سجلت الحواجز المائية المستعملة للسقي خلال الأيام الأخيرة بولاية قسنطينة امتلاء بنسبة كبيرة بفضل الثلوج والأمطار التي عرفها شهر جانفي الجاري، حيث عادت المياه إلى “بحيرة” ابن باديس، الأكبر بالولاية، لأول مرة بعد أكثر من عامين من الجفاف، في وقت تدفقت فيه المياه من العديد من المنابع التي نضبت خلال الصائفة الماضية. وقد استبشر الفلاحون خيرا بهذه المؤشرات، متأملين في موسم مختلف عن الموسم الماضي الذي تكبد فيه بعضهم خسائر كبيرة بسبب نقص التساقط، رغم ما يبدونه من حذر بشأن وضعية الظروف الجوية خلال الأشهر القادمة.
روبورتاج: سامي حباطي
وقمنا بجولة على مستوى عدة نقاط تضم حواجز مائية في بلدية ابن باديس، حيث لاحظنا أن الحاجز المائي المعروف باسم “بحيرة الهرية” قد عاد إلى الامتلاء بالمياه، وإن كان ذلك بصورة نسبية، مثلما أكد لنا سكان من المنطقة، الذين نبهوا بأن الحاجز قد ظل جافا لأكثر من عامين كما سجل من قبل مشكلة تلوث، إلى غاية عودة المياه بفضل الثلوج والأمطار الأخيرة التي شهدها شهر جانفي الجاري.
وتجولنا بمحيط الحاجز المائي، الذي أخضع لعملية تطوعية لإزالة الطمي والأوحال والمواد الصلبة المتراكمة فيه، حيث قام بها فلاحون ونشطاء في جمعيات ومنتخبون محليون خلال الصيف الماضي، وهو ما ساهم في ارتفاع المنسوب قليلا مثلما أكد لنا مواطنون من سكان محيط الحاجز.
ورغم عودة المياه، إلا أن الملاحظ في المكان أن جزءا كبيرا من الجدران الطبيعية للحاجز لم تصلها المياه بعد، في حين تقسمت إلى بركتين ضخمتين بسبب تشكل عازل طبيعي من الطمي المتراكم، فضلا عن أنها تتدفق بقوة من منبع طبيعي بالقرب من الحاجز، على الضفة الأخرى من الطريق.
وقد ذكر لنا فلاح تحدثنا إليه أن المياه نضبت في وقت سابق من المنبع، لكنها عادت بقوة خلال الأيام الماضية، لكنه أوضح أنه يتمنى أن تستمر الأمطار لفترة كافية حتى ترتوي الأرض والمزروعات بحاجتها من المياه، خصوصا خلال شهر مارس الذي يمثل حدا فارقا في تحديد مصير الموسم بالنسبة للحبوب والكثير من المزروعات الأخرى.
غادرنا المكان وسرنا باتجاه الشمال على مسافة تقارب العشرين كيلومترا نحو الحاجز المائي المسمى “الأبيار”، حيث يقع على الطريق المؤدية من بلدية ابن باديس باتجاه منطقة أولاد حبابة في ولاية سكيكدة، ولاحظنا خلال قطعه أن تضاريس المنطقة تضم الكثير من المرتفعات، فيما توشحت ضفتا الطريق غير مكتمل التعبيد الذي سرنا عليه ببقايا الثلوج الأخيرة.
المياه تتدفق مجددا من منابع طبيعية نضبت خلال الصيف
والتقينا في طريقنا إلى المكان ونحن بصدد قطع الغابة، راعي أبقار، أخبرنا أنه يشتغل فلاحا أيضا، حيث لم يخف تفاؤله بالأمطار والثلوج الأخيرة، في حين أرشدنا إلى مقصدنا وهو يؤكد لنا أن هذا الحاجز قد امتلأ بنسبة معتبرة من المياه نتيجة الثلوج الأخيرة وبفضل تضاريس المنطقة الجبلية التي يقع عند منتهاها في مكان خفيض، مشيرا إلى أنه يمتلئ بذوبان هذه الثلوج عبر الشعاب والجداول التي تصب فيها، على عكس ما يحدث في الحاجز المائي السابق الذي قمنا بزيارته.
