المنتخبات المشاركة في مونديال قطر إلى «التركيز على كرة القدم» والتوقف عن «توزيع الدروس الأخلاقية»، وجاء في رسالة الفيفا تأكيد على» ضرورة التركيز على البطولة وعدم الانجراف خلف الحديث الأخلاقي والسياسي، وذكر البيان « «نحن في الفيفا نحاول احترام جميع الآراء والمعتقدات، من دون إعطاء دروس أخلاقية لبقية العالم، فواحدة من نقاط قوة هذا العالم هي تنوعه، وإذا كان الاندماج يعني شيئا، فهو يعني احترام هذا التنوع، إذ لا يوجد شعب أو ثقافة أو أمة أفضل من الأخرى».
وأضاف الخطاب الذي وقّعه رئيس الاتحاد جياني إنفانتينو والسكرتير العام للاتحاد فاطمة سامورا، ما يلي : «هذا المبدأ هو حجر الأساس للاحترام المتبادل وعدم التمييز، وهذه أيضًا واحدة من القيم الأساسية لكرة القدم، لذلك دعونا نتذكر ذلك جميعًا ونركز على كرة القدم. «
مواقع التواصل تسجل أهدافا موازية
و بعد انطلاق المنافسات، و تنقل الكثير من الإعلاميين والمؤثرين إلى قطر لحضور المنافسات، بدأت حملة موازية على مواقع التواصل الاجتماعي، فضحت الدعاية الغربية حيث انتقد الإعلامي البريطاني الشهير بيرس مورغان، الحملة على قطر، و ازدواجية المعايير في التعامل مع أول دولة عربية وإسلامية تستضيف بطولة كأس العالم وانتشر فيديو لمقابلة إذاعية قوية مع نجم البرامج الحوارية على شبكة « سي أن أن»، قال فيها « إن منتقدي استضافة قطر لكأس العالم منافقون و وقحون»، مضيفا : « راجعوا تاريخكم الأخلاقي وأخبروني إذا كنتم أنتم مؤهلين لاستضافتها أم لا؟”، و واجه الصحفي بمحاورته انحيازها ضد قطر وقدم حقائق حول المثلية، مشيرا إلى أن 8 دول من أصل 32 دولة تلعب البطولة، أي ربع المنتخبات المشاركة في مونديال قطر، تجرّم المثلية الجنسية، « فإذا كان المنتقدون يستخدمون هذا العامل ضد قطر، فإنه وجب في المقابل معاقبة الدول السبع الأخرى ، وبعدها لن يكون هناك كأس عالم» كما عبر، ثم تساءل لو جُردت قطر من تنظيم المونديال هل البديل هو أمريكا؟ مع أن لديها قوانين قاسية تجرم الإجهاض، ثم استشهد بالدول التي غزت العراق وتسببت في مأساة أفرزت ما يسمى بـ « داعش».
كما قال بيرس مورغان، إنه سيذهب إلى قطر ويحضر المونديال الذي تجرى وقائعه لأول مرة في دولة عربية وشرق أوسطية.
أما المعلق و اليوتوبر الأمريكي الشهير مات وولش، فأثار ضجة على المواقع، بعدما نشر مقطع فيديو، يطلب فيه من الإعلام الغربي أن يسكت، و يدعو فيه لاحترام حق قطر في فرض ثقافتها، قائلا « هذه قطر و هذا بلدهم، إنها دولة غير غربية و غير بيضاء، والآن لديك أناس بيض غربيون مثل الصحفي غرانت وول ـ الذي تعمد ارتداء قميص الألوان يظهرون ويقولون أنا لا أحترم عاداتك أنا لا أحترم معتقداتك، سأفعل ما أريد في بلدك، سأكون الحكم في الأخلاق» و واصل : « لقد أعدمنا 60 مليون طفل في الرحم بسبب الإجهاض، نحن مسؤولون عن أسوء مذبحة جماعية للأبرياء حدثت على هذا الكوكب، نحتفل بالشر والفجور ثم نعتقد أننا في وضع يسمح لنا بالذهاب و استعمار الكرة الأرضية إيديولوجيا» .
ونشر مشجع أمريكي مقطع فيديو قال فيه « لا تصدقوا الإعلام المكان هنا جميل والناس لطفاء»، وكذلك فعل مشجعون من كرواتيا، ومؤثرون من دول عديدة على غرار بريطانيا والأرجنتين واليابان وكوريا.
أما مؤسسة«كيك إت آوت» البريطانية الخيرية، فقد نشرت أمس بيانا، لتحذير جماهير إنجلترا في قطر من ارتداء ملابس قد تثير حفيظة الشعب القطري، وجاء البيان عقب منع مناصرين إنجليز من دخول الملعب لمشاهدة مباراة بلادهم ضد إيران، وذلك على خلفية ارتدائهما لملابس الفرسان الصليبيين، و ذكر البيان ما يلي : « تلك الملابس قد لا تكون موضع ترحيب في قطر و العالم الإسلامي بشكل عام، ندعو المشجعين إلى اتباع إرشادات السفر الصادرة عن الخارجية البريطانية و التي دعت للتعرف على العادات المحلية واحترامها».
و كانت مقاطع الفيديو و التغريدات التي تشيد بالأجواء والتنظيم في قطر، قد لاقت تفاعلا كبيرا على مواقع التواصل كما تعرف مباريات كأس العالم متابعة قياسية، حيث نشرت الفيفا أمس، تقريرا عن مستوى المتابعة، أكد أن المباراة الافتتاحية لنهائيات كأس العالم، قد حققت زيادة في عدد المشاهدين عبر دول العالم قارنة بنفس المباراة في مونديال روسيا قبل أربع سنوات.
هدى طابي