* الحكومة الفرنسية: «ليست لدينا مصلحـة في التصعيد»
تقلى وزير الداخلية الفرنسي برونو بروتايو،أمس، صفعة قوية من القضاء الفرنسي، بسبب تصريحه المبكر بشأن اعتقال مؤثر جزائري. وذكّر مكتب المدعي العام في باريس، بأن السلطة القضائية وحدها هي التي تتمتع بالشرعية في التواصل بشأن قضية قانونية جارية وأن الشخص الذي لا يحاكم يعتبر بريئا. وأجبرت النيابة العامة في باريس وزير الداخلية الفرنسي على تصحيح تغريدة نشرها وصفت بأنها سابقة لأوانها.
وجد وزير الداخلية الفرنسي، برونو روتايو، نفسه في مرمى الانتقادات واللوم التي جاءت هذه المرة من المدعي العام في باريس، والتي تضاف إلى سلسلة من الانتقادات التي طالته من شخصيات سياسية وقادة الأحزاب اليسارية وحتي من داخل حكومة الوزير الأول الفرنسي بايرو، بسبب تصريحاته المستفزة ضد الجزائر.
وتلقى وزير الداخلية الفرنسي، برونو روتايو، أمس، توبيخا لاذعا من مكتب المدعي العام في باريس، على خلفية نشره إعلانا «سابقا لأوانه»، حول اعتقال مؤثر جزائري معروف، فبمجرد إعلان برونو روتايو خبر اعتقال «التيكتوكر» الجزائري، رفيق مزيان، المدعو «دي جي رفيق»، من قبل قوات الأمن، خرج مكتب المدعي العام في باريس لشجب تصريح وزير الداخلية، الذي قال إنه «سابق لأوانه».
وأكد مكتب المدعي العام، أنه في المرحلة الحالية «لا يوجد أي شيء ضد الشخص المعني بالتوقيف»، مذكرا بأن «السلطات القضائية وحدها المخولة بالتواصل بشأن ملف قضائي قيد التحقيق»، وكشف المكتب أنه أثناء تفتيش منزل المؤثر، صباح امس، حجزت قوات الأمن الفرنسية الأجهزة الإلكترونية وكمبيوتر المعني، للتحقق مما «إذا كانت العناصر المادية تؤهل لإثبات ارتكاب جريمة»، فيما أكد المدعي العام أن كل «مُحاكم لم يصدر حكم قضائي بشأنه فهو بريء».
وكان وزير الداخلية، برونو روتايو، قد نشر، صباح أمس، تغريدة له على منصة «إكس»، قال فيها: «إن مؤثرا جزائريا آخر، اسمه رفيق مزيان، تم اعتقاله، بعد دعوته لارتكاب أفعال تحرض على العنف على الأراضي الفرنسية، على منصة تيكتوك». وبحسب ما ذكرته وسائل إعلام فرنسية، فإنه قد تقرّر إطلاق سراح المؤثر رفيق مزيان، نظرا «لعدم ملاءمة حالته الصحية مع إجراء التوقيف تحت النظر»، (المعني مصاب بقصور كلوي حاد)، على أن يتم استدعاؤه، غدا الخميس، للاستماع إلى أقواله.
وقبل هذا «التوبيخ القضائي»، تعرض وزير الداخلية الفرنسي لانتقادات لاذعة وذلك بعد أسابيع من التحامل والاستفزازات ضد الجزائر، والتي وضعته في مرمى نيران سياسية في فرنسا، دفعته إلى الحديث ضمنيا بفسح المجال أمام الدبلوماسية لمعالجة الخلافات مع الجزائر، وهو ما يشير إلى احتمال تلقيه تعليمات بتغيير لهجته التصعيدية، بعد أن تمادى في استفزاز الجزائر، والتي كانت سببا في تصاعد الخلافات داخل حكومة فرنسوا بايرو بشأن التداعيات المحتملة للخطاب التصعيدي ضد الجزائر.
