قبل توجهه نحو مدينة «ريو دي جانيرو» بالبرازيل، فتح الممثل الوحيد للسباحة الجزائرية في الألعاب الأولمبية أسامة سحنون قلبه للنصر، مؤكدا بأن مشاركته في هذا المحفل العالمي لا تعدو أن تكون تحقيقا لحلم راوده منذ الصغر، و أن نيله لميدالية قد يكون بمثابة مفاجأة مدوية أو معجزة، كما أشار إلى أن مستواه الحالي لن يسمح له باعتلاء منصة التتويج، و رغم ذلك وعد أسامة ببذل أقصى ما لديه من مجهود، لتشريف الجزائر في هذا المحفل الرياضي العالمي، رغم تأكيده على أنه تعرض للظلم و لم ينل حقه الكامل من منحة التحضيرات، التي جاءت حسبه متأخرة و أثرت على استعداداته، و هو ما كشف عنه وعن أشياء أخرى في هذا الحوار الذي خص به النصر.
كنت أقطع 200 كلم للتدرب
و تعرضت للتهميش رغم تأهلي المبكر للأولمبياد
على بعد أيام قليلة من تحقيق حلم المشاركة في الأولمبياد كيف هي الأحوال؟
في الحقيقة أنا في قمة السعادة، لأنني أصبحت على بعد خطوات قليلة من النزول إلى الحوض الأولمبي، و السباحة داخله في أكبر محفل رياضي في العالم، و أمام أنظار ملايين البشر الذين يتابعون عبر الشاشات في مئات البلدان التي ستنقل هذا الحدث. إنه ببساطة حلم سيتحقق بعد أيام قليلة، كما أنني سأنال شرف تمثيل الألوان الجزائرية، لقد انتظرت هذه اللحظات منذ عدة سنوات، و أصبحت متشوقا أكثر من أي وقت مضى لانطلاق الأولمبياد، و الدخول إلى الملعب الأولمبي ضمن أفراد الوفد الجزائري المشارك.
هل أنهيت برنامجك التحضيري قبل الدخول في المنافسة الرسمية؟
وضعت آخر اللمسات على استعداداتي التي بدأتها منذ أشهر، و في الوقت الذي أكلمك فيه، لم يتبق الكثير عن انطلاق المنافسة، وبالتالي لم يبق سوى التركيز و المحافظة على اللياقة العالية، من أجل الدخول في المنافسة بقوة. هذه العوامل تعد حاسمة و جد هامة لأي رياضي في المستوى العالي، مهما كانت قدراته أو تحضيراته.
و كيف تقيم التحضيرات التي قمت بها لحد الآن؟
لقد حضرت بالوسائل المتاحة، بمعنى أنني اعتمدت على طاقمي التدريبي في فرنسا، و قمت بالتدريبات و الاستعدادات في حدود الإمكانات المتوفرة، غير أن التحضيرات لم تكن بالشكل المناسب، أو بالأحرى لم أحظ بالاهتمام و المتابعة اللازمة من الاتحادية الجزائرية للسباحة، أو حتى المسؤولين الجزائريين للرياضة، بالشكل اللائق أو الذي يستحقه رياضي مقبل على المشاركة في حدث رياضي بهذا الحجم.
حققت حلما راودني منذ الطفولة بالمشاركة
في الأولمبياد
نفهم من كلامك أن الاتحادية الجزائرية للسباحة لم تمنحك الإمكانات اللازمة للتحضير؟
بل أكثر من ذلك. في الحقيقة الاتحادية الجزائرية للسباحة لم تسأل عني حتى بعد أن حققت التأهل رسميا إلى الأولمبياد، خلال شهر أفريل الماضي، حيث لم يتصل بي أي مسؤول و لم يقوموا بتهنئتي و لو بكلمة شكر أو تشجيع، بالرغم من أنهم كانوا يعرفون جيدا أنني السباح الجزائري الوحيد الذي حققت التأهل، و سأشارك رسميا في ألعاب ريو، لكنني واصلت العمل رغم هذا التجاهل، و عندما كنت في أمس الحاجة إلى دعم الاتحادية، لم أتلق شيئا منها.
