• وضع دستور توافقي تعبير عن الإرادة الحقة التي صدح بها الشعب يوم 22 فبراير
أكد الوزير الأول، عبد العزيز جراد، أن مشروع تعديل الدستور المطروح يشكل قطيعة تامة مع ممارسات الماضي سواء من حيث منهجية إعداده أو من حيث المضمون، دستور
يؤسس لفصل حقيقي بين السلطات، ويعزز الصلاحيات الرقابية للبرلمان ويسمح بالانسجام والتكامل بين السلطات، ويحمي حقوق المواطن وحرياته، ويفصل بين المال
والسياسة ويحارب الفساد، و يسمح بتجسيد الالتزامات المقررة لبناء جمهورية جديدة من خلال إصلاح شامل للدولة ومؤسساتها.
عرض الوزير الأول، عبد العزيز جراد، أمس على أعضاء لجنة الشؤون القانونية والإدارية و الحريات للمجلس الشعبي الوطني مشروع التعديل الدستوري المعد من طرف لجنة الخبراء، بحضور رئيس المجلس سليمان شنين، ووزير العدل حافظ الأختام بلقاسم زغماتي، ورئيس لجنة الخبراء المكلفة أحمد لعرابة، ورؤساء الكتل البرلمانية الممثلة في الغرفة السفلى.
وقال جراد خلال العرض إن تعديل الدستور الذي بادر به رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، يعد تجسيدا وتنفيذا لأحد أبرز التزاماته في المجال السياسي من أجل بناء جمهورية جديدة، حيث كان على رأس الوعود الانتخابية التي قطعها على نفسه، والتي هي التزامات صادقة شرع في تجسيدها في الميدان وفق رؤية إستراتيجية واضحة ورزنامة محددة، داعيا الجميع هنا إلى "التحلي بالواقعية والتركيز على القضايا الجوهرية للأمة ذات العلاقة بالأسس الدائمة للدولة".
وأضاف أن المراجعة الواسعة للدستور تعد من أهم محطات هذه الرزنامة بما يستجيب لتطلعات الشعب في بناء دولة ديمقراطية حقيقية تجعل الجزائر في منأى عن الانحرافات الاستبدادية والتسلطية التي عرفتها في ماض قريب.
وتابع جراد بأن الدستور المعد
"يؤسس لدولة عصرية دولة قانون تعمل لخدمة المواطن وتسترجع ثقته، وتتميز بحياة سياسية تحكمها مبادئ الشفافية والنزاهة والمساءلة والكفاءة، وتفصل بين المال والسياسية وتحارب الفساد، كما تقوم على إصلاح شامل للعدالة وتعزز حرية الصحافة وترقي الديمقراطية التشاركية وتبني مجتمع مدني حر ونشيط".
واعتبر المتحدث أن تعديل الدستور هو كذلك "محطة جد هامة بل مفصلية في الحياة السياسية لبلدنا" سيعطي قوة كبيرة للبلاد في النهوض بالاقتصاد وبنسق سياسي متوازن وجامع يمكن للمواطنين من الإحساس بأن الجزائر بلد كل الجزائريين والجزائريات دون تمييز ولا إقصاء.
وشدد بأن وضع دستور توافقي يعد تعبيرا عن "الإرادة الحقة للشعب التي صدح بها عاليا خلال الهبة الشعبية المباركة التي انطلقت في 22 فبراير 2019 ووضع من خلالها حدا لأخطاء بل انحرافات خطيرة شكلت تهديدا حقيقيا على الدولة الوطنية في كيانها ومؤسساتها وفي اللحمة الوطنية لمجتمعنا" ومعبرا في نفس الوقت عن رغبته في إقامة دولة الحق والقانون، دولة ديمقراطية وعصرية قوامها التداول على السلطة، و العدالة والاحترام التام للحقوق والحريات.
ويرى الوزير الأول " أن اختيار التاريخ الرمز للفاتح من نوفمبر لإجراء الاستفتاء حول هذا الدستور يعد مناسبة أخرى للم شمل الشعب بكل أطيافه وتوجهاته ورسم معلم جديد لبناء مستقبله".
