يرى البروفيسور مصطفى خياطي، رئيس الهيئة الوطنية لترقية الصحة وتطوير البحث، أن على الجزائر أخذ الجوانب الإيجابية من التجربة الصينية «الرائدة» في مواجهة جائحة «كورونا»، من أجل تطبيقها، كما يؤكد أن الوضع الوبائي في بلادنا متوسط، لكنه يحذر من مغبة عدم الالتزام بالتوصيات و الاستمرار في الاحتكاك بالآخرين في الخارج، فالأمر يتعلق مثلما قال في حوار للنصر، بعدو لا يُرى و لا نعرفه، غير أنه لن يدخل البيوت إذا كانت مغلقة على قاطنيها.
حاورته: ياسمين بوالجدري
أحصت الجزائر إلى غاية نهار الاثنين، 584 إصابة بوباء كورونا تعافى بينها 37 شخصا مع تسجيل 35 حالة وفاة. ما قراءتك للوضعية الوبائية؟
هذه الوضعية الوبائية تعتبر متوسطة قياسا بكثير من الدول التي مسها الوباء، لكن المشكل المطروح هو في وتيرة إجراء التحاليل التي يجب أن ترتفع لتشمل أكبر عدد ممكن. صحيح أن معهد باستور فتح فروعا في قسنطينة و وهران و تيزي وزو لكن العدد الإجمالي لتحاليل الكشف عن «كوفيد 19» يبقى بين 200 إلى 250 تحليلا يوميا، في حين نرى بدول مثل ألمانيا أن عددها يصل إلى 500 ألف تحليل في الأسبوع، و بكوريا إلى 25 ألف تحليل في اليوم.
الحجر أمر جيد وهو ينقص من احتكاك الأشخاص و التجمعات و بالتالي ينقص انتشار الفيروس، لكن ليكون أكثر نجاعة للتحكم في الوضع يتوجب رفع وتيرة التحاليل للتعرف على كل الأشخاص حاملي الفيروس، وذلك بإجرائها على من يتقدمون للمصالح الصحية. يجب أيضا استعمال تقنيات سريعة، فحاليا تستخدم تقنية معتمدة عالميا و هي “بي سي آر” التي تستعمل “الآديان” وهي الأحسن في العالم، لكنها تتطلب من 5 إلى 6 ساعات لكي تظهر النتائج. هناك تحاليل أسرع تقدم النتيجة في أقل من ساعة و تعتمدها دول على غرار روسيا و تركيا و إسبانيا.
لكن الدولة أعلنت عن اعتزامها البدء في اعتماد اختبارات سريعة و فتحت المجال للمخابر الأخرى للمشاركة في إجراء التحاليل
نعم لكننا لا نستطيع الانتظار أكثر من هذا فالأمر ملّح و يتعلق بجائحة، و حتى لو وسعت التحاليل السريعة إلى كل المخابر فإنها لا تتوفر على جناح لعلم الفيروسات.
دعا بعض الأطباء إلى تطبيق الحجر العام، هل توافقهم الرأي؟
من الصعب تطبيق الحجر العام لأنه يحتاج إلى لوجيستيك قوي جدا و إلى تأمين الفضاء العام. سيتطلب تنفيذه توفير الغداء و الدواء للسكان، إلا إذا قمنا مثلما فعلت الصين حيث كانت توصل الأغذية للصينيين في منازلهم، و هذا مستحيل لدينا، و لنتصور ردة فعل الأشخاص الذين لم يصلهم الغذاء. الحجر العام يتطلب إمكانيات ضخمة و له سلبيات كبيرة.
أظن أن السلطة في الجزائر تفطنت لكل هذه الجوانب و قد سيرت الوضع بصفة عقلانية، لكن المشكل المطروح هو في سلوكيات المواطنين الذين ما تزال فئة منهم تخرج لملاقاة الآخرين في الطريق و الاحتكاك بهم ما يمكن أن يؤدي إلى انتشار الفيروس، بالمقابل هناك فئة أخرى تتمتع بالوعي.
وضعت جائحة كورونا قطاع الصحة بالجزائر في وضع صعب، في حين غاب الأطباء الخواص عند المشهد، لماذا برأيك؟
لقد تكلم الأطباء الخواص عن هذا الأمر وقالوا إن غياب النقل الجماعي صعّب على المرضى الوصول إلى العيادات، ما جعلهم يفضلون الغلق، لذلك نصحتهم هيئتنا باعتماد ما يتم العمل به في أوروبا من خلال التشخيص و الفحص عن بعد، خاصة إذا كان الطبيب يتوفر على ملفات المرضى وسيما ذوي الأمراض المزمنة، و إذا اقتضى الأمر تضبط لهم مواعيد للفحص المباشر خارج ساعات الحجر.
