رفعت المدرسة الوطنية العليا للطاقات المتجددة بولاية باتنة، منذ موسم افتتاحها في 2022/2021، رهان التحول الرقمي وتطبيق الذكاء الاصطناعي في مجال الطاقات المتجددة والتنمية المستدامة وهندسة الشبكات الصناعية، حيث استطاع طلبة أن يبدعوا ويبرزوا ابتكارات لبرامج عدة، وقد قدم 27 طالبا يمثلون أول دفعة تخرج لهذا الموسم في تخصص هندسة الشبكات الصناعية والذكاء الاصطناعي، حلولا بواسطة تطبيق الذكاء الاصطناعي للتحكم في الطاقة، وتوزيع المياه، وكذا التحكم في لوحة الأضواء الثلاثية لتنظيم حركة المرور، بالإضافة لمشاريع تتعلق بالبيئة والتنمية المستدامة منها الفرز الانتقائي للنفايات.
تحقـيق: يـاسين عـبوبو
التحكم في توزيع الطاقة والتنبؤ بذروة استهلاكها
قدم طلبة مشاريع تخرج بشهادة مهندس دولة ضمن الدفعة الأولى، تخصص هندسة الشبكات الصناعية والذكاء الاصطناعي بالمدرسة الوطنية للطاقات المتجددة، نماذج متعددة لتطبيقات الذكاء الاصطناعي، بعضها عبارة عن حلول لمشاكل مطروحة في مجال الطاقة والتنمية المستدامة، يمكن أن تتيح وتسهل للمؤسسات المكلفة بتوزيع الكهرباء والغاز والمياه، التحكم في عمليات التوزيع والتنبؤ بذروة الاستهلاك، وفي هذا السياق أوضح رئيس تخصص الذكاء الاصطناعي بالمدرسة الأستاذ بوبيش جلال الدين لـ"النصر"، بأن نماذج مشاريع التخرج يتم مناقشة مقترحاتها قبل سنة من التخرج، من خلال البحث عن المشكلات أثناء فترات التربص بالمؤسسات، التي يتوجه لها الطالب الذي هو بصدد التخرج.
وتقدم طالبان هما عصام عبد الرحيم وبوتليس بوطالب، بمشروع مذكرة تخرج خاص بتطبيق الذكاء الاصطناعي للتحكم في توزيع الطاقة والمياه انطلاقا من المصدر، وأوضح الأستاذ بوبيش جلال الدين، بأن مشروع الطالبان، يتيح من خلال تطبيق الذكاء الاصطناعي التحكم في تدفق الطاقة، وكذا تحديد المواقع التي يرتفع فيها استهلاك الطاقة الكهربائية، بالإضافة إلى تمكين هذا النموذج من التنبؤ بذروة الاستهلاك، بما يمكن من احتواء الإشكال الذي لطالما يكون مطروحا في فترة فصل الصيف، التي يزداد فيه استهلاك الطاقة الكهربائية.
وأكدت مديرة المدرسة لـ "النصر"، بأن هذا النموذج من تطبيق الذكاء الاصطناعي للتحكم في توزيع الطاقة والمياه يمكن أن تستفيد منه مؤسسات كسونلغاز والجزائرية للمياه، وأضافت بأن هذا النموذج، يتيح لمصالح سونلغاز أو الجزائرية للمياه التجند المسبق بتحديد الاحتياجات من الطاقة والمياه، بعد قياس الكميات المستهلكة في فترات معينة باستخدام الذكاء الاصطناعي.
بطاقة جغرافية لتحديد مواقع تركيب الألواح الشمسية
كشفت مديرة المدرسة الوطنية للطاقات المتجددة، في سياق مشاريع الذكاء الاصطناعي الموجهة لأغراض طاقوية عن الاشتغال على مشروع وطني، بالتنسيق مع مديرية البحث العلمي بوزارة التعليم العالي، ويتمثل المشروع في بطاقة جغرافية لتحديد المواقع الملائمة لتركيب لوحات الطاقة الشمسية، خصوصا وأن الجزائر تولي أهمية لهذه الطاقة البديلة، وقالت المديرة بأن المشروع يكتسي أهمية كبيرة تماشيا وسياسة الدولة في الاستثمار في مشاريع محطات توليد الطاقة عن طريق الألواح الشمسية، على غرار محطة الطاقة بالأغواط والمحطة المزمع إنجازها بالمنيعة.
وأوضحت مديرة المدرسة، بأن طلبة تم توزيع مهامهم للاشتغال على هذا المشروع الاستراتيجي وقالت بأن مشروع البطاقة ستتيح عن طريق الذكاء الاصطناعي اختيار وتحديد المواقع الملائمة لإقامة محطات الألواح الشمسية مع الأخذ بعين الاعتبار للشروط التقنية، وذلك بالتنسيق مع مؤسسات الأقمار الصناعية في الحصول على المعلومات القاعدية، وأكدت المتحدثة بأن استعمال الذكاء الاصطناعي في مشاريع تحديد مواقع لإقامة محطات الطاقة الشمسية، سيلغي كل الاحتمالات الخاطئة لاختيار المواقع المناسبة.
