استرجع سكان مدينة وادي الزناتي التاريخية بقالمة أمس السبت، فصول و أحداث المأساة الدامية التي أودت بحياة خيرة شباب المدينة المحتلة، عندما اشتدت الثورة و فقدت الإدارة الاستعمارية صوابها بالمنطقة، فقررت الانتقال إلى التصفية الجسدية و ملاحقة المدنيين الداعمين للثورة بوادي الزناتي و المناطق المجاورة لها.
كانت دار الشباب على موعد مع حفل لتكريم أسر الشهداء العشرة، في لقاء جمع أعضاء المجلس الشعبي البلدي و الحركة الجمعوية و تلاميذ و إطارات بعض المؤسسات التربوية، تخللته نشاطات ثقافية و رياضية و أناشيد و مسرحيات تمجد حرب التحرير و صانعيها، و تندد بجرائم الاستعمار التي لا تنسى، بينها جريمة وادي الزناتي التي وقعت ذات يوم من شهر مارس 1956 ، عندما قرر حكام المدينة قتل عشرة من المعتقلين الجزائريين، انتقاما من مقتل شرطي في هجمات 20 أوت 1955 التي شهدتها منطقة الشمال القسنطيني، و بعدها قتل معمر آخر في تصعيد متواصل للكفاح المسلح و النضال الداعم للثورة.
و قال سكان مدينة وادي الزناتي القدامى الذين حضروا الحفل، بأن ما قام به المعمرون، و في مقدمتهم رئيس بلدية وادي الزناتي "فاتا شولي"، جريمة ضد الإنسانية ارتكبت في حق مدنيين عزل دون محاكمة، مؤكدين بأن مدينة وادي الزناتي كانت قلعة حصينة للثورة، تمدها بخيرة أبنائها و بالمال و العلم و التخطيط و الفكر القيادي الرشيد، و كشفوا عن وجود أرشيف تاريخي ضخم و ثمين، لكنه لا يزال مشتتا لدى العائلات التي سكنت وادي الزناتي سنوات الاحتلال و الثورة، منها من بقت في المدينة إلى غاية اليوم، و منها من انتقلت إلى مناطق أخرى من الوطن بعد الاستقلال، حاملة معها أرشيفا عائليا هاما.
طالب سكان وادي الزناتي التاريخية ببناء متحف للذاكرة بالمدينة، يجمع كل الأرشيف المشتت و يبقى مرجعا للأجيال القادمة، حتى لا تنسى جرائم الاحتلال و نضال الأجداد الذين ضحوا بكل ما يملكون لدحر أعتى قوة في القرن العشرين.
و جاءت عائلات الشهداء العشرة من عنابة و قسنطينة و وادي الزناتي، للمشاركة في الاحتفالات المخلدة ليوم الشهيد، و الإدلاء بما يتذكرون من تلك المأساة التي لحقت بهؤلاء الأبطال الذين اعتقلوا عدة أشهر، ثم تقرر الإفراج عنهم و إعادتهم إلى منازلهم وسط مدينة وادي الزناتي، أين لحقت بهم ميليشيا المعمرين التي يقودها رئيس البلدية "فاتا شولي" إلى جانب كبار الكولون المغتصبين لأجود أنواع الأراضي بالمنطقة، و تم إعدام هؤلاء العشرة غدرا، بعد إطلاق سراحهم بساعات قليلة، حتى لا يلتحقوا بمجاهدي المنطقة.
و قد أصيبت المدينة بصدمة، عندما أفاقت على وقع المجزرة، و انتشرت مزاعم بأن الإدارة العسكرية بقالمة و قسنطينة، قد أمرت بفتح تحقيق في الجريمة، لكنها رضخت في النهاية لمليشيا المعمرين، و أغلقت ملف المأساة التي بقيت عالقة في أذهان سكان وادي الزناتي إلى غاية اليوم، كلما مروا بمدرسة و حي الشهداء العشرة ، حيث تم إعدام هؤلاء الأبطال في عملية مقيتة غادرة و محزنة، لكنها زادت من عزيمة النضال و التضحية بين سكان المدينة، التي تحولت إلى معقل للنضال السياسي و العمل المسلح.
فريد.غ