لقد اقترحت على مصالح التأمينات الاجتماعية تأطير هذا الأمر لتشجيع الأطباء على الاستمرار في التشخيص عن بعد، كما طلبت من المستشفيات أن تفتح خطوطا هاتفية تسمح لكل المرضى بالتحدث إلى أطبائهم لكي تكون هناك متابعة.
إضافة إلى ذلك فإن الحجر يطبق على الجميع و بينهم الأطباء الخواص، لذلك يجب أن تتوفر لهم إمكانيات الوقاية التي لا يمكن أن نفرض عليهم العمل دونها، لأنهم معرضون للخطر و يشكلون خطرا على المرضى أيضا على اعتبار أن لهم قابلية أكبر لانتقال العدوى إليهم.
قامت العديد من جامعات العالم بأبحاث وبائية خلال السنوات الماضية، ما ساعدها اليوم في إجراء الاختبارات المتعلقة بلقاحات وأدوية «كوفيد 19»، لكن في حالة الجزائر نلاحظ أن عدد هذه الأبحاث قليل جدا، أين الخلل؟
شكرا على هذا السؤال فهو مهم. أغلب الجامعات صار دورها يقتصر اليوم على صناعة المعقمات، في حين أن طالب سنة أولى في الكيمياء يمكنه صناعتها بسهولة، و الحقيقة أنه ومنذ بداية اعتماد نظام “الألمدي” بالجزائر سنة 2004، أجرى بين 700 إلى 800 ألف أستاذ وطالب تربصات في الخارج، وما أنتجوه من أبحاث علمية هو 5 آلاف بحث فقط في السنة، وهنا تكمن الإشكالية فالجامعة أصيبت بشلل.
ما الذي تقترحه لكي تتعافى الجامعة الجزائرية من هذا «الشلل»؟
يجب إعطاء أهمية للبحث العلمي، وقانون البحث الذي تم سنه سنة 1998 ثم في 2008 و 2015، يقول في مدخله أن البحث أولوية وطنية، لكننا لم نصل إلى هذا بعد. يجب أن يعطى للبحث العلمي فرصة التسيير الذاتي ولا ينبغي أن يظل تحت ثقل و بيروقراطية وزارة التعليم العالي.
يتم تداول الكثير من الإشاعات حول إصابة أطباء بوباء كورونا مع الحديث عن وفيات. هل لديكم الأرقام الحقيقة؟
إصابة الأطباء أمر طبيعي لأنهم في الواجهة، فإيطاليا و اسبانيا مثلا أصيب بها آلاف الأطباء. الجزائر دخلت اليوم الأسبوع السادس من الجائحة قد سجلنا بها وفاة واحدة لطبيب وهو صديقي البروفيسور سي أحمد مهدي الذي أترحم عليه.
لم تمر الجزائر المستقلة في تاريخها بجائحة كالتي نعيشها اليوم. ما هي الصعوبات التي يواجهها الأطباء و ممارسو الصحة العمومية عامة، وهل هي مسألة نقص في وسائل التحكم أو في الجاهزية؟
جائحة كورونا ولدى ظهورها هزّت عروش أحسن المنظومات الصحية في العالم، و في شمال إيطاليا المعروف بأنه غني، سبق لي أن زرت منطقة لومباردي و وقفت على المستوى الطبي الرفيع جدا الذي تتميز به والذي قد يفوق مستوى فرنسا، ولقد رأينا ما الذي حصل لها مع كورونا إذ أصبحت تحصي قرابة ألف وفاة يوميا، فما بالك بمنظومة شهدت سوء تسيير و تنظيم خاصة في العشرين سنة الأخيرة.
هل هياكلنا جاهزة للصمود خلال الأسابيع أو الأشهر القادمة؟
من الصعب أن أقول ذلك، فالأمر يتوقف على درجة إيمان الطواقم الطبية التي تواجه المرض. لقد كانت هناك التفاتة طيبة من رئيس الجمهورية الذي قدم تعازيه للبروفيسور المرحوم، وهذا يشكل دعما للطاقم الطبي وهو مهم جدا. لقد طالبت بإعطاء وسام استحقاق للبروفيسور سي أحمد مهدي الذي يعتبر أول شهيد في المعركة ضد كورونا.