وفي ذات السياق نوهت المديرة، بمجهودات طلبة بالمدرسة في تطويع الذكاء الاصطناعي لغرض صيانة الألواح الشمسية على مستوى المحطة المتواجدة ببلدية وادي الماء غربي ولاية باتنة، وأكدت البروفيسور مخناش بأن مشروع البطاقة الجغرافية، بالإمكان أيضا تسخيره عن طريق الذكاء الاصطناعي في استغلال طاقة الهيدروجين، الذي يعتمد بالأساس توليده على المياه، مشيرة إلى أن البطاقة التي تعتمد الأقمار الصناعية ستحدد أماكن تواجد المياه.
الذكاء الاصطناعي لصيانة وحدات الأجر وخزف السيراميك
ومن بين مشاريع تطويع الذكاء الاصطناعي لأغراض صناعية وطاقوية، ما تشتغل عليه طالبتان في تجنيب وحدات صناعة الآجر وخزف السيراميك الخسائر الناجمة عن التشققات والانكسارات في المنتج، حيث أوضح رئيس تخصص هندسة الشبكات والذكاء الاصطناعي، بأن الطالبتين وبعد إجرائهما لتربص ميداني على مستوى إحدى وحدات صناعة الآجر وقفا على مشكل يتمثل في ارتفاع عدد القطع التي تتعرض للانكسار بعد مرورها بكافة مراحل الإنتاج، وأضاف الأستاذ بوبيش جلال الدين، بأن مشروع الطالبتين الهدف منه تجنب حدوث الانكسار بالقطع المعرضة لذلك في أولى مراحل الإنتاج المتمثلة في عجن المادة الأولية أي قبل استهلاك الطاقة وبلوغ المرحلة النهائية.
ولم تستبعد مديرة المدرسة الوطنية للطاقات المتجددة، حصول مشروع هذا البرنامج على براءة الاختراع، وفي سياق مشابه أشارت ذات المتحدثة في لقاء مع "النصر"، لاشتغال طلبة على نماذج مبتكرة بواسطة الذكاء الاصطناعي، لاكتشاف التسربات والأعطاب عبر قنوات المحروقات والغاز.
تشغيل الأضواء الثلاثية لمفترقات الطرق وفق عدد المركبات
قدم الطالبان بن قسوم أحمد راشد وبونعاس ياسين مشروع تخرج باعتماد الذكاء الاصطناعي للتحكم في عمود الأضواء الثلاثية بمفترقات الطرق "سمارت كروس راود"، بحيث تشتغل الأضواء الثلاثية المنظمة لحركة المرور عن طريق أجهزة استشعار لعدد السيارات في كل اتجاه، وليس بنظام العد الذي يلزم سائق المركبة على الانتظار مثلا حتى وإن لم يكن في الاتجاه المعاكس مركبات، أي أن الأضواء تشتعل وفق عدد المركبات، كما يستشعر الجهاز السيارات ذات الأولوية كمركبة الإسعاف، أو تلك الخاصة بالأسلاك الأمنية للشرطة والدرك، بحيث يمنحها الضوء الأخضر للسير.
وأوضح الأستاذ بوبيش جلال الدين المختص في هندسة الشبكات بالذكاء الاصطناعي، بأن أهمية هذا البرنامج تكمن في تنظيم حركة المرور، وله أثر في الحفاظ على البيئة من خلال خفض حجم الغازات الملوثة المنبعثة من المركبات، وكشفت مديرة المدرسة عن ابتكار عديد الطلبة لأجهزة استشعار تشتغل بواسطة الذكاء الاصطناعي، وأشارت لالتحاق طلبة بأكاديمية هواوي، وأكدت بأن ثمار التربصات الميدانية أتت أكلها بطلب توظيف طلبة بعد التخرج تتوفر فيهم مواصفات مناصب مطلوبة في مجال الطاقات المتجددة، منها طلبات لمؤسسة كوسيدار.
ضبط شروط تفقيس البيض بغرف الدواجن
وأكدت مديرة مدرسة الطاقات المتجددة، بأن طلبة أبهروا بمشاريع تخرج في مجال التنمية المستدامة ناهيك عن الطاقات المتجددة، كاشفة عن ابتكار طلبة لبرنامج ذكاء اصطناعي في المجال الفلاحي، بحيث قاموا بإنشاء وفق نظام 4.0 الذي يعني أن الآلات الميكانيكية موصولة بشبكة الأنترنت، غرفا لتفقيس بيض الدواجن، يتم التحكم فيها دون التدخل الآلي بتوفير الشروط الملائمة من حرارة وضوء ورطوبة وتهوية بشكل أوتوماتيكي، وذلك بعد دراسة مستفيضة للمجال، وأشارت البروفيسور ليلى مخناش لمقترحات طلبة أخرى مشابهة للتحكم في تفقيس بيض الدواجن تتعلق بتربية الأبقار.
