تحركت الدبلوماسية الجزائرية في الآونة الأخيرة ، بقوة في إطار المساعي الرامية لإيجاد حل سياسي للأزمة الليبية، حيث ألقت الجزائر بثقلها الدبلوماسي في هذا الملف ، مؤكدة على رؤيتها السلمية القائمة على الحل السياسي للأزمة ، وهذا في ظل اعتراف إقليمي ودولي بالدور الجزائري لحلحلة هذا الملف ، وهو ما يتضح من خلال الإنزال الدبلوماسي العربي والغربي في الجزائر في الأيام الأخيرة لبحث الملف الليبي.
تواصلت زيارات عدة وفود عربية وغربية للجزائر، في الفترة الأخيرة ، للتباحث حول تسوية المسألة الليبية، وفي هذا الاطار، حل بالجزائر، أول أمس ، كل من وزير الخارجية المصري سامح شكري و وزير الشؤون الخارجية والتعاون الدولي الإيطالي، لويجي دي مايو .
وقد استقبل رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون ، أول أمس، وزير الخارجية المصري سامح شكري، حيث سلم وزير الخارجية المصري إلى رئيس الجمهورية دعوة من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لزيارة مصر ووجه الرئيس تبون من جهته دعوة للرئيس عبد الفتاح السيسي لزيارة الجزائر.
كما استقبل رئيس الجمهورية، أول أمس، وزير الشؤون الخارجية والتعاون الدولي الإيطالي، لويجي دي مايو ، أين تطابقت وجهات النظر خلال اللقاء ، بخصوص الوضع في ليبيا حول “ ضرورة تكثيف الجهود لوقف إطلاق النار فورا، كمقدمة لاستئناف مسار الحوار بين الأطراف المتنازعة، حتى يتسنى إيجاد حل سياسي يضمن وحدة ليبيا شعبا وترابا، ويحمي سيادتها الوطنية بعيدا عن الضغوط والتدخلات الأجنبية.»
وتأتي هذه التحركات والزيارات المتواصلة للعديد من المسؤولين الأجانب للجزائر لتؤكد، استعادة الجزائر لدورها الدبلوماسي، الذي عرف تراجعا كبيرا في الفترة الماضية على خلفية الأزمة التي كانت تعيشها البلاد.
وتحظى المقاربة الجزائرية القائمة على عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، والتمسك بالحلول السياسية السلمية للأزمات بالمصداقية والاحترام على الصعيد الدولي، وتلقى الرؤية الجزائرية ، ومنها ما تعلق بضرورة اعتماد الحل السياسي في ليبيا ، ورفض التدخلات العسكرية الأجنبية في هذا البلد، ترحيبا واسعا في العواصم الكبرى .
ويجمع المراقبون ، أن مسار الحل في ليبيا يمر من خلال جلوس جميع الفرقاء الليبيين على طاولة الحوار للاتفاق على حل سياسي للأزمة ، في ظل تصاعد التهديدات الداخلية والانزلاقات التي تهدد وحدة التراب الليبي .
ويأتي تحرك الجزائر بخصوص هذا الملف ، في ظل التصعيد العسكري على الأرض الليبية بين الفرقاء الليبيين . ووسط تجدد هذه المواجهات ، كانت الجزائر قد استقبلت، مسؤولين سامين ليبيين على رأسهم رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني الليبية، فايز السراج الذي قام بزيارة إلى الجزائر على رأس وفد هام .
وقد دعت الجزائر، الاثنين الماضي ، خلال استقبال رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، لرئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني الليبية، فايز السراج، المجموعة الدولية، وخاصة مجلس الأمن الدولي، إلى “تحمل مسؤولياتهم في فرض احترام السلم والأمن في ليبيا”.
من جانبه، عبر فايز السراج عن “تقديره وشكره للجزائر على مواقفها الأخوية الثابتة من الأزمة الليبية، وجدد ثقته الكاملة في المجهودات التي تبذلها الجزائر للتخفيف من حدة التصعيد ودعمها للحل السياسي».