بهذه الطريقة ندعم الطواقم الطبية التي يجب أن تصمد في هذه الحرب. العنصر البشري مهم جدا حتى لو قلّت الوسائل، من خلال العزيمة والوعي والشعور بأهمية التضحية خدمة للبلاد.
يلاحظ أن معظم الحالات الأولى للإصابة بـ «كوفيد 19» في الجزائر كانت مستوردة، هل هذا يعني أننا قادرون على أن ننجو من كارثة كالتي عاشتها أوروبا و الصين؟
صحيح معظم الحالات في البداية كانت مستوردة من فرنسا وإسبانيا مع حالة أو اثنتين من السعودية، لكن الأمر المطروح هو مدى انتشار الفيروس، لذلك وجب التحسيس عبر جميع القوات بأهمية ملازمة المنازل وتجنب الاحتكاك وترك مسافة أكثر من متر مع الآخرين وغسل اليدين باستمرار، إذا طبقنا هذه الأمور ربما يتقلص عدد الإصابات، لكن إذا استمررنا في الخروج التدافع من أجل السميد فإننا نوفر بذلك ظروف انتشار الوباء.
انتقد أطباء المنظومة الصحية في الجزائر و تحدثوا عن إهمال الطب الوقائي على حساب العلاجي، ما صعب من مهمة الوقاية في مواجهة الوباء. هل تشاطرهم الرأي؟
مبادئ الوقاية تقول إن الوقاية هي العمود الفقري للمنظومة الصحية، لكن الميزانية المخصصة لها تقل عن 3 بالمئة من الميزانية العامة وهذا وضع ليس جديدا فحن نعيشه منذ 50 سنة. لقد صرح الوزير الأول من البليدة أنه ستتم إعادة النظر في كثير من الأمور ومنها المنظومة الصحية التي أظهر الوباء نقاط ضعف كبيرة فيها، وأعتقد أن باقي بلدان العالم استخلصت أيضا الدروس من أزمة كورونا.
هناك دعوات لاعتماد دواء “هيدروكسي كلوروكين” لدى الحالات المشتبه فيها كطريقة للوقاية و حتى في المراحل الأولى من العلاج. هل يجوز ذلك من وجهة النظر الطبية؟
تعليمة وزارة الصحة تقول إن هذا الدواء يعطى لجميع الأشخاص الذين ظهرت عليهم أعراض، وأدرجت ذلك في عمل تجريبي وطني، كما وضعت الوزارة منصة انخرطت فيها 40 دولة لهذا الغرض. كلوروكين لا يقدم إلا بمتابعة ومعاينة الطبيب وبعد إجراء التحليل الكهربائي للقلب حتى لا يؤثر عليه.
فريق الأطباء بمرسيليا بين أنه وفي ظرف 5 أيام، 92 بالمئة من المرضى لم يظهر الفيروس في جسمهم مجددا بعد العلاج بدواء كلوروكين، وفق دراسة نشرت قبل أيام، و هذا أمر مهم، لأن ذلك يسرع في الشفاء ويقطع الطريق أمام زيادة خطورة المرض.
حلت مؤخرا أطقم طبية آتية من الصين من أجل مساعدة الجزائر في مواجهة الوباء. ما شكل الإعانة التي يمكن أن تقدمها برأيك؟
نشكر الصين على تلبية الدعوة، كما أن فرقها لم تزر الجزائر فقط بل بلدان أخرى كإيطاليا و صربيا. نريد الاستفادة من التجربة الصينية من ناحية الاستراتيجية التي اعتمدتها في مواجهة الوباء. لن نطلب من الصينيين تعويض أطبائنا، لكن تجربتهم الرائدة و استراتيجيتهم الناجحة تحتم علينا أخذ بجوانبها الإيجابية لتطبيقها بالجزائر.
ما هي النصيحة الأخيرة التي توجهها للجزائريين؟
يجب ملازمة المنازل و عدم الخروج منها إلا لأمر طارئ كشراء الغذاء أو الدواء، مع استعمال الكمامات واحترام المسافة الاجتماعية، فنحن أمام وضع طارئ عابر لكل الدول، إن الأمر يتعلق بعدو لا يُرى و لا نعرفه، لكنه لن يخترق الجدران و الأبواب إذا كانت مغلقة. أي احتكاك بالأشخاص الآخرين في الخارج قد يوصل الفيروس للمنازل و يضر بصحة ساكنيه، وإذا أردنا الحفاظ على صحة آبائنا وأمهاتنا ومن نحبّهم، فعلينا اتباع نصائح الأطباء واحترام الإجراءات التي اتخذتها الدولة.
ي.ب