طوت الأسرة الكروية بالقارة السمراء صفحة النسخة السابعة لبطولة إفريقيا للمحليين بطبعة ستبقى راسخة في أذهان منشطي العرس القاري والمتتبعين على حد سواء، لأن البصمة الجزائرية كانت واضحة بصورة جلية، وساهمت بشكل مباشر في إخراج هذه المنافسة من دائرة الظل إلى الأضواء، وذلك من خلال رفع عارضة التنظيم عاليا، الأمر الذي أضفى على العرس "جمالية" لم تكن مألوفة، وغابت حتى عن دورات "الكان"، فتحول "الشان" إلى تظاهرة "جماهيرية" كسبت اهتمام مسؤولي "الكاف"، بفضل الإقبال الجماهيري القياسي على المدرجات في أغلب اللقاءات، لتكون نسخة "الجزائر 2022"، الأنجح في تاريخ البطولة منذ اعتمادها قبل 14 سنة، في الشقين المقترنين بالتنظيم والمتابعة الجماهيرية.
كسب الجزائر رهان التنظيم كان بفضل الامكانيات المادية المعتبرة التي سخرتها السلطات العليا للبلاد من أجل توفير كافة الظروف الكفيلة بإنجاح هذه المنافسة الكروية القارية، رغم أن بطولة "الشان" لم تكن تحظ بمتابعة كبيرة من طرف الجماهير، على اعتبار أن المنافسة فيها تبقى بالعناصر المحلية فقط، لكن ما إن دقت ساعة الحسم حتى غيّرت دورة الجزائر موازين القوى، فانتزع العرس الكروي القاري مكانة مرموقة في أوساط المتتبعين، سيما وأن حفل الافتتاح كان "عالميا"، وأكد على القيمة الحقيقية التي أولتها الدولة الجزائرية لمنافسة كانت "ّمقزّمة" قاريا، لأن تدشين ملعب نيلسون مانديلا ببراقي، تزامنا مع افتتاح هذه التظاهرة قابله مشروع تجديد ملعب 19 ماي 1956 بعنابة بكامل ملاحقه، واكتسائه حلة جديدة بمواصفات "عالمية"، في ظرف قياسي، فضلا عن تهيئة ملعب الشهيد حملاوي بقسنطينة، دون تجاهل جاهزية ملعب ميلود هدفي بوهران، الأمر الذي جسّد إصرار الجزائر على إنجاح هذه المنافسة، من خلال توفير كافة الامكانيات، مادامت إشكالية الملاعب كانت في سابق الدورات تؤرق مسؤولي الاتحاد الإفريقي، بسبب تسجيل الكثير من التحفظات، المتعلقة أساسا برداءة الأرضيات.
تسخير الدولة الجزائرية 4 ملاعب عالمية، لاحتضان "الشان" بدد مخاوف مسؤولي الكاف، لتكون ضخامة حفل الافتتاح بملعب نيلسون مانديلا ببراقي بمثابة رسالة واضحة المضمون وجهتها الجزائر إلى القارة السمراء والعالم برمته، مضمونها أن الدولة التي استعادت الأمن والسلام قادرة على استضافة أكبر التظاهرات الرياضية، وأن الجزائر تفتح ذراعيها لأبناء كل البلدان الإفريقية، بعد أشهر فقط من احتضانها ضيوفا من دول الجوار من حوض المتوسط، مع تجسيد كل معاني الأخوة والصداقة ونبذ العنف والتمييز، وهذا وفقا للمواقف الثابتة للدولة الجزائرية إزاء قضايا العنف على مستوى كل الهيئات الدولية، فكانت بطولة أمم إفريقيا محطة جديدة للكشف عن مدى قدرة الجزائر على تجسيد أعلى معاني صور التعايش بين شعوب القارة الواحدة في بلد بحجم قارة، وأبرز دليل على ذلك كان تجاوب الشعب الجزائري مع منافسة كروية، كانت في سابق النسخ خارج دائرة الاهتمام والمتابعة الجماهيرية، لكن الطبعة السابعة أعطت بطولة "الشان" مكانة مرموقة في المشهد الكروي الإفريقي، وحتى العالمي، لأن هذه المنافسة تعد الفرصة المواتية لاصطياد العصافير النادرة، وخطفها لإبرام عقود احتراف في أندية أوروبية، أو على الأقل تحويل اللاعبين إلى خارج بطولتهم "المحلية".
نجاح التنظيم من حيث المرافق، عبّد الطريق إلى توسيع دائرة النجاحات إلى مجالات أخرى، لكن الأهم والأميز كان الإقبال الجماهيري القياسي، والمشهد الذي عاشته مدرجات ملعب 19 ماي بعنابة خلال "الديربي" بين منتخبي السنغال وكوت ديفوار في الجولة الأولى من دور المجموعات كان استثنائيا، وصنع الحدث، بتواجد ما يقارب 35 ألف متفرج، رغم أن الأمر لم يكن يتعلق بمنتخب البلد المضيف، وهو ما وقفت عنده "الكاف"، سيما وأن الرجل الأول في الاتحاد الإفريقي باتريس موتسيبي، كان شاهدا عيانا على جمالية صور ملعب عنابة، وما صنعته "أوركيسترا المدرجات"، ليتم بعدها استنساخ المشهد بكل عفوية في ملاعب نيلسون مانديلا ببراقي وحملاوي بقسنطينة، لأن المناصر الجزائري أثبت بأن عشقه لكرة القدم يتجاوز كل الحدود، مما دفع برئيس الكاف إلى الإشادة بنجاح هذه الدورة، خاصة من ناحية الإقبال الجماهيري لمتابعة كل اللقاءات، ليضرب المنظمون موعدا جديدا مع "العالمية" في حفل الاختتام، وكذا في مراسيم توزيع الجزائر والميداليات، لأن المشهد لم يختلف من حيث الجمالية عن ذلك الذي كان قبل أقل من 3 أشهر في مونديال قطر، الأمر الذي يعني بأن "شان 2022" بلغ أعلى مستويات التنظيم والمتابعة الجماهيرية، ومن الصعب أن تحافظ هذه المنافسة على نفس النجاح في قادم النسخ، لأن الجزائر رفعت العارضة عاليا، وأعطت التظاهرة قيمتها الحقيقية، كما كان عليه الحال في دورة الألعاب المتوسطية في صائفة العام الماضي.
ص / فرطاس