ورغم استبشار محدثنا خيرا بالظروف الجوية الأخيرة، إلا أنه اعتبر أنها غير كافية، فالأرض بحسبه، بحاجة إلى الأمطار التي تهطل شهر ديسمبر حتى تتشبع التربة بالمياه التي تنفذ إلى أعماقها وتزود مسارات المياه الجوفية، إلا أنه أكد لنا أن الثلوج الأخيرة قد أعادت الحياة للعديد من المنابع التي نضبت خلال الصائفة الماضية، مثلما قال إنه لاحظه خلال تجواله اليومي عبر دروب المنطقة راعيا أبقاره.
بلغنا الحاجز المائي بالمنطقة المسماة “الأبيار”، فوجدنا مجموعة من أعوان محافظة الغابات بآلية يقومون بتجهيز حفر من أجل القيام بعملية تشجير بمناسبة إحياء اليوم العالمي للمناطق الرطبة المرتقبة اليوم الخميس، حيث أكد لنا عون الغابات أن الحاجز المائي المقابل لنا لم يكن خاليا من المياه، لكنه امتلأ بشكل أكبر مع الثلوج الأخيرة، ثم التفت وأشار إلى الحفر المخصصة للأشجار، فلاحظنا أنها ممتلئة جميعها، ليوضح لنا أن الأرض قد ارتوت بشكل كبير خلال الأيام الأخيرة، مستشرفا أن يكون هذا الموسم أفضل بكثير من الموسم السابق الذي عرف نقصا كبيرا في تساقط الأمطار.
وقد كانت الشعاب المنحدرة من المرتفعات المحيطة بالحاجز المائي تفيض بالمياه التي كانت تتدفق عبر مسارات محددة باتجاه الحاجز، الذي كنا في سيرنا صوبه، ندوس بحذر على الأرضية الترابية بسبب امتلائها بالمياه التي اختلطت ببقع واسعة من الثلوج المتجلدة. وانتشرت طيور المناطق الرطبة بمحيط الحاجز المائي، بينما لم تبد على الأرضية الترابية المحيطة به التدرجات التي يخلفها انخفاض منسوب المياه، مثلما لاحظناه على الحاجز الأول.
بحيرة ابن باديس.. منطقة عبور للطيور المهاجرة
أما خلال العودة على نفس الطريق، فقد توقفنا عند المكان المسمى “كاف تاسنغة” من أجل معاينة الحاجز المائي الواقع بنفس المكان، وذكر لنا فلاح وجدناه بالقرب من الحاجز أن امتلاء المكان المذكور ضعيف مقارنة بالحاجز السابق، مؤكدا أن تضاريس المنطقة المحيطة به لم تسمح بامتلائه بنسبة كبيرة من مياه الأمطار والثلوج الأخيرة لشهر جانفي الجاري، بسبب عدم انطوائها على مرتفعات جبلية كبيرة.
من جهة أخرى، أكد لنا فلاحون ينشطون بمحيط الحاجز المائي المسمى “برغلة” عند مدخل بلدية عين سمارة ويعتبر الثاني من حيث الحجم بعد ابن باديس، أن منسوب الحاجز قد عاد إلى الارتفاع بفضل الظروف الجوية الأخيرة، بينما قال رئيس جمعية حماية الطبيعة والبيئة، عبد المجيد سبيح، في تصريح للنصر، أن الجمعية شاركت من قبل في العملية التطوعية لإزالة الطمي من بحيرة ابن باديس التي أكد أنها الأكبر من حيث الحجم بولاية قسنطينة، كما تتربع على 60 هكتارا، مشيرا إلى أنها قد جفت، لكنه أوضح أن الاستغلال العشوائي لمياهها في السقي هو ما أدى إلى تفاقم وضعيتها. وأضاف نفس المصدر أن الجمعية قامت بمعاينة لمختلف الحواجز المائية المنتشرة عبر الولاية، حيث لاحظ أعضاؤها أن منسوبها ارتفع، إلا أنه قال إنها بحاجة إلى هطول مزيد من الأمطار حتى تضمن استقرارا في المنسوب طيلة العام مثلما كانت عليه في سنوات ماضية، قبل أن تغير التغيرات المناخية حالتها السنوية، فأصبحت في السنوات الأخيرة تجف تماما في بعض الفترات. وأكد رئيس الجمعية أن جفاف “بحيرة” ابن باديس قد أحدث اختلالا في مسار الطيور المهاجرة، خصوصا أنها تعتبر منطقة عبور لهم، إذ يتجهون منها إلى المناطق الرطبة في ولايتي أم البواقي والطارف، كما أن بعض أنواع الطيور المذكورة تستقر فيها لفترات بعد أن وجدت فيها وسطا ملائما، على غرار النحام الوردي.
س.ح