تطمح عاصمة الأوراس باتنة و ما جاورها، إلى تصدير منتوج التفاح نحو الخارج بفضل الارتفاع السنوي في إنتاجه وتحقيق الصدارة وطنيا، فضلا عن نوعيته المتميزة، في وقت يجد الكثيرون بأن الأمر متناقض بالنظر لارتفاع سعره الذي هو ليس في متناول المستهلك، والذي يصل إلى 700 دج للكيلوغرام ومن هنا يطرح مواطنون المفارقة بين وفرة المنتوج وارتفاع سعر فاكهة تتميز المنطقة بإنتاجها و قد ارتفع سعرها أكثر بعد منع استيرادها.
يـاسين عبوبو
ترى جمعية منتجي التفاح، بأن ارتفاع سعره خارج موسم الإنتاج، أمر طبيعي، فضلا عن كونه من الكماليات، فيما يُرجع من جهتهم المنتجون ارتفاع سعره، إلى عراقيل حالت دون التحكم في ثمنه، منها بالخصوص نقص غرف التبريد.
إنتاج أكثر من مليون قنطار و طموحات للتصدير
تعد ولاية باتنة، قطبا فلاحيا بامتياز بفضل انفرادها بإنتاج عديد الشعب الفلاحية، التي جعلتها تتصدر المراتب الأولى وطنيا، منها الأشجار المثمرة التي تحتل بها الريادة وطنيا، ومن بين الأشجار المثمرة التي تمتاز بها هي التفاح، بحيث يعرف إنتاج فاكهة التفاح بحسب المصالح الفلاحية بالولاية، تطورا ملموسا بفضل سياسة الدعم التي حظي بها الفلاحون في السنوات الأخيرة، ما جعل مساحات غرسه تتسع وتزداد بالموازاة معها كمية الإنتاج الذي بلغ في الموسم المنفرط، ما يزيد عن مليون قنطار، بمعدل متوسط 264 قنطارا في الهكتار.
وبات إنتاج التفاح معروفا ومقترنا بكميات و نوعيات جيدة بولاية باتنة، بفضل عوامل عدة، خاصة الطبيعية منها التي جعلت تفاح الأوراس علامة متميزة بمختلف أنواعه ونكهاته وتنتج مختلف بلديات الولاية المقدر عددها بـ 61 بلدية هذه الفاكهة، غير أن الخاص بالمناطق الجبلية، يبقى الأحسن من حيث النوعية على غرار تفاح إشمول، أريس، فم الطوب وإينوغيسن بالجهة الشرقية وتفاح نافلة بحيدوسة بالجهة الغربية.
و أحصت المصالح الفلاحية لولاية باتنة خلال الموسم الماضي، مثلما أوضحته مسؤولة بمصلحة الأشجار المثمرة لـ «النصر»، تربع مساحة أشجار التفاح على 4513 هكتارا كمساحة إجمالية، في حين تقدر المساحة المنتجة بـ 3879 هكتارا وأكدت على أن المساحة في توسع على مدار السنوات الأخيرة، مشيرة إلى بلوغها خلال الموسم الفلاحي الحالي، 4677 هكتارا، منها 3969 هكتارا تعتبر مساحة منتجة أي بزيادة تقدر بحوالي مائة هكتار.
ارتفاع إنتاج التفاح بولايات منطقة الأوراس الذي تجاوز سقف المليون قنطار على مستوى ولاية باتنة لوحدها، جعل جمعية منتجي التفاح تطمح للذهاب إلى تصدير المنتوج مستقبلا والتعريف به في الخارج، خاصة بعد أن لقي إعجابا في أسواق ومعارض دولية بفضل نوعيته المتميزة ونكهاته الطبيعية الخالصة.
و من بين الدول التي طلبت استيراد تفاح باتنة، إندونيسيا، بعد أن زارت سفيرتها المنطقة، أين أعجبت ببساتين التفاح المتواجدة بالمناطق الجبلية لإشمول وفم الطوب وبنوعية منتوج التفاح الطبيعية وناهيك عن إندونيسيا، حظي تفاح الأوراس بالطلب من دول أوروبية، نظرا لنكهاته الطبيعية كونه لا يخضع للنمو الكيميائي.
تثمين لقرار منع استيراد التفاح و استياء من غلاء أسعاره
و لقي القرار الحكومي قبل نحو سنتين، بمنع استيراد التفاح من الخارج، ارتياحا كبيرا وسط منتجي هذه الفاكهة وهو ما عبَر عنه ممثل جمعية منتجي التفاح بباتنة بولخراص بن بلاط لـ «النصر»، الذي أكد على أن القرار من شأنه الدفع أكثر بتطوير ورفع إنتاج التفاح المحلي وحمايته وقال بأن القرار له آثار عدة، أبرزها المساهمة في تطوير الاقتصاد من خلال وقف صرف العملة الصعبة و تخفيض فاتورة الاستيراد من الكماليات باقتناء التفاح الذي هو متوفر بكميات كبيرة وبنوعية أفضل، بشهادة المتعاملين الاقتصاديين من الخارج.
