أوقعت قرعة النسخة 34 لنهائيات كأس أمم إفريقيا، التي سحبت بكوت ديفوار سهرة الخميس، المنتخب الوطني إلى جانب كل من منتخبات بوركينافاسو وموريتانيا وأنغولا، وهي مجموعة متوازنة، يمكن الخروج منها بإحدى تأشيرات المرور إلى ثمن النهائي، على اعتبار أن قائمة المتأهلين إلى الدور الثاني قد تضم 3 منتخبات من نفس الفوج، مادامت «الكوطة» الإجمالية للناجحين في تجاوز عقبة الدور الأول تضم 16 منتخبا، في إجراء يتم اعتماده للمرة الثالثة في تاريخ المنافسة، وهذا منذ زيادة عدد المشاركة في العرس القاري إلى 24 منتخبا، وهو الأمر الذي كان قد دخل حيز التطبيق منذ طبعة مصر 2019، فأصبح التأهل إلى ثمن النهائي من نصيب أصحاب المركزين الأول والثاني من كل مجموعة بصورة أوتوماتيكية، ويضاف إلى القائمة أفضل 4 منتخبات من أصحاب الصف الثالث.
ولئن كانت التجربة القاسية التي مر بها المنتخب الوطني في دورة الكاميرون، تبقى بمثابة الدرس الذي يضرب بكل الحسابات عرض الحائط، ويؤكد على أن موازين القوى المبنية على معطيات الورق ليست معيارا حقيقيا، فإن «الخضر» سيدخلون النسخة 34 من العرس الكروي القاري في ثوب أحد المرشحين للتنافس على اللقب، مع السعي لاستعادة التاج الذي كانوا قد أحرزوه في طبعة مصر 2019، على اعتبار أن النخبة الجزائرية نالت مكانة ضمن المستوى الأول في عملية سحب القرعة، بمراعاة التصنيف الأخير للفيفا، وهذا الامتياز كان كافيا لتجنب الاصطدام بالعديد من «كبار القارة»، رغم تواجد بعض الأبطال السابقين في المستوى الثاني، في شاكلة نيجيريا، غانا والكاميرون، فضلا عن تدحرج جنوب إفريقيا إلى المستوى الثالث.
وتبحث الكرة الجزائرية عن تتويجها الثالث باللقب القاري عبر المشاركة رقم 20 في نهائيات كأس أمم إفريقيا، لأن «الخضر» كانوا قد سجلوا حضورهم في العرس القاري عبر 19 طبعة سابقة، خاضوا خلالها 77 مباراة، فازوا في 28 منها، مع تلقي 27 هزيمة، مقابل تسجيل 22 تعادلا، وقد تمكن الهجوم من توقيع 94 هدفا، في حين تلقى الدفاع 89 هدفا، وهي أرقام تمتد على مدار تاريخ مشاركة انطلقت من دورة 1968 بإثيوبيا، وتواصلت إلى غاية نسخة الكاميرون 2021، ونجح خلالها المنتخب في تخطي عقبة الدور الأول في 11 مناسبة، 5 منها كانت منذ بداية الألفية الجارية، وتمثلت في ربع النهائي خلال دورات 2000، 2004 و2015، والصف الرابع في طبعة 2010، إضافة إلى اللقب القاري في مصر 2019، بينما كان الإقصاء من دور المجموعات المصير الحتمي، في طبعات 2021، 2017، 2013 و2002، بالخروج من كل دورة دون تذوق نشوة الفوز.
الخيول أقوى منافس على ريادة المجموعة
ووضعت عملية القرعة المنتخب البوركينابي في خانة أقوى منافس للخضر في المجموعة الرابعة، لأن «الخيول» أصبحت من المنشطين التقليديين لفعاليات العرس القاري، بدليل أنها لم تغب سوى عن نسخة 2019 في آخر سبع دورات من «الكان»، ومنتخب بوركينافاسو كسب تقليد المشاركة في العرس القاري منذ طبعة 1996، حيث أن اعتاد على المشاركة بصورة تكاد تكون منتظمة، وقد فشل في التأهل إلى المرحلة النهائية في 3 مناسبات فقط على امتداد آخر 15 دورة، مما مكنه من رفع عدد مشاركاته إلى 12، على اعتبار أن حضوره في النسخ الأولى من المنافسة اقتصر على مرة واحدة، كانت في طبعة 1978.
من هذا المنطلق، فإن منتخب بوركينافاسو يبقى من الزبائن التقليديين في العرس القاري، ولو أنه مازال بصدد البحث عن مشاركته الأولى في نهائيات كأس العالم، لأن الكرة البوركينابية شهدت في العشرية الأخيرة نهضة كانت كافية لرفع عارضة الطموحات عاليا، بالمراهنة على بلوغ المونديال، رغم أن «الخيول» لم ترصع سجلها بأي لقب إفريقي، وأفضل انجازاتها في «الكان» تبقى الوصافة في دورة 2013، بعد خسارة النهائي أمام نيجيريا، ثم المركز الثالث في دورة 2017، مع بلوغ نصف النهائي في نسختي 1998 و2021.
