أطفال قصر يُشغلون بحقول الطماطم الصناعية بقالمة
عادت ظاهرة تشغيل القصر بولاية قالمة إلى الواجهة من جديد بعد اختفاء دام عدة سنوات و تحولت حقول الطماطم الصناعية إلى ورشات مفتوحة للأطفال القادمين من المدن و القرى لجني المحصول الأحمر و الحصول على قليل من المال لشراء حذاء رياضي و هاتف خلوي و الذهاب في رحلة إلى البحر و ربما مساعدة العائلة على تحمل نفقات المعيشة و متاعب مناسبات موسم الصيف المكلفة.
ينهضون في ساعة مبكرة من الصباح و يتجمعون على جوانب الطرقات و قرب المقاهي و الساحات العامة ينتظرون قدوم شاحنات و سيارات نفعية تنقلهم إلى حقول الطماطم الصناعية المنتشرة على نطاق واسع بولاية قالمة التي تحولت إلى قطب زراعي كبير بعد إنجاز محيط السقي الشهير قالمة-بوشقوف و بناء سد بوحمدان الذي يمد السهول الواسعة بمياه السقي و يدفع بقطاع الزراعة نحو التطور المتسارع رغم موجات الجفاف المتعاقبة على المنطقة في السنوات الأخيرة.
أطفال لا تتجاوز أعمارهم 15 سنة تقريبا و منهم من هو دون ذلك بكثير يحشرون كالقطيع في سيارات الطويوطا اليابانية المكشوفة و يساقون إلى الحقول الحمراء تحت حرارة قوية تتجاوز الأربعين درجة قبل حلول متصف النهار و كأنهم متوجهون إلى جبهة ساخنة لخوض معركة الحياة و الموت.
و يقضي هؤلاء الأطفال ساعات طويلة في الحقول بعضهم يضع قبعات تقيهم ضربات الشمس القاتلة و البعض يواجه الأشعة الحارقة برأس مكشوف لا يفكر إلا في تعبئة أكبر عدد من الصناديق البلاستيكية السوداء و الحصول على مال أكثر يقدمه لعائلته عندما يعود بعد منتصف النهار منهك القوى في انتظار يوم آخر ربما يكون أكثر صعوبة من اليوم الذي مضى.
ويبدأ العمل في حقول الطماطم بقالمة في ساعة مبكرة من الصباح و ربما قبل طلوع الشمس الحارقة، و عندما تشتد الحرارة ينسحب الجميع تاركين مئات الصناديق معبأة تنتظر الشحن إلى مصانع التحويل المتواجدة بالمنطقة.
ويقول المنتجون للطماطم الصناعية بقالمة بأنهم لا يرغبون في تشغيل القصر لكن نقص العمالة المحلية و عزوف الكبار هو من أجبرهم على الاستنجاد بالأطفال لجني المحصول قبل أن يتعرض للتلف تحت تأثير الحرارة القوية و الجفاف الذي يضرب سهل سيبوس الكبير منذ بداية الصيف.
و يدفع المزارعون أجور الأطفال بنهاية كل يوم حسب عدد الصناديق المعبأة و ربما يتلقى العاملون الصغار مكافآت أخرى عندما يحقق المزارع أرباحا بنهاية عملية الجني، و أصبح لكل منتج للطماطم صناعية فريق عمل خاص به أغلبه أطفال صغار بعضهم أجبرته ظروف العيشة الصعبة على العمل في سن مبكرة و البعض بدافع الفضول و حب المغامرة و تعلم دروس قاسية من مدرسة الحياة المتقلبة بين يوم و آخر و حتى بين ساعة و ساعة أخرى.
ويعاني قطاع الزراعة بقالمة من نقص كبير في اليد العاملة و لا توجد حلول بديلة حتى الآن باستثناء النساء و الأطفال القصر و بعض الرجال القادمين من ولايات مجاورة للعمل بقطاع حيوي أدار له القالميون ظهورهم و توجهوا بقوة إلى قطاعات أخرى كالخدمات و حظائر السيارات و الإدارة و التجارة و حتى التسكع بين المقاهي و في الساحات العامة بجيوب فارغة تدفع البعض منهم إلى حد التسول و الاتكال على الآخرين لمواجهة أعباء الحياة اليومية المكلفة. و رغم التعب و الجوع و الحرارة القوية يبدو هؤلاء الأطفال في غاية السعادة و هم يركبون السيارات التجارية المكشوفة متوجهين إلى الحقول الحمراء أو عائدين إلى منازلهم قبل أن تتوهج السماء و تلقي بأشعتها الحارقة على السهول الخضراء، يرددون أغان رياضية و يرسلون هتافات و ضحكات ممزوجة بالصفير المدوي كلما مروا بقرية أو مدينة و كأنهم يحثون الكسالى من الرجال و الشباب على التوجه إلى الجبهة الساخنة لكسب العيش بشرف و عرق حتى لو تجاوز مؤشر الحرارة سقف الخمسين درجة تحت الشمس. فريد.غ