يضطر منتجو الكرز بأعالي منطقة سيدي منصور في بلدية تمالوس بولاية سكيكدة، لقطع مسافات طويلة في منحدرات و أعالي الجبال مشيا على الأقدام، من أجل الوصول إلى المزارع و جني فاكهة الكرز أو ما يسمى «بحب الملوك»، وسط ظروف صعبة يميزها انعدام المسالك و الطرقات، فضلا عن مشكل التسويق و انعدام الدعم، مناشدين والي الولاية للتدخل والوقوف على انشغالاتهم من أجل تحسين و تطوير هذه الشعبة الفلاحية التي لها آفاق واعدة في حال لقيت الدعم اللازم.
و حسب الأصداء التي جمعناها من بعض الفلاحين، فإن الإنتاج هذه السنة لا بأس به، لكنه لا يرتقي لكمية المنتوج المسجل خلال الموسم الفارط و ذلك لعدة عوامل، من بينها الأمراض التي فتكت بحبات الكرز و كذا الأمطار التي تهاطلت في فصل الربيع، الأمر الذي أثر كثيرا على نوعية المنتوج و كميته.
خلال زيارتنا للمنطقة، التقينا ببعض المنتجين و تحدثوا بحسرة شديدة عن حجم المعاناة التي يلاقونها يوميا في ممارسة نشاطهم الفلاحي سواء في الشتاء أو الصيف، بسبب عدة عوامل، أبرزها انعدام المسالك المؤدية إلى المزارع، بحكم أن المنطقة جبلية و تمتاز بالتضاريس الوعرة، حيث يضطرون لقطع مسافة بين 3 إلى 5 كلم مشيا على الأقدام في مرتفعات و منحدرات جبلية و وقفنا على فلاحين يصارعون الطبيعة من أجل تطوير زراعة هذه الشعبة وسط جملة من المشاكل و الصعوبات.
يقطعون 5 كلم مشيا على الأقدام لجني المنتوج
و ذكر لنا أحد المنتجين يناهز السبعين من العمر، وجدناه يحمل صندوقا معبأ بالكرز و ملامح التعب بادية على وجهه و العرق يتصبب من جبينه، استوقفناه قليلا و شرع مباشرة في سرد المصاعب التي يواجها يوميا رفقة أهله في نشاطه، بحكم أن هذا النوع من الشعب الفلاحية في هذه المناطق، تمارسه العائلات أبا عن جد.
و أكد المتحدث، على أنه بدأ في نشاطه الفلاحي و بالتحديد في شعبة الأشجار المثمرة منذ 14 سنة و يوميا يقطع ما بين أربعة إلى خمسة كيلومترات مشيا على الأقدام في ظروف صعبة للغاية، نظرا لوعورة التضاريس و تواجد المزارع في مناطق جبلية، مضيفا بأن الأمر حتم على المنتجين شق مسالك بأموالهم الخاصة في غياب أي دعم من السلطات المحلية.
وفي هذا الإطار، تحدث عن غياب الدعم من المصالح الفلاحية، سواء من خلال تزويدهم بالنصائح و الإرشادات الفلاحية أو بالأسمدة لمعالجة الأشجار، مشيرا إلى أن مسؤولا في حماية النباتات بمديرية المصالح الفلاحية، زار المنطقة في إحدى المرات و وعده بتزويده بأسمدة للمعالجة لحماية الأشجار و النباتات، لكن كلامه كان مجرد وعود لا غير، مؤكدا على أن الأمراض التي تصيب الأشجار و النباتات، تكلفهم الكثير من الخسائر و الأمر يتطلب حسبه دعما دائما لهذه الشعبة، مبديا استغرابه من تهميش فلاحي هذه المنطقة رغم أن الأخيرة تشتهر بزراعة الكثير من الفواكه الموسمية وعددها يزيد عن 14 فاكهة غابية.
المنتجون تحدثوا كذلك عن إشكالية تسويق المنتوج التي باتت تؤرقهم و تهدد بفساد حبات الكرز، لدرجة أن الكثير منهم يرفض جني المنتوج رغم نضجه بسبب صعوبة إيجاد الزبائن، لاسيما هذا الموسم و عملية الجني أصبحت، مثلما قالوا، ترتبط بوجود الزبون مسبقا و مرات تكون عملية الجني غير منتظمة و ذكروا أن أملهم كان معلقا على فتح نقطة بيع بمدينة سكيكدة، كما عهدوه في سنوات سابقة، بغرض توفيره للمستهلك بأسعار في المتناول بعيدا عن منطق المضاربة وبارونات الاحتكار، لكن للأسف تفاجأنا، يضيفون، برفض رئيس المجلس الشعبي البلدي منحهم الترخيص دون تقديمه لأي مبررات و هنا طالبوا من الوالي التدخل للنظر في هذه القضية.
كما تحدثوا عن أهمية إنشاء وحدات التحويل التي تساعدهم في تسويق منتوجهم، لكن للأسف افتقار بلديات الولاية لمثل هذه المصانع، يزيد من متاعبهم، كما أثاروا مشكلة انعدام آبار السقي، ما يدفعهم لحفر آبار صغيرة تقليدية و الأمر يتطلب الحصول على ترخيص من طرف البلدية و هي عملية، يضيفون، تتطلب إجراءات معقدة، فضلا عن قلة العمال المختصين في عملية جني المنتوج، بالإضافة إلى انعدام الدعم.
و في الأخير، ناشد الفلاحون والي الولاية للتدخل و الوقوف على انشغالاتهم و تقديم الدعم اللازم لهم من أجل تطوير هذه الشعبة التي بإمكانها، يضيفون، أن تساهم في تنمية الاقتصاد الوطني.
و بخصوص مشكلة المسالك، أوضح رئيس بلدية تمالوس، بأن البلدية قامت بفتح حوالي 30 كلم بمختلف المشاتي بمساعدة المواطنين و 6 كلم عن طريق المصالح الفلاحية و هناك مشروع تابع لمصالح الغابات، يشمل فتح 15 كلم و ينتظر انطلاق الأشغال فقط، مضيفا بأن قضية الترخيص بحفر الآبار من اختصاص مديرية المصالح الفلاحية و البلدية ما هي إلا عضو في اللجنة، مبديا استعداد البلدية لتقديم كل التسهيلات للفلاحين فور تلقيها لمراسلة من طرف المصالح الفلاحية.
و أضاف في هذا الإطار، بأن مصالحه قامت في وقت سابق بفتح بئرين ارتوازيين في منطقة وادي القبلي بـ500 مليون و الأشغال منتهية في انتظار تركيب التجهيزات و مع هذا، فإن الفلاحين شرعوا في استغلالهما في عملية السقي. كمال واسطة