الدستور الجديد.. قطيعة تامة مع الماضي من ناحية الإعداد والمضمون
وقال عبد العزيز جراد خلال العرض المقدم أمام أعضاء لجنة الشؤون القانونية والإدارية والحريات بالغرفة السفلى بأن المشروع يشكل بحق "قطيعة تامة مع ممارسات الماضي سواء من حيث طريقة إعداده أو من حيث مضمونه".
فمن حيث منهجية إعداده ستتجسد الإرادة الشعبية في هذا الدستور مرتين –يقول الوزير الأول- مرة عند إعداده ومرة أخرى عند التصويت عليه، وهو ما يشكل سابقة في عملية إعداد الوثائق الدستورية إذ أن هذا المشروع الذي سينسجم مع متطلبات بناء الدولة العصرية ويلبي مطالب الحراك الشعبي المبارك الأصيل، لذلك حرص رئيس الجمهورية على أن يكون في صيغته الجديدة توافقيا في مرحلة إعداده على أوسع نطاق من خلال تمكين مختلف الأطياف الشعبية وصناع الرأي العام من مناقشته طيلة أكثر من أربعة أشهر بالرغم من القيود التي فرضتها الأزمة الصحية.
ثم عاد المتحدث إلى سرد المسار الذي سلكه مشروع التعديل الدستوري منذ البداية فقال إنه انطلق بتكليف رئيس الجمهورية للجنة من الخبراء في القانون الدستوري بصياغة مقترحات لتعديل الدستور وحدد لها 7 محاور للتفكير مع ترك الحرية لها لاقتراح تعديلات خارج تلك المحار، مؤكدا في المقام الأول على تعزيز حقوق المواطنين وحريتهم وتوسيع مجالها، ثانيا أخلقة الحياة العامة، ثالثا تعزيز الفصل بين السلطات وتوازنها، رابعا تعزيز سلطة الرقابة البرلمانية ، خامسا تعزيز استقلالية السلطة القضائية، سادسا المساواة بين المواطنين أمام القانون، و سابعا وأخيرا التكريس الدستوري لآليات تنظيم الانتخابات.
وأضاف الوزير الأول في نفس السياق بأن لجنة الخبراء المكلفة وبعد أن أتمت عملها الأولي في خلال شهرين طرح المشروع لإثراء شعبي على الرغم من الظروف الاستثنائية التي فرضها انتشار وباء كورونا كوفيد 19، على بلادنا والعالم، وكشف أن عدد المشاركين في إثراء مسودة الدستور من كل أطياف المجتمع، من سياسيين، وأكاديميين، ومنظمات المجتمع المدني بلغ 590 طرفا قدموا 5018 اقتراحا، وعلى إثر ذلك تمت الصياغة الثانية لهذا المشروع الذي سيعرض على الشعب ليعبر عن موقفه منه في استفتاء عام.
وتوقف عبد العزيز جراد في عرضه عند مضمون التعديل الدستوري المطروح للاستفتاء الشعبي وقال إن الإثراء الذي حظي به يظهر من خلال هذا المضمون جليا في التعديلات الكثيرة والمميزة التي طالت مشروع الدستور في ديباجته وفي أبوابه السبعة.
وبرأي ذات المتحدث فإن الديباجة التي صارت تمثل جزءا مهما في القانون الدستوري الجزائري أو المقارن، والتي تعبر عن مختلف مراحل النضال التي عرفتها الجزائر من أجل الوصول إلى الجمهورية الجديدة، وعن القيّم والمبادئ الأساسية التي تقوم عليها الدولة لم تغفل ذكر أهم وثيقة في تاريخ الجزائر المعاصر وهي وثيقة "بيان أول نوفمبر" الذي مثل أهداف الثورة المجيدة، فضلا عن أهم حدث عرفته البلاد وهو "الحراك الشعبي المبارك" وما أفضى إليه من إسقاط لنظام فاسد.