هل أثر هذا الأمر على استعداداتك؟
في الواقع لقد اضطررت إلى تغيير برنامجي، بسبب تأخر منحة التحضير التي تمنحها السلطات الجزائرية للرياضيين المتأهلين إلى الأولمبياد، من خلال برمجة تربصات خارجية و المشاركة في منافسات دولية للاحتكاك بالمستوى العالي، والاحتكاك بالرياضيين العالميين، وهذا الأمر يسمح بالتحضير ومعرفة درجة الاستعداد التي وصلنا إليها، غير أنني لم أتلق سوى نصف المنحة و بشكل جد متأخر، حيث وصلتني خلال شهر رمضان، ولم أستطع بذلك التحضير بشكل جيد. لقد اضطررت لإلغاء تربصين مغلقين، إضافة إلى ثلاث منافسات كانت مبرمجة مسبقا، وهذا الأمر أثر كثيرا على تحضيري.
و ما سبب هذا الموقف من الاتحادية ومسؤولي الرياضة في رأيك؟
لم أفهم سبب ذلك، فالمنطق يقول بأنه من المفروض أن أحظى بالاهتمام و التشجيع، لأنني أحقق نتائج رائعة منذ بضع سنوات، وأنا حاليا أفضل سباح جزائري على الإطلاق، كما أنني أحتل الرقم 16 عالميا في اختصاص 50 و 100 م سباحة حرة، والأكثر من ذلك أنني حققت التأهل رسميا قبل أشهر من الأولمبياد، لكنني لم أحظ بأي اهتمام، والغريب في الأمر أن سباحين آخرين لم يحققوا التأهل وكانوا بعيدين تماما عن الأرقام التي تسمح لهم بالمشاركة، فمنهم من جاء في المركز 270 و آخر في المركز 350 عالميا، غير أنهما تحصلا على نفس المنحة التي تحصلت عليها، وهذا ما أعتبره ظلما في حقي، وإجحافا في حق السباحة الجزائرية.
ستشارك في سباقين من أصعب السباقات في رياضة السباحة. ما هي حظوظك للصعود على منصة التتويج؟
صحيح أنني من بين أحسن 16 سباحا في هذين الاختصاصين على مستوى العالم، غير أن حظوظي في التتويج بإحدى الميداليات ضئيلة جدا. أنا واقعي و لن أكذب عليكم، فالمنافسة أصعب مما قد يتخيله الجمهور وراء الشاشات، والواقع يقول بأن أرقامي لا تزال بعيدة عن الثلاثة الأوائل عالميا، وطموحي الآن هو التأهل إلى السباقين النهائيين في 50 و 100 م سباحة حرة، وهو ما سيكون انجازا بالنسبة لي إذا ما تحقق.
أنا أحسن سباح جزائري
حاليا و أطمح لألقاب عالمية مستقبلا
سليم إيلاس كان آخر سباح جزائري تأهل إلى هذين السباقين في أثينا 2004، هل نأمل بأن تحقق الأحسن؟
سليم إيلاس كان أيضا آخر سباح جزائري تأهل إلى الأولمبياد، بالتأشيرة «أ» التي تمكنت من التأهل من خلالها أنا أيضا إلى ريو عن جدارة واستحقاق، وأذكر جيدا مشاركته في أولمبياد أثينا، كنت حينها طفلا في 12 من عمري، وهو بمثابة قدوة لي منذ ذلك الحين. لقد كان وقتها من أحسن السباحين في العالم، و بالرغم من ذلك لم يتمكن من تحقيق أية ميدالية في ذلك الأولمبياد، والآن آمل أن أتمكن على الأقل من تحقيق ما حققه.
وهل يمكن أن نحلم بميدالية تهديها للجزائر في ريو؟
ميدالية ستكون بمثابة مفاجأة مدوية. لقد كنت صريحا مع الجزائريين. التتويج بإحدى الميداليات سيكون صعبا جدا في هذا الأولمبياد، سأحاول تشريف الألوان الجزائرية، لكنني لن أتوقف هنا. لا أزال شابا وطموحي أن أكون من بين أحسن السباحين في العالم مستقبلا، ولم لا التتويج في بطولة العالم المقبلة، لكن إن تحققت المفاجأة في ريو فسأكون سعيدا جدا.