كما تزامنت زيارة السراج أيضا الى الجزائر مع الزيارة التي قام بها وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، إلى بلادنا والتي دامت يومين، حيث استقبل من طرف الرئيس تبون، وتم خلال اللقاء تناول الوضع في ليبيا و “بعد تحليل معمق للوضع من كل جوانبه، بما فيها التدخلات العسكرية الأجنبية في التراب الليبي، اتفق الطرفان على تجنب أي إجراء عملي يزيد في تعكير الأجواء، وبذل كل الجهود لوقف إطلاق النار، وعبرا عن أملهما في أن تكون الندوة الدولية المزمع تنظيمها حول ليبيا بداية للحل السياسي الشامل، الذي يضمن وحدة ليبيا شعبا وترابا ويحمي سيادتها الوطنية” .
والواقع أن الجزائر التي تحولت الى مقصد دبلوماسي للعديد من الوفود الأجانب ، في الآونة الأخيرة ، تعمل على أساس رؤية ثابتة ، من أجل الدفع نحو حل سياسي في ليبيا .
ويرى المتتبعون أن الموقف الجزائري، منذ بداية الأزمة في هذا البلد ، من شأنه إخراج ليبيا من أزمتها المتصاعدة ، خصوصا وأن بلادنا تقف على مسافة واحدة من كل الأطراف في ليبيا وتعمل في الوقت ذاته على إيجاد التسوية السلمية والحرص على وحدة التراب الليبي بعيدا عن أي أغراض أخرى .
ومع عودة الدبلوماسية الجزائرية إلى الواجهة من جديد، رأت العديد من الدول ، أنها الفرصة المواتية لإعطاء دفع جديد لعلاقاتها مع بلادنا، وفي الوقت ذاته التقرب أكثر من الجزائر واستشارتها بخصوص أبرز القضايا الإقليمية ، وعلى رأسها الأزمة في ليبيا ، وفي هذا الإطار كان رئيس الجمهورية قد تلقى مكالمة هاتفية من المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل حيث تبادل الرئيس والمستشارة الألمانية تحليلهما حول الوضع في ليبيا وآفاق إحلال السلام في هذا البلد الشقيق».
وقد وجهت ميركل رسميا دعوة للجزائر لحضور الندوة الدولية حول ليبيا المزمع تنظيمها في برلين، كما وجهت المستشارة الألمانية دعوة لرئيس الجمهورية للقيام بزيارة رسمية لألمانيا.
وللتذكير، كان رئيس الجمهورية، قد أكد خلال ترؤسه اجتماع مجلس الوزراء “على أنه لا ينبغي للجزائر بأي حال من الأحوال أن تحيد عن واجبي التضامن وحسن الجوار اللذين تستمر في ترقيتهما من خلال تعاون يهدف إلى تحقيق تكامل جهوي مفيد لكل الأطراف”، مشددا “أن الجزائر التي ترفض التدخل في شؤون الدول الأخرى، تتصدى بكل قوة لأي محاولة للتدخل في شؤونها الوطنية، وهي المبادئ التي تبقى تشكل ركيزة التزامها إزاء السلم والأمن في منطقتها وفي المغرب العربي وفي إفريقيا والعالم.”
كما ركز رئيس الجمهورية “على البيئة المعقدة التي تحيط بالجزائر على المستويين الجهوي والدولي، والتي تعتبر اليوم مسرحا لمناورات جيوسياسية كبيرة وميدانا لتشابك عوامل تهديد وعدم استقرار”، وأكد “ على ضرورة استخلاص أبرز الدروس على المستوى الاستراتيجي من أجل ضمان الأخذ في الحسبان انعكاسات تدهور الوضع الأمني في المنطقة على أمننا الوطني.”
مراد -ح