والملفت للانتباه أن المنتخب البوركينابي الذي يحتل المركز 58 عالميا والعاشر قاريا في آخر تصنيف للفيفا يشرف على تدريبه التقني الفرنسي هوبيرت فيلود، الذي يعرف الكرة الجزائرية جيدا، بحكم التجارب الكثيرة التي كانت له مع أندية من البطولة الوطنية، وهذا التصنيف يضعه في خانة أقوى مرشح رفقة المنتخب الوطني لكسب رهان المرور إلى ثمن النهائي عبر الفوج الرابع، وقد سبق للمنتخب الوطني مواجهة «الخيول» مرتين في إطار نهائيات كأس أمم إفريقيا، الأولى كانت في جنوب إفريقيا 1996، لما فاز «الخضر» بنتيجة (2 / 1) في الدور الأول، ليأخذ المنتخب البوركينابي بثأره في النسخة الموالية، لما استضاف العرس القاري، وفاز على الجزائر بنفس النتيجة، لتبقى ذكريات الدور الفاصل من تصفيات مونديال 2014 أهم محطة في تاريخ مواجهات المنتخبين، عندما كسبت الجزائر رهان التأهل إلى مونديال روسيا على حساب بوركينافاسو.
أنغولا منتخب «مونديالي» دون تقاليد كبيرة
بالموازاة مع ذلك، فإن منتخب أنغولا يعد المنافس الوحيد للمنتخب الجزائري في الدور الأول من «كان» 2023 الذي يحوز على صفة «المونديالي»، لأنه كان قد بصم على مشاركة تاريخية في نسخة كأس العالم 2006 بألمانيا، إلا أن ذلك الانجاز يبقى عبارة عن محطة «استثنائية» واضحة في تاريخ الكرة الأنغولية، لأن «الظباء السوداء» لم تتمكن من تحقيق انجازات تشفع لها بحجز مكانة مع «كبار القارة»، بدليل أن حضورها في دورات «الكان» يبقى متذبذبا، وقد شاركت في 8 نسخ سابقة فقط، وأحسن نتائجها في هذه المنافسة تبقى مقتصرة على تجاوز عقبة دور المجموعات في طبعتي 2008 و2010، مقابل تجرع مرارة الإقصاء من الدور الأول في باقي النسخ، آخرها في دورة مصر 2019، مقابل الغياب عن الطبعة الأخيرة بالكاميرون، وقد تمكن منتخب أنغولا من العودة إلى «الكان» بتأهله على حساب إفريقيا الوسطى ومدغشقر، في فوج تصدره المنتخب الغاني، وهي معطيات أولية توحي بأن هذا المنتخب مازال يفتقر لتقاليد المشاركة في العرس الكروي القاري، إلى درجة أن وضعيته الحالية تسببت في تراجعه الكبير في تصنيف الفيفا إلى المركز 28 قاريا و117 عالميا، وهو الترتيب الذي يضعه في خانة الحلقة الأضعف «نظريا» في الفوج الرابع من دورة «كان» كوت ديفوار، وقد سبق له الالتقاء بالخضر في مناسبة واحدة في النهائيات الإفريقية، وكانت في سنة 2010، لما انتهت المواجهة بالتعادل دون أهداف، بينما تبقى ذكريات تصفيات المونديال الأغلى لكل منتخب في تاريخ المباريات بينهما، لأن «الخضر» تأهلوا على حساب أنغولا في طريقهم إلى مونديال مكسيكو 1986، في الوقت الذي كانت الأراضي الجزائرية من بين المحطات التي عبدت من خلالها «الظباء السوداء» طريقها إلى الإنجاز التاريخي، ببلوغ المونديال للمرة الأولى والوحيدة سنة 2006.
موريتانيا «قادمة» وتبحث عن أول انتصار في النهائيات
إلى ذلك، فإن منتخب موريتانيا يبقى من الضيوف الجدد على هذه المنافسة، رغم أنه سيسجل مشاركته الثالثة تواليا في العرس القاري، لكنها كانت مسبوقة بغياب طويل نتج عن الفشل في بلوغ «الكان» على مدار 31 طبعة، وعليه فإن «المرابطون» مازالوا بصدد البحث عن أول فوز لهم في تاريخ «الكان»، لأن مشاركتهم الأولى في دورة 2019 عرفت إحرازهم تعادلين، مع تجرع مرارة الإقصاء من الدور الأول برصيد نقطتين، قبل أن يلقى المنتخب الموريتاني نفس المصير في نسخة الكاميرون 2021، بعد مشاركة «كارثية»، مني خلالها بثلاثة هزائم.
على هذا الأساس، فإن منتخب موريتانيا يراهن على لمسة التقني «القمري» أمير عبدو سعيا لتحقيق انجاز تاريخي، ينطلق من تذوق نشوة الانتصار لأول مرة في تاريخ «الكان»، ويمر إلى المراهنة على استنساخ «الملحمة» التاريخية التي صنعها هذا المدرب مع منتخب بلده، لما قاد جزر القمر إلى ربع نهائي دورة «كان» الكاميرون الأخيرة، في مشاركته الأولى والتاريخية في هذه المنافسة، بعدما كان «المرابطون» قد نجحوا في ضمان حضوره الثالث تواليا في العرس القاري، عقب التأهل برفقة الكونغو الديمقراطية على حساب كل من السودان والغابون في مجموعة كانت قد احتفظت بكامل أسرارها إلى غاية الجولة الختامية من التصفيات، ولو أن هذا التأهل مكن منتخب موريتانيا من تحقيق قفزة نوعية في تصنيف الفيفا، بدخوله «التوب 100»، والارتقاء على الصف 99 عالميا و21 قاريا.
وبحكم أن المنتخب الموريتاني لم يشارك سوى مناسبتين في «الكان» فإنه سيلتقي لأول مرة بالمنتخب الجزائري في هذه المنافسة، ليتجدد اللقاء بطابع رسمي بين المنتخبين، بعد قرابة 4 عقود من الزمن، لأن آخر مواجهة رسمية بين الجزائر وموريتانيا كانت في إطار تصفيات «كان» 1986، لما كسب «الخضر» الرهان دون عناء برباعية نظيفة في موقعة الذهاب، وتسجيل التعادل إيابا.
قراءة: صالح فرطاس