بل إن الديباجة - يضيف عبد العزيز جراد- لم تغفل كذلك الإشارة لتطلعات الشعب في أن يشكل هذا الدستور الإطار الملائم لتعزيز الروابط والقيّم الوطنية، وضمان الحريات الديمقراطية للمواطنين، وقد تم التأكيد من خلالها على أن الدستور يعتزم الحفاظ على ما يجعل الأمة الجزائرية في منأى عن الفتنة والعنف، وعن كل تطرف وعن خطابات الكراهية، وكل أشكال التمييز من خلال ترسيخ القيّم الروحية والحضارية التي تدعو للحوار والمصالحة والأخوة في ظل احترام الدستور وقوانين الجمهورية.
ودائما في جانب المضمون أشار جراد إلى أن هذا الدستور يؤسس لمؤسسات تقوم على مشاركة كل جزائرية وجزائري في تسيير الشؤون العمومية، والقدرة على تحقيق العدالة الاجتماعية و المساواة، و ضمان الحرية لكل فرد في إطار دولة ديمقراطية وجمهورية، وأن يكون الدستور الأساس والمرجع اللازمين لتعزيز الروابط الوطنية ويضمن الحريات الديمقراطية للمواطن، وهو برأيه التصور الذي أراده رئيس الجمهورية للجزائر الجديدة وطالب به الشعب من خلال حراكه المبارك وتبناه يوم 12 ديسمبر 2019.
من جانب آخر قال إن الدولة ستحافظ من خلال هذا الدستور على طابعها الاجتماعي، كما تبقى متمسكة بالحد من الفوارق الاجتماعية والقضاء على أوجه التفاوت الجهوي، وتعمل على بناء اقتصاد منتج وتنافسي في إطار التنمية المستدامة، مع مراعاة تدهور البيئة والحرص على ضمان حماية النظام البيئي والاستعمال العقلاني للموارد الطبيعية، وتلتزم بالمحافظة عليها لصالح الأجيال القادمة.
الجيش.. الركيزة التي تعتمد عليها الأمة
وذكر الدستور الجديد- يضيف الوزير الأول- بأن الجيش الوطني الشعبي يتولى مهامه الدستورية بروح الالتزام المثالي والاستعداد البطولي للتضحية كلما يتطلب الواجب الوطني منه ذلك، مشددا على أن الجيش الوطني الشعبي سليل جيش التحرير الوطني، يعد "الركيزة التي تعتمد عليها الأمة الجزائرية وهو جزء لا يتجزأ من الشعب الجزائري ويساهم في حمايته".
وفي مجال المقومات أكد جراد بأن الدستور المعد يكرس الأبعاد الجيوسياسية الثلاثة للجزائر، فهي أرض الإسلام، وجزء لا يتجزأ من المغرب العربي الكبير والعالم العربي و البلاد المتوسطية و والإفريقية، وهي تعتز بإشعاع ثورتها وبالاحترام الذي أحرزته وعرفت كيف تحافظ عليه بالتزامها إزاء كل القضايا العادلة في العالم.
أما في ميدان السياسة الخارجية فإن الجزائر حسب الدستور المطروح تبقى متمسكة بالسلم وحقوق الإنسان و العمل على ازدهار كافة بلدان العالم، كما توجه سياستها الخارجية نحو تعزيز حضورها ونفوذها في محافل الأمم عبر تعاون قائم على المصالح المتبادلة والتبادلات التي تكون منسجمة كل الانسجام مع خياراتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية و الثقافية، وفي ظل الاحترام التام لأهداف ومبادئ منظمة الأمم المتحدة، والاتحاد الإفريقي وجامعة الدول العربية.
ومباشرة بعد نهاية العرض الذي قدمه الوزير الأول شرع أعضاء اللجنة المختصة في المناقشة على أن تتواصل اليوم بتدخل رؤساء الكتل البرلمانية، أما جلسة يوم غد الخميس فستكون للتصويت على المشروع فقط.
إلياس -ب