وقال ممثل جمعية منتجي التفاح، بأن الجمعية لطالما طالبت بقرار منع استيراد التفاح من الخارج لدواعي عدة، من بينها أن نوعيته ينصح بعدم استهلاكها، فضلا عن تخفيض فاتورة الاستيراد وصرف العملة الصعبة وأضاف بأن إنتاج التفاح المحلي وخاصة بمنطقة الأوراس، يعرف تطورا من حيث المنتوج، ما يشجع مستقبلا على التصدير.
و على عكس المنتجين الذين يرون في قرار منع استيراد التفاح بالشيء الإيجابي، فإن القرار بالنسبة للمستهلكين، لم يكن له أي أثر، بل على العكس تماما فإن المواطنين يجدون في منع استيراده دون أن ينعكس على الأسعار أمرا غير المنطقي، خاصة وأن منطقة الأوراس تشتهر بإنتاجه ويتساءلون عن سبب بلوغه أسعارا قياسية في بعض الأحيان تتراوح بين 500 و700 دج للكيلوغرام وهو التساؤل الذي تضاربت الآراء والإجابات حوله بين الفاعلين في إنتاج التفاح مثلما رصدته النصر.
فبالنسبة لجمعية منتجي التفاح، فهي ترى بأن ارتفاع سعر التفاح خارج موسم إنتاجه المتمثل في الخريف أمر طبيعي، مقرة بوجود عوامل أخرى كالمضاربة من طرف بعض الأطراف أدت إلى ارتفاع سعره بأرقام قياسية وقال ممثل الجمعية في ذات السياق، بأن ندرة الإنتاج خارج موسمه أمر طبيعي، ما يؤدي إلى ارتفاع سعره في ظل محدودية إمكانيات التخزين، مؤكدا على أن سعره في موسم إنتاجه يتراوح حسب النوعيات بين 70 و200 دج وأشار إلى خضوع الإنتاج لقاعدة العرض والطلب بحيث يرتفع سعره كلما انخفض العرض.
وتعتبر جمعية منتجي التفاح على لسان ممثلها بولخراص بن بلاط، بأن العمل على توسيع المساحات الفلاحية لإنتاج التفاح مع تطوير قدرات التخزين مستقبلا، من شأنه القضاء على المضاربة والاحتكار وبالتالي التحكم في الأسعار، مؤكدا على أن منع استيراده سيكون له الأثر تدريجيا بمرور السنوات خاصة في ظل غرس مساحات أخرى إضافية، موضحا بأن شجرة التفاح تدخل مرحلة الإنتاج على أقل تقدير بعد مضي ثلاث سنوات على غرسها.
مضاربون يضاعفون أسعار التفاح بعد مرور موسم الإنتاج
أكد رئيس لجنة الفلاحة بالمجلس الشعبي الولائي عيسى عنون، أن لجنته ترى بأن ارتفاع أسعار التفاح وبلوغه أرقاما خيالية حسبه تصل إلى حد 700 و800 دج، أمر غير طبيعي ولا منطقي، خاصة بمنطقة الأوراس التي يقترن اسمها بإنتاجه وتعد من الولايات الريادية في إنتاج التفاح وقال رئيس اللجنة في حديث مع النصر، بأن المجلس وخلال دورات ماضية، سبق وأن طرح التناقض بين إنتاج التفاح وارتفاع سعره غير المتاح للمواطن.
وأرجع رئيس لجنة الفلاحة بالمجلس الشعبي الولائي ارتفاع سعر التفاح، إلى مضاربين من ولايات الشمال يقومون باقتناء المنتوج بالدفع والحجز المسبق قبل موسم نضجه مستغلين تهافت منتجين للبيع، خاصة في ظل عوامل تخوف من عدم تسويقه وضعف إمكانيات التخزين.
و أكد المتحدث لـ «النصر»، على أن التفاح الذي يقتنيه المتعاملون المضاربون في موسم الإنتاج، يقومون بتخزينه لبيعه مجددا خارج أوقات موسمه، بحيث تعود نفس الكميات المنتجة بمناطق الأوراس مجددا، لتسويقها بالمنطقة وبأسعار مضاعفة.
