عرفت أسعار الماشية بسوق مدينة الخروب بولاية قسنطينة نهاية الأسبوع، ارتفاعا كبيرا قابله عزوف غير مسبوق من طرف مواطنين ينتظرون انهيارها في الساعات الأخيرة، لكن الموالين يؤكدون بأن الأسعار مرشحة للالتهاب أكثر بسبب السماسرة، الذين استغلوا هذا العزوف لشراء أعداد كبيرة من الأضاحي بغرض بيعها بأثمان باهظة.
روبورتاج: لقمان قوادري
كانت الساعة تشير إلى التاسعة صباحا عندما دخلنا سوق المواشي بمدينة الخروب قبل أقل من أسبوع من عيد الأضحى، حيث كان مكتظا عن آخره بالأغنام باعتبار أنه يعد الأكبر في الولاية و يستقطب الموالين و مربي الماشية من مختلف مناطق الوطن، بدء من منطقة عين الصفراء و المشرية من ولاية النعامة، وصولا إلى الجلفة والمسيلة و أولاد جلال ببسكرة و ما جاورها من المناطق.
وعلى الرغم من أن السوق كانت مليئة بالأغنام و تعج بالمواطنين، إلا أن غالبيتهم أبدوا تحفظا شديدا اتجاه الأسعار الموجودة المتداولة بالسوق، فلا الموالين كانوا راضين بما اقترح عليهم من أسعار و لا المواطنين، الذين فضل غالبيتهم مراقبة بورصة الأسعار خلال الأيام المقبلة علها تنخفض، باعتبار أن الدولة قد تعهدت بتخفيض الأسعار من خلال توفير الأغنام و إرسال الموالين، من المناطق الجنوبية و السهبية إلى مدن الشمال من أجل تخفيض الأسعار.
8 ملايين لشراء كباش الجلفة و بسكرة
حال السوق دفعنا إلى التوغل أكثر، حيث تراوحت أسعار «الثني» من السلالة المحلية وهو الكبش من الحجم المتوسط، ما بين 36 ألف و 50 ألف دينار، فيما وصل سعر «الربع» و هو أكبر حجما من الثني إلى 60 ألف دينار، في حين تجد سعر «السداس» بسعر 6 ملايين سنتيم فما فوق، لكن في المقابل تسجل أسعار الأغنام لسلالات منطقة أولاد جلال ببسكرة و الجلفة بالإضافة إلى المسيلة، ارتفاعا محسوسا مقارنة بالسلالة المحلية، حيث لا يمكنك الحديث مع الموال إلا ابتداء من سعر 5 ملايين و نصف لشرائها جملة و 6 ملايين من أجل شرائها فرادى و غالبا ما تصل الأسعار إلى غاية 8 ملايين سنتيم.
ويؤكد غالبية الموالين الذين تحدثت إليهم النصر، بأن الأسعار ارتفعت بشكل محسوس مقارنة عما كانت عليه السنة الماضية، حيث تراوح الزيادات ما بين 5000 و 15000 دينار، لكنهم أوضحوا بأنها «جد معقولة” مقارنة بالأعباء المالية الباهظة، التي تترتب عن تربية الماشية باعتبار أن أسعار الأعلاف غالية جدا، كما أن دعم الدولة في هذا المجال منعدم تماما حسبهم، حيث ذكروا بأن أسعار العلف تتراوح ما بين 4200 و4500 دينار فيما تتراوح أسعار “البالة” من الكلأ ما بين 700 و1000 دينار، ناهيك عن نقص و ارتفاع تكاليف اليد العاملة في مجال الرعي و تربية المواشي، بالإضافة إلى ارتفاع أسعار كراء أماكن الرعي “الحصائد»، مشيرين إلى أن الركود طبع هذا الموسم حيث أن البيع تراجع بشكل رهيب و غير مسبوق، حيث يؤكد «عبد اللطيف» من أولاد جلال بأنه باع اثنين فقط من أصل 100 رأس أحضرها، فيما يقول زيدان موال من عين المسيلة بأنه لم يبع سوى واحدة من أصل 47 رأسا.
وأسر لنا أحد الموالين عن وجود العديد من العوامل التي تتحكم في زيادة أو تراجع الأسعار، حيث ذكر على سبيل المثال بأن عامل المناخ يتحكم بشكل كبير في أسعار الماشية، باعتبار أن العام الذي يتميز فيه كثرة تساقط الأمطار، تكون فيه الأسعار مرتفعة بسبب قلة عرض الموالين لسلعهم، في حين تنخفض في العام الجاف إذ يضطر الموال إلى عرضها مخافة تكبد مصاريف الأعلاف الإضافية على حد ذكره.
السماسرة استغلوا عزوف المواطنين لشراء أعداد كبيرة من الأضاحي
من جانب آخر أبدى جل المواطنين الذين وجدناهم بالسوق، امتعاضا واستياء شديدين من الغلاء الذي وصفوه بالفاحش وغير المعقول، حيث ذكر لنا أحدهم بأنه يحمل في جيبه منذ أسبوع 4 ملايين سنتيم من أجل اقتناء كبش من الحجم المتوسط، إلا انه لم يتمكن من الظفر بواحد، فيما يقول آخر بأنه اقتنى كبشا بمبلغ 5 ملايين حجمه أقل من الذي اقتناه في السنة الماضية بمبلغ أربع ملايين و نصف، واصفا الأسعار بالعشوائية و المبالغ فيها، و تحدد «بالتنسيق فيما بين الموالين» بجميع الأسواق، في حين يؤكد العديد من المواطنين بأن قدومهم إلى السوق اقتصر على مراقبة الأسعار فقط، و بأنهم ينتظرون تجسيد قرار وزارة الفلاحة بجلب أغنام من المناطق السهبية والصحراوية لبيعها في نقاط البيع بالمدن الشمالية و بأثمان منخفضة، و إلا سيضطرون للاستدانة أو حتى عدم أداء “الواجب الديني”.
ما يلاحظ عبر أرجاء السوق ومداخله هو الإنتشار الكبير لفئة السماسرة والوسطاء، حيث يؤكد لنا احد الموالين وجود أغنام بالسوق تباع للمرة الثالثة، كما رصدنا العديد منهم وهم يقترحون أسعارا على الموالين لشراء الكباش جملة، بينما تجد أغالبية الموالين يوافقون على المبالغ المقترحة و يبيعونها، حيث ذكروا لنا بأن ما يهمهم هو بيعها حتى لا يعودوا بها، مشيرين إلا أنهم يعرفون بأنها ستباع بمبالغ إضافية لكنهم مضطرون لذلك في ظل عزوف “المواطنين عن الشراء”، فيما ذكر لنا سماسرة وجدناهم يضعون الأغنام في الشاحنات، أنهم سيوزعونها على العديد من الأحياء و المناطق من أجل بيعها، معتبرين الأمر «شطارة «و تجارة و فرصة من أجل كسب مداخيل إضافية، في الوقت الذي لمسنا فيه رفض العديد من المربين والموالين بيعها للسماسرة، إذ يصرون على بيعها للمواطن مباشرة حتى و لو كلفه الأمر أن يرجعها كاملة إلى أماكن تربيتها.