يصنع حذاء المجبود الجزائري الحدث هذا الموسم، وقد عاد للانتشار بقوة و صار مطلوبا في الخارج، بفضل التصميم العصري والأنيق الذي قدمه المصمم الشاب ابن ولاية قسنطينة مناف، مع علامة «فغادي» المتخصصة في صناعة الأحذية.
لينة دلول
وقد نجح مناف، في إعادة إحياء حذاء المجبود القسنطيني الشهير، والترويج له داخل الجزائر وخارجها، ليصبح تصميمه مرادفا للأصالة والتراث والأناقة العصرية خصوصا وأنه يتميز بالمخمل الراقي و الكعب العالي الحاد و المقدمة المدببة، ما يجعل القطعة جميلة جدا وأنثوية.
المصمم الذي يحقق لانتشار على مواقع التواصل الاجتماعي، و يثير ضجة تسويقية من خلال ترويجه للحذاء في عواصم العالم والتعريف به كقطعة تراثية جزائرية أنيقة، أوضح أن فكرة تصميم هذا النوع من الأحذية راودته بعد تلقيه طلبات من زبائنه المخلصين، بحكم نشاطه في مجال الأحذية منذ سنوات، مضيفا أنه قرر أن يبعث التصميم ويؤكد على أصليته وجزائريته، بعدما انتشر عبر العالم باسم علامة آسياوية، وهكذا أعاد إطلاق الحذاء بحلة عصرية وأنيقة و بدأ في السفر للتسويق له في الخارج مستعينا بالمنصات التفاعلية التي قدمته للكثيرين.
والمجبود القسنطيني ليس مجرد حذاء كما علق مناف، بل هو قطعة فنية تحمل في طياتها عبق التاريخ القسنطيني وجمال الحرفية اليدوية التي تعكس روعة التراث الجزائري، وذلك وجب الدفاع عنه و الترويج له من خلال بعث التصاميم التي تتزين به على غرار الحذاء التقليدي، الذي قال إنه سيزدهر من جديد، بفضل أناقة الجزائريات في المناسبات التراثية والإطلالات العصرية على حد سواء، حيث تعد القطعة رمزا للأناقة يمزج بين الحداثة والأصالة.
وظفت خبرة الأجانب لأطور تصاميمي
وأكد المصمم صاحب 28 عاما، أن بداياته في عالم الموضة تعود إلى فترة دراسته الجامعية لتخصص الهندسة، والذي كان له دور كبير في تشكيل شخصيته الفنية. وقال بأن شغفه بالتصميم بدأ عندما كان طالبا، حيث تعلم من خلال دراسته كيفية تخيل الأشكال ورسمها، الأمر الذي جعله ينظر إلى التصميم كمجال يمكن أن يتقنه بسهولة، لأنه كان على دراية كاملة بالعملية الإبداعية من بدايتها إلى نهايتها.
انتقل مناف إلى تركيا لإكمال دراسته الجامعية، وهناك وجد نفسه يعمل في سوق الأحذية بالجملة، حيث بدأ يكتشف هذا العالم خطوة بخطوة، فكان في البداية مجرد مراقب ومتعلم، لكنه بفضل شغفه وتصميمه، تمكن من التعمق في هذا المجال تدريجيا كما عبر.
وأكد المتحدث، أنه قرر أن يتعلم أصول الحرفة من المحترفين، فعمل إلى جانب حرفيين سوريين وأتراك بين عامي 2018 و2019، واستطاع خلال تلك الفترة تصميم أول مجموعة أحذية خاصة به.
وقد حققت هذه التشكيلة نجاحا باهرا، حيث تم بيعها بالكامل في عدة بلدان أجنبية، ما أعطاه دفعا قويا للاستمرار وتطوير مهاراته، ووصف مناف هذه التجربة بأنها محطة مفصلية في حياته المهنية، حيث شعر حينها أن لديه موهبة إبداعية فريدة بين يديه، وقرر استثمارها للنجاح في مجال تصميم الأحذية.
في عام 2021، افتتح معرضه الخاص، لتكون نقطة انطلاق جديدة نحو تحقيق أحلامه، وأشار إلى أن تطوره في هذا المجال كان سريعا، حيث اكتسب شهرة واسعة بفضل تصميماته المبتكرة التي تجمع بين الحداثة والأصالة.
في عام 2022، بدأ مناف في التوسع داخل السوق الجزائرية، خاصة في مدينة قسنطينة، حيث أصبح معروفا بشكل كبير، وأوضح أنه رفع التحدي للترويج لتصاميمه داخل الجزائر بهدف تحقيق انتشار واسع يليق بتراث البلاد الغني.
هكذا قررت حماية المجبود القسنطيني
أشار المتحدث، إلى نقطة تحول مهمة في مسيرته، عندما بدأ في تصميم حذاء «المجبود» التقليدي الجزائري، جاء هذا التوجه استجابة لرسائل من متابعيه المهتمين بالتراث، الذين أبلغوه بأن بعض العلامات الأجنبية بدأت بتصميم «المجبود» ونسبته إلى ثقافاتها، ما أثار في نفسه الرغبة في حماية هذا الإرث الثقافي من محاولات التعدي عليه.
