خطفت "أوركيسترا" المدرجات الأضواء في المباراة الودية التي جمعت سهرة أول أمس، المنتخب الوطني بضيفه التونسي بملعب 19 ماي 1956 بعنابة، لأن الموقعة، ورغم طابعها الودي، إلا أنها جلبت إليها جمهورا قياسيا، في "سيناريو" كان منتظرا، لكن ليس إلى درجة بقاء أزيد من 10 آلاف مشجع خارج الملعب، لأن هذه المشاهد أعادت إلى الأذهان "ذكريات" آخر ظهور للنخبة الجزائرية في مدينة "بونة"، والذي كان قبل 4424 يوما، عندما فاز "الخضر" على المغرب في مارس 2011، في إطار تصفيات "الكان"، فكانت العودة بعد أزيد من 12 سنة بصور أبهرت محرز ورفاقه، وحتى "التوانسة"، لأن الجميع لم يتردد في أخذ صور تذكارية، ونقل المشاهد على المباشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
وجسدت الجماهيرية الجزائرية تعلقها بالمنتخب والألوان الوطنية من خلال الإقبال القياسي الذي كان على الملعب، مع الضرب بكل الصعوبات عرض الحائط، لأن الظروف المناخية كانت قاسية جدا، وفتح أبواب ملعب 19 ماي كان في حدود منتصف النهار، في فترة تجاوز فيها مؤشر مقياس الحرارة 40 درجة، إلا أن التشوق لرؤية "الخضر" تحت قيادة بلماضي، لأول مرة في مدينة بالجهة الشرقية من الوطن، كان العامل الرئيسي الذي زاد في توافد الأنصار من كل حدب وصوب، لأن "بونة" تحولت منذ مطلع الأسبوع الجاري إلى الوجهة التي قصدها آلاف المشجعين من العديد من الولايات، خاصة الشرقية منها، وهو "إنزال" ساهم بشكل مباشر في كسر "الركود" الرياضي الذي عاشته "بونة" منذ عدة سنوات، لكنه مكّن هذه المدينة من استعادة أجواء كانت قد غابت عنها منذ أزيد من عشرية من الزمن، ولو أن عنابة كانت في نهاية الألفية المنقضية، وكذا مطلع القرن الجاري المكان المفضل من طرف النخبة الوطنية لإجراء المباريات، على اختلاف طابعها، والكل يتذكر مواجهتي ليبيريا وأوغندا في تصفيات "كان 2000"، وكذا لقاء السنغال في تصفيات مونديال 2002، لتتكرر نفس المشاهد في مقابلتي أنغولا والغابون في التصفيات المؤهلة إلى مونديال 2006، فكانت المباراة التي جرت بتاريخ 27 مارس 2011، آخر ظهور للنخبة الوطنية بملعب 19 ماي.
المدرجات امتلأت قبل 3 ساعات
الإقبال القياسي للأنصار على المدرجات فاق كل التوقعات، رغم اصطدام آلاف المشجعين، بإشكاليات تقنية عند السعي للحصول على تذكرة عبر المنصة الرقمية، جراء كثرة الطلب، لكن ما زاد في تعقيد الأمور على مستوى مداخل الملعب أول أمس، تعطل البوابة الإلكترونية، وعدم القدرة على تسيير الأوضاع، مما استوجب اللجوء إلى النظام التقليدي في إدخال الأنصار إلى الملعب، خاصة وأن التوافد بلغ الذروة مع مرور الوقت، لتكتظ المدرجات عن آخرها قبل 3 ساعات من الوقت المحدد لانطلاق المباراة، ليعتمد بعدها أعوان الأمن تدابير استثنائية حتى يتسنى لهم التحكم في الوضعية، لأن أزيد من 10 آلاف مناصر بقوا خارج الملعب، الغالبية منهم كانت تحوز على تذاكر، إلا أن ذلك لم يشفع لها بالدخول، لأن الفرق الأمنية التي كانت مكلفة بالتنظيم داخل الملعب استوفت كل المدرجات، بما فيها الجزء الذي كان مخصصا لأنصار المنتخب التونسي.
غلق بوابات الملعب أمام المناصرين قبل التحاق المنتخبين الجزائري والتونسي، جعل "أوركيسترا المدرجات" تبدع في رسم لوحات أبهرت لاعبي المنتخبين عند دخولهم أرضية الميدان من أجل المعاينة الأولية، لأن مشاهد المدرجات المكتظة عن آخرها دفعت بمحرز إلى تجميع رفاقه لتحية هذه العدد القياسي من الجماهير، مع استعمال الهواتف لنقل هذه اللوحات على المباشر، وهو دليل على أن أجواء ملعب عناصر سرقت الأضواء، ولو أن الناخب الوطني جمال بلماضي صرح في الندوة الصحفية، التي نشطها عقب المباراة بأنه هو من اتخذ قرار اللعب في عنابة، وأصر على اختيار هذا الملعب، وقد كان ينتظر مثل هذه الأجواء، خاصة وأنه كان قد عايشها في مشواره كلاعب في المنتخب، وبمشاهد لم تكن تختلف كثيرا عن صور موقعة أول أمس، من حيث الإقبال القياسي للأنصار.
الصور عالمية واللاعبون وثقوا اللحظة
وفي سياق متصل، وإذا كانت المدرجات قد نالت العلامة الكاملة في مباراة أول أمس، فإن الجماهير استغلت الفرصة لتوجيه رسالة واضحة المضمون لبلماضي وأشباله، مفادها أن التعطش لرؤية العناصر الوطنية عن قرب يبقى الحافز الذي يدفع بأكبر عدد ممكن من المناصرين للتوافد على الملاعب، بصرف النظر عن الجاهزية الكبيرة التي أظهرتها ولاية عنابة لاحتضان مباريات "الخضر"، سيما بعد إعادة تجديد الملعب بجميع ملاحقه، فكان الاستقبال "الخرافي" الذي حظيت به التشكيلة الوطنية سواء في المطار، الفندق، أو الملعب أبرز دليل على تعلق المناصرين بالمنتخب، رغم النقائص التي طبعت الجانب التنظيمي بسبب بقاء أزيد من 10 آلاف مشجع خارج الملعب، لكن "الإبداع" كان مميزا في المدرجات، وعلى مدار قرابة 4 ساعات من الزمن، لتكون فترة المقابلة الحدث الذي أبهر المشاهدين، لأن "الأوركيسترا" سرقت الأضواء، بصور "عالمية"، نالت إشادة لاعبي ومسؤولي المنتخبين، فانتزع الجمهور العلامة الكاملة، بصرف النظر عن الحالة "الشاذة" التي نتجت عن إقدام مناصر على النزول إلى أرضية الميدان في اللحظات الأخيرة من المقابلة، وهي الحالة التي كانت قد أزعجت قليلا بلماضي، إلا أنها مرت مرور الكرام، ولم لتكن كافية للتقليل من قيمة ما كسبه الجمهور من نقاط جد إيجابية في هذه الموقعة، لأن "السمفونية" كانت في مستوى الحدث، والناخب الوطني لم يتردد في إبداء رغبته في العودة إلى عنابة مجددا في قادم المواعيد.
ص / فرطاس