و أكد المتحدث، على أن اللجنة نددت بطرق المضاربة ودعت للتصدي لها، بحثَ الفلاحين على التكتل للاستثمار في مجال حفظ التفاح وتخزينه، على غرار إنجاز غرف تبريد مشتركة تتيح التحكم في تسويق المنتوج على مدار العام، بدل التخلص منه لتجار ومضاربين سيعيدون بيع نفس المنتج وبنفس المنطقة بعد تحويله إلى ولايات أخرى لتخزينه هناك، في انتظار الندرة خارج الموسم، لاقتنائه في موسمه من طرف المضاربين بأسعار تتراوح بين 150 و210 دج بالنسبة للنوعيات الجيدة، على أن يباع بعد التخزين خارج موسمه بأسعار تتراوح بين 500 و700 دج.
وأشار رئيس لجنة الفلاحة، إلى قلة غرف التبريد، نظرا لثمنها الباهظ لإنجازها واقتصارها على عدد قليل من المستثمرين وأبرز نموذج لأحد المستثمرين الذي أنجز وحدة صناعية للعصير، لكن نظرا لعدم توفر إمكانيات التخزين لدى منتجين لحفظ كميات التفاح خارج موسم إنتاجه، فإن نشاط الوحدة يقتصر على فترة محددة فقط، مثمنا تطور الإمكانيات التي وفرتها الدولة على مضي السنوات الأخيرة، من فتح للمسالك الريفية وحفر للآبار، مؤكدا على أن الهاجس الوحيد المتبقي، هو تنظيم التسويق، بالإضافة إلى أخطار العوامل الطبيعية.
تأخر فلاحين في إتباع طرق حديثة أثر على الإنتاج
و تتوقع مصالح الفلاحة هذا الموسم، أن يتراجع منتوج التفاح مقارنة بالموسم الماضي، مرجعة ذلك إلى عوامل عدة، أبرزها عدم مواكبة فلاحين للطرق الحديثة رغم مساعي المديرية لتكوين وتوعية الفلاحين وفي هذا الصدد، أوضحت مسؤولة بمديرية المصالح الفلاحية بالولاية، بأن منتجين لا يتابعون التقنيات الحديثة بعد الموسم الذي تعرف فيه الأشجار إزهارا في ما يعرف بظاهرة التعويم، من خلال استعمال الأسمدة اللازمة وحماية الأشجار من الظواهر الطبيعية كالصقيع والبرد.
وأكدت المصالح الفلاحية، على أنها تعمل منذ سنوات على تطوير منتوج التفاح بدعم الفلاحين، مؤكدة على أن الدعم أعطى نتائجه من خلال اتساع المساحة المخصصة للتفاح، التي فاقت أربعة آلاف هكتار وارتفاع المنتوج الذي تجاوز المليون قنطار من مختلف الأنواع التي تتميز بها خصوصا منطقة الأوراس على غرار قولدن ديليسيوز، ستار كريمسون التي تعرف بالكبدة، والروايال، وراد ديليسيوز ولقلاني سميث.
و في ما يخص أسعار التفاح، فأكدت مصالح الفلاحة، على أنها لا تتحكم في أسعارها و بأن تنظيم تسويق المنتوج يبقى مرتبطا بمدى تكتل المنتجين ضمن تعاونيات وجمعيات تعمل على إنجاز غرف للتبريد والحفظ لتسويق منتوجها.
و يذكر أن ولاية باتنة، تتربع على مساحات أخرى لبساتين الأشجار المثمرة التي تعرضت للتلف وأهملت لسنوات لعوامل عدة، منها البيئية كتلوث واديي إغزر أملال وإغزر ناه عبدي، اللذين تحولا إلى مجاري لمياه الصرف والمياه الصناعية ويأمل فلاحون بعد إنجاز محطة تطهير بمنطقة بوصالح، تمكينهم مجددا من استغلال مياه الوادي في سقي بساتين تمتد على كيلومترات بعدة بلديات، من بينهم فلاحون بمنطقة شير أولاد عائشة ببلدية تيغانمين الذين ينتظرون بعث مشاريع تنموية، للدعم منها حفر بئر دون أن يتمكنوا من استغلالها، حيث يطالبون بإنجاز حوض مائي وتركيب مضخة، خاصة و أن جل الفلاحين بسطاء و منهم من عاد لخدمة الأرض بعد ضياعها.
و من بين العوامل التي أدت إلى إهمال أراضي فلاحية و بساتين كانت في سنوات ماضية تدر الخيرات، الظروف اللاأمنية التي دفعت ملاك أراضي للهجرة، مثلما حدث ببلديات لارباع، معافة، أولاد عوف، بني فضالة الحقانية و هي المناطق التي تعمل الدولة حاليا على تشجيع العودة إليها بعد استتباب الأمن، من خلال برامج الدعم الفلاحي من إنجاز للطرقات والمسالك، على غرار انطلاق الطريق الذي يربط معافة ببوزنية والطريق الذي يربط تازولت بلارباع.
ي. ع