جف خلال الأيام الماضية، الحاجز المائي «برغلة» بمدخل عين سمارة بقسنطينة، حيث نفقت فيه أعداد كبيرة من الأسماك، بعدما كان يتربع على مساحة واسعة، في حين أكد صيادون ومرتادو المنطقة أن منسوب المياه فيه لم يكن كبيرا خلال هذا الموسم بسبب نقص تساقط الأمطار، كما أن نشاط السقي قد استهلك الكميات الموجودة فيه بشكل كلي.
وتنقلنا يوم أمس إلى موقع الحاجز المائي، حيث لاحظنا أن البحيرة الاصطناعية الضخمة التي يستغلها الفلاحون في السقي قد جفت بشكل تام، ولم تبق منها إلا رقعة صغيرة من المياه ما يزال بعض الصيادين يترددون عليها بحثا عن الأسماك، وسط الأرضية الواسعة المتشققة، التي أصبحت تبدو عند معاينتها من أعلى الربوة المطلة عليها مثل ملعب كرة قدم مفروش بالرمل أو ساحة ترابية. ولم تبق من مياه البحيرة الاصطناعية الموجهة للسقي، والمعروف باسم «برغلة» إلا آثار منسوب المياه المرتفع إلى غاية أشجار نبات الدفلى المحيط بها.
ولاحظنا بالمكان أعدادا كبيرة من الأسماك النافقة العالقة داخل الأوحال، في حين كانت بعض الطيور المهاجرة، مثل البط والإوز، متجمعة على بعض ضفاف البركة المائية الأخيرة، تبحث عن الأسماك النافقة أو بعض الأسماك الحية المتبقية لتقتات عليها، كما وقفنا على وجود سرطان ميت فوق الحجارة، في وقت توارى فيه سرطان آخر بين الحجارة المشكلة للضفاف الداعمة للحاجز المائي. وقد ظلت القنوات الناقلة للمياه الخاصة بالفلاحين معلقة في الفراغ وخاوية بعد جفاف الحاجز، في حين لاحظنا أن الأرضية المتشققة متحركة وتخفي تحتها حفرا عميقة من الأوحال والطمي الأسود، التي تشكل خطرا على من يحاول أن يسير فوقها، حتى أن قدم أحد مرافقينا قد علقت فيها بمجرد الدوس عليها.
ووجدنا في المكان صيادين نصبا صنارتيهما في انتظار أن تعلق بها أسماك، حيث أكدا لنا حين سألناهما عن حصيلة صيدهما إلى غاية وقت الظهيرة، أنهما لم يقبضا على شيء منذ الصباح، موضحين أنهما لا يقصدان الموقع بحثا عن الأسماك، وإنما رغبة منهما في تغيير الجو فقط، والابتعاد عن صخب المدينة. وعبّر محدثانا عن تأسفهما من حالة الحاجز المائي الذي ظل منسوبه ينخفض منذ فترة، لكنهما أشارا إلى ضرورة استغلال جفاف البحيرة في الوقت الحالي من أجل نزع الطمي والطبقة السميكة من الأوحال المتشكلة في قعرها، ما يجعلها تمتلئ بكميات أكبر من المياه عند عودة الأمطار إليها.
ونبه محدثانا أن ثلاثة أنواع من الأسماك تعيش في البحيرة، وهي الشبوط و«الملكي» و«الباربو»، حيث أوضحا أن وزن بعض الأسماك يصل أحيانا إلى 15 كيلوغراما، كما نبها أن بعض الصيادين يستخرجون الأسماك بالشباك في أوقات الامتلاء الجيد للحاجز، في حين أشارا إلى أن انخفاض المنسوب يؤدي إلى نفوق العديد من الأسماك، مثلما اعتادوا ملاحظته خلال ترددهما على الموقع. وأضاف مواطنون آخرون يقيمون بالقرب من الحاجز المائي أن عمليات السقي المكثفة من الحاجز هي التي أدت إلى جفافه بشكل تام، لكن المعنيين أكدوا لنا أن نشاطهم فلاحي ولا يمكنهم العزوف عن استعمال مياه الحاجز لسقي مزروعاتهم، معتبرين أنها الغاية من وجوده. وقد زرنا الحاجز المائي منذ أكثر من شهر، حيث كان ممتلئا بأكثر من النصف، بينما كانت مضخات الفلاحين على مستواه تعمل خلال النهار وتضخ عبر قنوات ممتدة على مئات الأمتار، في حين أوضح حينها فلاحون أنه عرف تراجعا في المنسوب خلال السنة الجارية مقارنة بالأعوام الماضية نتيجة نقص التساقط على مستوى الولاية، رغم أن السنوات الماضية لم تكن وافرة كثيرا بالمياه. وقد لاحظنا أن الحاجز المائي محاط بمساحات فلاحية واسعة مزروعة بالبطيخ، الذي يستهلك كميات كبيرة من المياه.
وتشرف التعاونية الفلاحية المختصة في السقي وصرف المياه «كاسيد» على الحاجز المائي «برغلة» بعين سمارة، حيث أفاد رئيسها، بلال عليوش، في تصريح للنصر، أن التعاونية تصدر في كل موسم رخص السقي لفائدة الفلاحين بحسب قدرات الحاجز والمعطيات التي توفرها مديرية المائية حول إمكانيات السقي من البحيرة الاصطناعية في كل موسم، في حين أشار إلى أن عملية السقي ينبغي أن تتوقف عند بلوغ مستوى المياه درجة محددة من الانخفاض، إلا أن بعض الفلاحين غالبا ما يستمرون في السقي غير مبالين بانخفاض الحاجز، مثلما أكد.
ونبه محدثنا أن التعاونية دائما ما تدعو الفلاحين إلى اعتماد طرق سقي أكثر اقتصادا، على غرار السقي بالتقطير، لكن أغلب الفلاحين يعتمدون على طريقة السقي المحوري بالرش التي تستهلك كميات أكبر من المياه، في حين أشار إلى جفاف الحاجز لا يمثل مشكلة كبيرة في الوقت الحالي بالنسبة للنشاط الفلاحي نظرا لكون الفترة الحالية تمثل نهاية الموسم. وتوقع محدثنا أن يعود الحاجز إلى الامتلاء حوالي منتصف شهر سبتمبر في حال عودة الأمطار. وأكد نفس المصدر أن الكثير من الحواجز المائية قد جفت أيضا على مستوى ولاية قسنطينة، بينما لم تتمكن التعاونية من منح رخص السقي في بعض الحواجز المائية الأخرى خلال هذا الموسم بسبب عدم امتلائها بالقدر الذي يسمح بذلك.
سامي .ح