وفي حوار مطوّل مع أسبوعية «ليكسبريس» الفرنسية، نشر الثلاثاء، نالت الأزمة الدبلوماسية مع الجزائر حصة الأسد فيه، قال برونو روتايو روتايو من لهجته قائلا: «حان الوقت لطي الصفحة»، مؤكدا: «يجب تطبيع العلاقات الدبلوماسية مع الجزائر». حيث تزامنت التصريحات مع عزلة يعيشها الوزير الفرنسي بسبب هجماته المتكررة على الجزائر وحملته ضد اتفاقية الهجرة، حيث يتعرض لانتقادات واسعة مع تصاعد الضغوط على الرئيس إيمانويل ماكرون الذي يظل صامتًا تجاه الانقسام داخل حكومته.
ويرى محللون بأن المعسكر الرئاسي في فرنسا يلعب «ورقة الحذر»، ولا سيما فيما يتعلق بدعوة وزير الداخلية إلى وضع حد لهذه الاتفاقية». حيث قوبلت تدخلات وزير الداخلية الفرنسي في الشأن الدبلوماسي بامتعاض شديد داخل مبنى «الكي دورسي» ومستشاري الرئيس الفرنسي، ورغم تحمس وزير الداخلية الفرنسي للدفع بإجراءات انتقامية، فإن الدبلوماسية الفرنسية امتنعت حتى الآن عن التصعيد. ورد وزير الخارجية جان نويل بارو على زميله في الحكومة بأن «وزارة الخارجية تحت سلطة رئيس الجمهورية، حيث يتم تشكيل السياسة الخارجية الفرنسية». وذكّر جان نويل بارو باقتراحه «الذهاب إلى الجزائر لاستعادة التعاون بين البلدين، من خلال التعامل مع جميع مواضيع التوتر، وليس فقط تلك التي تصدرت الأخبار في الأسابيع الأخيرة».
كما أفادت العديد من وسائل الإعلام الفرنسية، بما في ذلك «بوليتيكو»، بأن المستشار الدبلوماسي الرئيس للإليزيه، إيمانويل بون، قدم استقالته يوم الجمعة الـ10 من يناير إلى مكتب إيمانويل ماكرون، لأسباب من بينها التدخل المتكرر من برونو ريتايو في الشؤون الدبلوماسية، وبالتحديد إدارة الأزمة مع الجزائر.
كما برزت إلى الواجهة عديد الأصوات التي تدعو إلى التهدئة ونزع فتيل الأزمة عبر إبعاد الوزراء المتدخلين في الشؤون الدبلوماسية. على غرار وزير الخارجية الأسبق، دومينيك دوفيلبان، الذي ندّد بالدعوة لإلغاء الاتفاقية الفرنسية الجزائرية بشأن الهجرة، واستذكر حلقات من التاريخ المشترك. ووصف الأزمة الحالية بأنها الأخطر بين البلدين منذ حرب التحرير، وقال الدبلوماسي إنه «يجب علينا إظهار الكثير من رباطة الجأش «.
وفي مقابلة مع “فرانس انفو”، شدد وزير الخارجية الفرنسي الأسبق دومينيك دو فيليبان على أن “الأزمات لا تحل أبداً بالتصعيد”، حيث انتقد دومينيك دو فيلبان “المزايدة” التي يمارسها وزير الداخلية الفرنسي الحالي برونو روتايو بشأن الجزائر، وحثّه على الكفّ عن التطرق للقضايا التي لا يمكن حلّها إلا من خلال الدبلوماسية.
فرنسا تتودد للجـزائر.. «ليست لدينا مصلحة في التصعيد»
ويبدو بأن التحذيرات التي أطلقتها شخصيات سياسية و وزراء سابقون في فرنسا من التداعيات الوخيمة التي قد تلحق بالعلاقات الجزائرية الفرنسية بسبب التصريحات الاستفزازية المتواصلة من أعضاء في حكومة ماكرون، تكون قد انتهت أذان أصحاب القرار في فرنسا، حيث أعربت صوفي بريماس، المتحدثة باسم الحكومة الفرنسية، في ندوة صحفية، أمس، عن قلقها إزاء توتر العلاقات بين فرنسا والجزائر.
وقالت صوفي بريماس، المتحدثة باسم الحكومة الفرنسية، في ندوة صحفية، أمس، أن العلاقات بين البلدين تشهد تزايدا في التوترات. وأضافت خلال الندوة الصحفية التي عقدتها بقصر الاليزيه: “لا أحد لديه مصلحة في التصعيد”.
ع سمير