أنت السباح الجزائري الوحيد في ريو، لماذا هذا الضعف في السباحة الجزائرية؟
هذه نتيجة منطقية لغياب التكوين ونقص المدربين والمختصين، وكذا غياب المرافق الضرورية وخاصة المسابح. فالسباحون في الجزائر يعانون من غياب أبسط الأمور الضرورية للتدرب والحفاظ على اللياقة البدنية أو الرفع من المستوى، كما أن المتابعة والاهتمام بهذه الرياضة ضعيف جدا. أنا شخصيا لم أكن لأصل إلى هذا المستوى، لولا احترافي في فرنسا، ومثابرتي في العمل والتدريبات مع فريق عمل محترف لمدة 4 سنوات متتالية.
لتتويج بإحدى الميداليات صعب
و لن أعد الجزائريين سوى بتشريفهم
الكثير من الأطفال والشباب في الجزائر يعتبرونك مثالا يحتدى به، هل يمكن أن تقدم لهم وصفة النجاح؟
في الحقيقة الوصول إلى هذه المرحلة لم يكن سهلا، فأنا من مدينة قسنطينة التي ولدت بها يوم 2 أوت من سنة 1992، ونشأت في عائلة رياضية فأبي و إخوتي الأكبر مني كانوا سباحين سابقين. بدأت السباحة كهواية ومع مرور الوقت أحسست بأن لدي إمكانيات كبيرة، وهو ما أخبرني به المدربون أيضا. بدأت بعدها أحلم بأن أكون من أحسن السباحين في العالم، لكنني مررت بمراحل جد صعبة، خاصة في السنة التي اجتزت فيها شهادة البكالوريا، فمسبح قسنطينة كان مغلقا خلال ذلك العام، و كنت أضطر للتنقل يوميا إلى مدينة العلمة للتدرب. كنت أقطع مسافة 200 كلم ذهابا و إيابا، وبالرغم من ذلك لم أتخل عن حلمي، وتمكنت في السنة ذاتها من الحصول على شهادة البكالوريا، لأتنقل بعدها إلى فرنسا للدراسة وانضممت إلى ناد محترف بمدينة بوردو، وخلال 4 سنوات تمكنت من التألق وطنيا وعربيا وإفريقيا وحتى في فرنسا، حيث نلت عدة ألقاب وميداليات في منافسات دولية، فكنت بطل العرب عدة مرات، ونلت بطولة إفريقيا للأكابر، وشاركت في الألعاب الأولمبية للشباب سنة 2010، تحصلت على المركز العاشر، وتحصلت على لقب نائب بطل فرنسا سنة 2013.
بالحديث عن الاحتراف في فرنسا، ما الفرق بين التدرب في الجزائر وأوروبا؟
الفرق هو الإمكانيات وفي العقليات أيضا، فالسباحة في الجزائر هي للهواة فقط، أما في فرنسا وأوروبا فهم يمارسون السباحة من أجل الاحتراف، فهناك تتوفر العديد من الأندية المحترفة التي تقدم كل الإمكانيات الضرورية للسباحين (مدربين وأحواض للتدريب ووسائل الاسترجاع)، كما أن هناك برنامجا ونمطا غذائيا ومعيشيا يسير وفقه الرياضي بشكل دقيق، من أجل الوصول إلى المستوى العالي بعد سنوات من الجهد والمثابرة.
ما هي رسالتك إلى الجمهور الجزائري ومسؤولي الرياضة؟
أعد جميع الجزائريين ببذل أقصى ما يمكن من أجل إسعادهم و تشريف العلم الجزائري في أولمبياد ريو دي جانيرو، وأناشد المسؤولين وخاصة وزير الشباب والرياضة بإنصافي، من خلال تقديم المساعدة اللازمة من أجل مواصلة استعداداتي بعد الأولمبياد، خاصة وأنه تنتظرني مشاركة في بطولة إفريقيا خلال شهر أكتوبر بجنوب إفريقيا، وبعدها بطولة العالم في الحوض الصغير شهر ديسمبر القادم. أنا مركز على تحقيق نتيجة ايجابية تسعد كل الجزائريين في هاتين المنافستين.
حاوره : عبد الرزاق مشاطي