عاد الجدل ليحيط بالدراما التاريخية العربية « فتح الأندلس»، و ذلك مع عرض أولى حلقاتها، فالعمل الذي يروي رحلة الفاتح طارق بن زياد من شمال إفريقيا إلى شبه الجزيرة الأيبيرية، أثار زوبعة، بخصوص ما تداوله متابعون جزائريون عن تجاهل الجهات المنتجة لأصول طارق بن زياد الجزائرية، إذ قدم على أنه أمازيغي مغربي، بدأ رحلة الفتح من طنجة، الأمر الذي أثار حفيظة الكثيرين.
كانت هذه النقطة قد أثيرت مع بداية تصوير العمل، إذ سبب تجاهل الجهات المنتجة لأصول طارق بن زياد، الكثير من الجدل، حيث كان من المتوقع أن يؤخذ التفصيل بعين الاعتبار بعد كم التعليقات الكبير الذي تركه الجزائريون على مواقع التواصل، غير أن النسخة النهائية للمسلسل التاريخي لم تذكر الجزائر خلال سرد مسار طارق بن زياد، و هو تحديدا ما خلف ردود فعل سلبية لدى المشاهد الجزائري، عكستها تعليقات الكثيرين على أول حلقتين منه.
حسب الباحث في التاريخ الأستاذ سفيان عبد اللطيف، فإن مشكل الخلاف العميق في وجهات النظر حول الظاهرة التاريخية عموما ومعطيات العصر الوسيط خصوصا، ينبع من الاعتماد على نظام الكتابات النقلية، بعيدا عن أدوات التدليل العلمي المعاصر كالآثار والشواهد الوثائقية والعمل الإثنوغرافي وغيرها، لذلك تنشأ حول الشخصيات التاريخية، مثل الفاتح طارق بن زياد وأمثاله، سجالات كثيرة تتعلق بنسبه و حقيقة ما يروى عنه.
وهذا الأمر منطقي لكون بنية الشخصية الجزائرية تعتمد في استقرارها الهوياتي و القدواتي على مثل هذه الشخصيات المحورية، و ما يدور حول جزائرية طارق بن زياد في هذا المسلسل، يتعلق، حسب الباحث، بالأساس الإنتمائي الذي يعتمده كل شخص، فبينما يعتمد البعض على الأساس الجغرافي لجعل ابن زياد جزائريا في عمل غير سليم علميا، لكون المفهوم القطري للجزائر لم يكن موجودا حينها، و لا يعتمد آخرون على نسبه لأبيه زياد بن عبد الله الليثي، و إنما نُسب إلى أمه، لأن الرواية تدعي أنه نشأ بين أخواله من بربر أوراس، وحتى القول بأنه بربري من قبيلة ولهاصة المغرب، يقصد به المغرب بالمفهوم الوسيطي أي من حدود مصر إلى الأطلسي، ولا تتوفر إلى اليوم رواية ترجح أيا من الآراء المتساجلة.
يذكر أن شخصية طارق بن زياد في المسلسل، تقمصها الممثل السوري سهيل جباعي، فيما يؤدي اللبناني رفيق علي أحمد، دور موسى بن نصير، و الأردني عاكف نجم تقمص شخصية أبو بصير شيخ الفاتح، و يؤدي الفلسطيني محمود خليلي دور جوليان حاكم سبتة، و يقدم السوري تيسير إدريس شخصية لوذريق حاكم طليطلة، المسلسل من إخراج الكويتي محمد العنزري ، و يستعرض في 33 حلقة كاملة، محطات من تاريخ تأسيس الأندلس.
ويعتبر المسلسل من أضخم الإنتاجات الدرامية التي قدمت هذا الموسم للمشاهد العربي، بميزانية قوامها 8 ملايين دولار، حيث أعاد تصوير البيئة التاريخية بشكل دقيق، مع توظيف كبير للتقنية الحديثة في التركيب و المؤثرات الصوتية و البصرية. ناهيك عن كونه دراما عربية جامعة لعدد كبير من نجوم الوطن العربي، مع ذلك فإن أول و ثاني حلقتين من العمل، لم تحققا إلى غاية الآن نسب المشاهدة التي كانت متوقعة، رغم عرضه على عديد القنوات العربية وعبر بعض المنصات الإلكترونية، حتى أن الكثير من المتابعين انتقدوا مستوى الإخراج، و ذهبوا إلى حد الحديث عن استنساخ تجربة مسلسل « عمر»، فيما قدم آخرون، مقارنة بين العمل و بين الرباعية الأندلسية الشهيرة للمخرج الكبير الراحل حاتم علي، و التي عرضت في مواسم رمضانية سابقة، بين 2002 و 2009 ، بداية بسلسلة «صقر قريش» ثم « ربيع قرطبة» العمل الأنجح على الإطلاق، مرورا بدراما «ملوك الطوائف»، وصولا إلى « سقوط غرناطة». المشاهدون انقسموا كذلك، بين من اعتبر العمل قويا و قريبا من النسق السينمائي، و بين من قالوا بأن السيناريو نقطة الضعف الأكبر فيه، و بأن الحوار ضعيف نوعا ما، مقارنة بضخامة الإنتاج و أهمية القصة التاريخية.
هدى طابي