وفي المجال الفلاحي، عرض طالبان حواش محمد وعبد الودود برنامجا للسقي الذكي، يتماشى وفق الظروف المناخية، والهدف منه تقليص استهلاك المياه دون الإخلال بالنمو الطبيعي للأشجار والنباتات، وكذا التحكم في استعمال الأسمدة بطريقة ذكية، وأوضحت مديرة المدرسة بأن مشاريع الطلبة ينطلق اختيارها والتطرق لها في ورشات خلال السنة الرابعة من التكوين، أي قبل عام من التخرج وبعد بحث المشكلات خلال فترة التربص بالمؤسسات.
المتفوق على رأس الدفعة يُبهر في شركة سيمنز الألمانية
استطاع المتفوق الأول على رأس دفعة هندسة الشبكات والذكاء الاصطناعي، الطالب علي بوطاعة ابن ولاية سطيف، أن يبرز ويفرض مكانته خلال تربصه بالشركة الأجنبية الألمانية سيمنز للهندسة الكهربائية، ولم تستبعد مديرة مدرسة الطاقات المتجددة أن يتم إدماج وتوظيف الطالب، مباشرة بهذه الشركة لما أظهره من قدرات وإمكانيات في رفع قيود بالذكاء الاصطناعي، في التحكم بالآلات عبر الأنترنت دون التدخل الآلي المباشر.
وكشفت مديرة المدرسة عن تلقي عديد الطلبة، لوعود بالتوظيف بتلقيهم لعروض بعد التخرج للالتحاق بمؤسسات ستارتاب بعضها يشتغل مع سوناطراك، وعروض من مؤسسة كوسيدار، وأشارت المتحدثة إلى أن آفاق الشغل واسعة سواء بالتحاق المتخرجين بمؤسسات أو إمكانية إنشائهم لمؤسسات مصغرة، أو المواصلة في البحث العلمي في الطور الثالث بالالتحاق بالدكتوراه، بعد المشاركة في المسابقة مشيرة لفتح 6 مناصب على أساس المسابقة. ومما لا شك فيه أن تشجيع الطلبة على الانفراد بمشاريع ابتكارات تعتمد على استخدام الذكاء الاصطناعي، يعبد الطريق لتحقيق نماذج جزائرية خالصة حسب الأستاذ بوبيش وهو ما يؤشر على تحقيق الأمن السيبراني حسبما ذهبت إليه البروفيسور ليلى مخناش في حال تبني هذه المشاريع على أرض الواقع، فضلا عن تمكين كوادر المدرسة الوطنية العليا للطاقات المتجددة من ولوج واقتحام عالم الشغل والاقتصاد.
مقترحات نماذج لفرز النفايات والرسائل والطرود البريدية بالذكاء الاصطناعي
في الوقت الذي يتأهب طلبة للتخرج في تخصص هندسة الشبكات والذكاء الاصطناعي بعرض ابتكارات المشاريع التي رصدتها النصر، يعمد طلبة آخرون للتحضير للتخرج الموسم المقبل بمشاريع متباينة ومختلفة وما يميزها حسب مديرة المدرسة البروفيسور ليلى مخناش، أنها تصب وتهتم بمجال البيئة خاصة ما تعلق بتسيير النفايات منها، تطبيق الذكاء الاصطناعي في تسيير آلات فرز النفايات وإعادة تدوير وتحويل مواد كالبلاستيك والورق، ويمثل تطبيق الذكاء الاصطناعي في تسيير النفايات من الرهانات التي يتطلع إليها طلبة المدرسة في مجال البيئة والتنمية المستدامة.
ومن بين المشاريع المقترحة أيضا بالمدرسة، ابتكار برنامج للذكاء الاصطناعي لفرز الرسائل والطرود البريدية، ومن شأن البرنامج تسهيل عملية الفرز في وقت وجيز مقارنة بالطرق التقليدية بمجرد عرض الرسائل والطرود على أجهزة استشعار يشتغل عليها الطلبة، واعتبرت البروفيسور مخناش أن تطبيق وتجسيد مشاريع الذكاء الاصطناعي بات لا مناص منه، وهو ما يعكس توجه المدرسة الوطنية للطاقات المتجددة في تنمية قدرات الطلبة وابتكار برامج للذكاء الاصطناعي في مشاريع ذات صلة بالحياة اليومية.
ويظل تحدي استخدام الذكاء الاصطناعي قائما بالجزائر حسب خبراء المدرسة الوطنية للطاقات المتجددة، خاصة وأن الجزائر بلد قارة يزخر بثروات طبيعية ويرى هؤلاء الخبراء أن تطوير توريد الطاقة إلى البلدان المجاورة وبلدان الضفة الأخرى من الحوض المتوسط، يتطلب شبكة نقل ذكية وذلك بعد مرحلة سن وضبط التشريعات القانونية المتعلقة بذلك، كما يؤكد الخبراء أن الذكاء الاصطناعي الذي يجتاح العالم يجب مواكبته من خلال تكوين الكوادر في تطبيق الذكاء الاصطناعي، في مختلف المجالات فضلا عن تشجيع المبادرات لأصحاب المؤسسات الناشئة.
ي.ع