ليقرر مناف، أن يعيد «المجبود» إلى جذوره الأصلية، ويقدمه للعالم من خلال بصمته الخاصة، عبر تشكيلة «المجبود» التي قدمها بطريقة حرفية متقنة، ملتزما بالمحافظة على روح التراث، مع إضافة لمسات عصرية تناسب مختلف الأذواق.
وقد حقق هذا التصميم بحسب المتحدث، نجاحا كبيرا داخل الجزائر وخارجها، حيث أصبح اسمه مرتبطا بهذا الحذاء التقليدي الذي يعكس الهوية الجزائرية.
وأكد مناف، أن هدفه الأساسي هو أن يصبح اسمه علامة فارقة في عالم التصميم، ليس فقط من خلال تقديم تصاميم عصرية، بل أيضا من خلال الترويج للتراث المحلي وحمايته، ويرى في كل قطعة يصممها رسالة تعبر عن جمال وتاريخ الجزائر، وتعيد الاعتبار لتراثها أمام العالم.
دراسة دقيقة لتصميم حذاء المجبود
أخبرنا، أن تصاميم حذاء «المجبود القسنطيني» تعتمد على دراسة دقيقة لتناسق الألوان مع المواد الأولية، بهدف ضمان تناغم يجمع بين جمال الشكل وجودة المنتج، مشيرا في ذات السياق، إلى أن اختيار الألوان ليس عشوائيا، بل يتم وفق رؤية مدروسة تأخذ بعين الاعتبار الذوق العام وأحدث الاتجاهات في عالم التصميم.
وقال مناف، بأنه يعتمد على ألوان مميزة تعكس الأناقة والرقي، مثل الأخضر الزيتي، الذي وصفه بأنه الأكثر مبيعا لارتباطه بالأصالة والروح التقليدية، إضافة إلى الأسود الكحلي أو الليلي، والأحمر الياقوتي، والأزرق، مع لمسة شخصية يضيفها باستخدام اللون الوردي العصري.
وشرح مناف، أن زبائنه ينقسمون إلى فئتين، الأولى تفضل الألوان التقليدية التي ترتبط بالهوية الثقافية الجزائرية، والتي كانت دائما جزءا لا يتجزأ من حذاء «المجبود»، مثل الأخضر والذهبي والأحمر الداكن. أما الفئة الثانية، فتبحث عن تصاميم عصرية بألوان جديدة ومبتكرة تناسب الإطلالات اليومية أو العصرية. وأكد المتحدث، أن تصاميمه تحاول إرضاء زبائنه من الفئتين من خلال المزج بين العناصر التراثية والتجديد في الألوان واللمسات.
وذكر،المصمم التحديات الكبيرة التي تواجهه عند تصميم حذاء «المجبود»، مؤكدا أن هذا النوع من الأحذية يتطلب مهارة ودقة عاليتين، لكونه يعتبر من أصعب التشكيلات في مجال الأحذية التقليدية بسبب تعقيد تفاصيله، خاصة ما يتعلق بلصق الزخارف أو «الحرج» باستخدام ماكينات صناعية.
وأشار، إلى أن إنجاز زوج من حذاء «المجبود» يستغرق حوالي شهرين كاملين، في حين أن التصاميم الأخرى تحتاج عادة إلى فترة أقصر، تصل إلى 15 يوما فقط، مؤكدا أنه يولي أهمية قصوى للجودة في جميع تصاميمه. ويرى الشاب، أن العمل على حذاء «المجبود» ليس مجرد حرفة، بل هو شغف ومسؤولية، حيث يسعى دائما إلى أن تكون تصاميمه عملية ومريحة، وتحفة فنية تحمل بصمته الخاصة. واعتبر أن الحفاظ على هذا الإرث الثقافي هو جزء من دوره كمصمم، حيث يعيد تقديم «المجبود» للعالم بأسلوب يدمج بين جمال الماضي ومتطلبات الحاضر.
وأكد المتحدث، أن الترويج لحذاء «المجبود»، داخل وخارج البلاد لا يهدف فقط إلى تحقيق النجاح التجاري، بل أيضا إلى تصحيح المفاهيم الخاطئة التي تحاول بعض العلامات التجارية الأجنبية ترسيخها من خلال نسب هذا التراث لنفسها.
تشكيلة من خيط القصب الذهبي
وأوضح المصمم، أن الأدوات والمواد الأساسية التي يعتمد عليها في تصميم الحذاء هي خيط القصب الذهبي، الذي يعد عنصرا أساسيا في التطريز القسنطيني التقليدي، لتزيين الحذاء بنقوش راقية تعكس الأصالة والهوية التراثية. كما يعتمد على القاطيفة كقطعة رئيسية تضفي الفخامة والجمالية على التصميم، ما يجعل الحذاء مميزا.
وأضاف مناف، أنه يطمح إلى تطوير هذه الحرفة باستخدام مواد جديدة ومبتكرة تضيف لمسات من الموضة الحديثة، لجعل «المجبود» أكثر جاذبية للشباب، وليتسع استخدامه ويشمل مختلف الإطلالات، سواء في المناسبات الرسمية أو حتى في الحياة اليومية.